انتشار الغش واستفحاله، وتفشي ظاهرتي العنف والجريمة، وتنامي "الحرقة" والسرقة وال"براكاجات" وغيرها من الظواهر الخطيرة، تنبئ بوجود خلل ما لعله يعود إلى تراجع الدور التوعوي والتحسيسي في العمل الجمعياتي. تونس (الشروق) التحسيس والتوعية من أكثر الأساليب نجاعة للحد من الظواهر السلبية والخطيرة التي تتفشى في المجتمع بين الفترة والأخرى. والى وقت قريب كان لهما الدور الفاعل في التصدي والتحسيس ومواجهة ظواهر خطيرة مثل "الحرقة" والغش وكذلك التحسيس والتوعية بمخاطر الأمراض وكيفية التوقي منها إلى غير ذلك.. لكن في السنوات الأخيرة شهد المجتمع انفلاتا خطيرا وتنامت العديد من المظاهر والظواهر السلبية على غرار غلق الطرقات أثناء الاحتجاجات وإيقاف الإنتاج... فماهي أهم الأسباب الكامنة وراء تراجع الدور التوعوي والتحسيسي التي تضطلع به الجمعيات ومكونات المجتمع المدني بصفة عامة؟ فراغ سياسي وثقافي يرى الأستاذ طارق بالحاج محمد الباحث في علم الاجتماع أن تراجع وغياب الدور التحسيسي في السنوات الأخيرة يعود إلى عدة أسباب منها طبيعة دور المجتمع المدني الذي حافظ على طابعه التقليدي المتمثل في الفراغات التي تتركها الدولة والمجتمع السياسي واعتماد سياسة القرب في معالجة مشاكل الناس والمجتمع والوصول إلى مناطق وشرائح اجتماعية غفلت عنها الدولة أو عجزت عن حل مشاكلها. فالمجتمع المدني يقوم أساسا على مبدإ التطوع والرغبة في خدمة الصالح العام والتنمية البشرية والاجتماعية. لكن في تونس ورغم تضاعف عدد الجمعيات إلا أن كفاءتها ونجاعتها في تطويق المظاهر المستجدة والرعاية والخدمة الاجتماعية لم تكن في مستوى هذا العدد. ويتمثل العنصر الثاني في أن العديد من الجمعيات ليس الغاية منها تقديم الخدمات الاجتماعية أو التطوع لخدمة الصالح العام. بل هي عبارة عن واجهات حزبية للدعاية والتعبئة السياسية وتقديم المعونات والخدمات الموسمية والمشروطة أو تسهيل عملية تمويل الأحزاب من الخارج. أما العنصر الآخر فيتعلق بوجود جمعيات جعلت لغايات سياسية ومالية وأمنية. فوظيفتها إما تبييض الأموال أو الاختراق الخارجي للمجتمع.فالمجتمع المدني ينتعش في الديمقراطيات العريقة التي يسود فيها القانون أما في تونس فالعديد من الشبهات تحوم حول الجمعيات كما أنها توصف بقلة الكفاءة والنجاعة. دور مهم ولكن.. تسعى العديد من الجمعيات إلى القيام بدورها التحسيسي والتوعوي وتقديم مجهودات تذكر فتشكر على غرار الجمعية التونسية لمرضى السرطان التي تنظم سنويا العديد من التظاهرات والحملات التحسيسية والقوافل الصحية للكشف المبكر عن مرض سرطان الثدي في صفوف النساء. كما تسعى الجمعية التونسية للوقاية من حوادث الطرقات الى القيام بدورها التحسيسي والتوعوي على أكمل وجه. والنتيجة كانت تسجيل انخفاض ملحوظ في عدد الحوادث والقتلى والجرحى. وفي نفس الاطار حافظت الإذاعة الوطنية على برنامجها التوعوي والتحسيسي الذي يقدمه الدكتور حكيم طيلة عقود من الزمن. وهو برنامج نطمح أن نرى أو نسمع برامج أخرى مماثلة له على أمواج الإذاعات وشاشات التلفزات التونسية على أن تكون مواضيعها مختلفة تهدف الى معالجة مختلف مظاهر التسيب والفوضى التي يشهدها المجتمع التونسي منذ سنة 2011. كما أكد عديد الخبراء على أهمية دور مؤسسات المجتمع جميعها في المساهمة الحقيقية ونشر الوعي في مختلف مجالات الحياة مثل المجال الصحي. ونشير هنا إلى أن الجمعية التونسية لمرضى السكري تسعى إلى نشر الوعي في صفوف التونسيين بخطورة المرض وتأثيره على الحياة العامة للمجتمع ككل معتبرين أن تظافر الجهود من شأنه إيجاد جيل واعٍ ومدرك للثقافة الصحية عن السكري وغيره من الأمراض الأخرى كالسيدا والسمنة وضغط الدم وكذلك مكافحة آفة التدخين. كما يجب العمل به من أجل الحد منه أو التقليل من نتائجه وتأثيراته السلبية والوقاية من جهة أخرى، بما يعزز من فرق العلاج وفق منظومة متكاملة من العمل المشترك سواء في المدرسة أو الأسرة أو من خلال مؤسسات المجتمع الأخرى ودورها في هذا الجانب، ليكون الدور الذي تقدمه المؤسسات الصحية يأخذ أبعادا توعوية وتثقيفية يكون لتلاميذ المدارس والاطار التربوي دور كبير في تحقيقها. كما أكد الخبراء أيضا على أن للأنشطة المدرسية دورها في إيصال الرسالة الصحية الى المجتمع انطلاقا من التلميذ وصولا إلى الأسرة التي هي خلية المجتمع. ولذلك يجب الحرص على تنوع الفعاليات بمشاركة الجميع سواء الأسرة التي تتمثل في أولياء الأمور والأمهات وأيضا المدارس والمؤسسات المجتمعية الأخرى، والعمل على تفعيل الدور التوعوي التثقيفي لدى فئات المجتمع المختلفة، والتوعية بالبرامج التربوية والتأهيلية الخاصة بهم، وأهمية دمج ذوي الاحتياجات الخاصة بالمجتمع وتوفير حياة تتسم بالاستقلالية والاستقرار، إضافة الى التعريف بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع المجالات التعليمية والتأهيلية والرياضية والترفيهية.