«الانقلاب» مفهوم شغل الرأي العام و سيطر على الخطاب السياسي مؤخرا، وأثّث كل التحاليل التي حاولت استقراء الصراع الدائر في تونس، في ظل موقف رسمي يتراوح بين الصمت والتحرك في سياقات تقدّم حججا واقعية لكل القائلين بسيناريوهات الانقلاب. تونس «الشروق» «حرب باردة» تشهدها تونس حاليا، ساحاتها كواليس الأحزاب والمؤسسات الرسمية، وأدواتها مواقع التواصل الاجتماعي و المنابر الإعلامية، حرب طرفاها رئيس الحكومة يوسف الشاهد ووزير الداخلية المقال لطفي براهم، بلغت مداها الأقصى بعد إقالة براهم وما خلفته من تعليقات خاصة وان علاقته برئيس الحكومة كانت سيئة في الفترة الأخيرة وهو ما رجّح فرضية تصفية الحسابات كدافع أساسي للاقالة إضافة الى معطيات اخرى منها ما يتعلّق بطموح مزعوم لبراهم و بصراع التعيينات صلب وزارة الداخلية. هذه المواجهة تتالت فيها القراءات وغابت عنها تصريحات رسمية يمكن أن تنير الطريق للرأي العام الذي بقي يتخبّط منذ فترة في سلسلة لا متناهية من المعطيات منها المنسجم ومنها المتضارب ومنها الموجّه، وما زاد الأمر تعقيدا سلسلة الاقالات التي عصفت بوزارة الداخلية في الفترة الأخيرة حيث تم إعفاء عدد كبير من القيادات في خطوة غير مسبوقة توحي بوجود أمر غير عادي في عمق هذه الوزارة، او أراد منفذوها الإيهام بذلك. انقلاب مدعوم من الخارج سيناريوهات عدّة طُرحت في الفترة الأخيرة تناقلتها وسائل الإعلام وتداولها روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، اولها ما تم ترويجه عن سيناريو انقلاب حضّره وزير الداخلية لطفي براهم، و روّج لهذا السيناريو الصحفي الفرنسي نيكولا بو في مقال نشره مؤخرا تحدث فيه عن نية وزير الداخلية المقال لطفي براهم تنفيذ انقلاب في تونس برعاية اطراف خارجية واستدل على ذلك بزيارة لطفي براهم الى السعودية. هذا السيناريو اختلفت فيه القراءات بين من يرى أنه حقيقة قابلة للتصديق ومن يدفع في سياق اعتبار أن المسؤول المباشر عن ترويج هذا السيناريو مقرّبون من يوسف الشاهد يحاولون ضرب لطفي براهم الذي أصبح محط الانظار في الفترة الاخيرة بعد نجاحه في ادارة وزارة الداخلية، ويستدلون على ذلك بلقاءات جمعت «نيكولا بو « بعدد من الشخصيات التي اصبحت مقربة من رئيس الحكومة يوسف الشاهد في الفترة الاخيرة، وقد سبقت هذه اللقاءات نشر المقال بايام قليلة. انقلاب من داخل السلطة أما السيناريو الثاني الذي يروّج بشكل محتشم فملامحه تتجسد في «انقلاب من داخل السلطة « ويقوم اساسا على اعتزام رئيس الحكومة يوسف الشاهد القيام بانقلاب يفتك فيه كل السلطات بعد أن أحس بالخطر خاصة وانه أصبح شبه معزول ولم يبق له من مناصرين سوى حركة النهضة . هذا السيناريو يقوم على قراءتين، الاولى سياسية وتنبني على ما قام به الشاهد مؤخرا من تمرّد على رئيس الجمهورية، تمرّد تجسّد خصوصا في اقالة لطفي براهم الوزير الاقرب الى الباجي قائد السبسي ويؤكد العديد من المراقبين للمشهد السياسي ان الاقالة كانت خارج ارادة رئيس الجمهورية، اضافة الى بسط الشاهد لنفوذه على وزارة الداخلية بعديد التعيينات التي تمتع بها مقربون منه، والحال أن الملف الامني تتداخل فيه صلاحيات رئيس الجمهورية بصلاحيات رئيس الحكومة وكان من الضروري التشاور بينهما. أما الحلقة الاخيرة في سلسلة التمرد فكانت بخطاب الشاهد الاخير، حيث وجّه عديد الاتهامات الى حافظ قائد السبسي وهو ما مسّ رئيس الجمهورية بشكل مباشر خاصة وانه الداعم الاساسي لامساك حافظ قائد السبسي بزمام الامور في النداء . أما المقاربة الثانية فتؤكد أن رئيس الحكومة يعيد تكرار سنة 1987 بنفس الشكل وحتى نفس الاليات التي اعتمدها بن علي للإطاحة ببورقيبة، و يقرّون بأن الامر أوشك على ان يتكرّر لولا رفض وزير الداخلية المقال لطفي براهم القيام بعدد من الاعتقالات التي طُلبت منه وطلب اذنا قضائيا لتنفيذها . ممثل الحكومة في البرلمان كل هذه المعطيات التي يتناقلها الراي العام التونسي إما تأكيدا او استفسارا ستُطرح في البرلمان قريبا، حيث أكدت مقررة لجنة الامن والدفاع الخنساء بن حراث للشروق ان اللجنة التي ستعقد اليوم اجتماعا طارئا سيتم خلالها طرح ضرورة دعوة ممثل عن رئاسة الحكومة، الاقرب ان يكون الناطق الرسمي لها، إلى جلسة صلب اللجنة يتم خلالها طرح ملف ما يتناقله الراي العام مؤخرا حول هذا الملف وطلب توضيحه بشكل رسمي .كما يمكن ان تنعقد جلسة عامة حول هذه المسألة . وتبقى فرضية الانقلاب مستبعدة في بلد مثل تونس التي قطعت خطوة كبيرة في تحقيق الديمقراطية التي تحمي الأنظمة من خطر الانقلاب والتي يصبح في ظلها الحديث عن مثل هذا السيناريو أمرا غير ممكن التحقيق ذلك أن نظام الحكم في ظلّ نظام ديمقراطي ليس بيد رئيس فقط بل موزّع بين سلطات ثلاث وهي الرئاسة والبرلمان والحكومة وهو ما يحد من أي محاولة للانقلاب. كما يرى المراقبون أن النظم الديمقراطية والتي تسير تونس في ركبها تحصن البلاد من أي محاولة انقلابية طالما وان اللعبة السياسية واضحة للعيان وتقودها مؤسسات تتقاسم السلطة وفق نظام رقابي يفرضه الدستور لكل منها على الاخرى، زد على ذلك فان التاريخ السياسي التونسي لم يعرف تقاليد انقلابية بمفاهيمه الامنية و العسكرية وكل ذلك يجعل من سجال الانقلابات مجرد شائعات موجهة أو منخرطة في نظرية المؤامرة لا غير. الداخلية تحقّق قال وزير الداخلية بالنيابة غازي الجريبي تعليقا على المعلومات التي يتم تداولها عن محاولات الانقلاب و لقاء وزير الداخلية المقال لطفي براهم باطراف اجنبية في جزيرة جربة تمهيدا للانقلاب، ان كل هذه المعلومات التي يتم تداولها تخضعها الوزارة للتحليل بصفة جدية وبأسلوب مسؤول وقال ، «نحن لا نهمل أي معلومة بل نقوم بتحليلها، وإن تظافرت القرائن الجدية نحيل الأمر إلى القضاء».