الحب عبادة من العبادات، وقربة من أعلى القربات، وهو تكليفٌ أمرَ الله تعالى عباده به، فمن عصى الأمر بالحب أثِم، ومن ماطل في الوفاء بحقه غرِم. فمن ذلك حب الله تعالى، فالله أعظم مَن يُصرف له حبُّ المحبين، ووداد الوادّين، فالمحب الصادق لله تعالى يحب ذاته وأسماءه وصفاته، وأفعاله ودينه الذي شرعه. وكيف لا نحب الله تعالى حبًا لا يعلوه حب، وهو ذو الكمال والجلال والجمال. وكيف لا نحب الله عز وجل وهو الذي خلقنا ورزقنا وصوّرنا فأحسن صورنا، كفانا وآوانا، وحمانا وأعطانا. إن أحسنا آجرنا وأثابنا، وإن أسأنا حلم علينا وأمهلنا، وإن تبنا رحمنا فغفر لنا. وكيف لا نحب ربنا تبارك وتعالى، وكل خير نحن فيه فمن عنده، وكل شر دُفع عنا فمن فضله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾ [البقرة: 165]. ومن ذلك حب نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، قرة أعيننا، وهادي طريقنا، وقدوة سيرنا، الذي دلنا على الخيرات، وحذرنا من المنكرات، وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم برهانُه اتباعُ سنته والعمل بهديه، ومحبة ما يحب، وكره ما يكره: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31]. ومن ذاق حلاوة العبادة المتنوعة في رمضان، وفكّر في عظمة تشريع صيامه وما يحف به من الأعمال الصالحة وما يعقبها من الأجر العظيم زاد حبه لله تعالى الذي كتب صيام رمضان على عباده، وتفضل عليهم بنوائله في هذا الشهر الكريم. ومن قرأ القرآن الكريم في رمضان قراءةَ تأمل وتدبر، وفهم ما يراد منه، زاد حبه لهذا الكتاب العظيم الذي تنقل بين أفيائه، وتمتع طرفه بمروره بين صفحاته. ومن تقرّب إلى الله تعالى بالطاعات، وتلذذت نفسه في مخارف القربات، عظم في قلبه حب الإسلام الذي ألفى فيه هذه الخيرات ومن طاب عنده خير رمضان، ونال منه غذاء الروح قوي في قلبه حبُّ نبي الأمة صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله تعالى بهذا العطاء الجزيل إليه. كما أنه عندما تحلو له الحياة في الجو الرمضاني الجميل وهو يعبد الله تعالى كأنه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في استقاء الشريعة الغراء يعلن بالحب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ولمن تلاهم من أهل العلم والعبادة الذين حملوا هذه الأمانة إليه حتى عبد الله تعالى بما أوصلوه من الحق إلى حيث كان.