في آخر ايام شهر رمضان المعظم قرر مجلس إدارة البنك المركزي الترفيع في نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي بزيادة100 نقطة أساسية لتنتقل من 5,75 % إلى 6,75 % سنويا. مفسرا قراره ذاك باستمرار استقرار نسبة التضخم في مستوى مرتفع للشهر الثاني على التوالي لتبلغ في موفى ماي الفارط 7,7 % مرجحا أن تواصل هذه النسبة نسقها التصاعدي خلال الفترة المقبلة بسبب الارتفاع المتوقع للأسعار العالمية للمواد الأساسية ولا سيما الطاقة وهو ما اعتبره مجلس ادارة البنك المركزي يشكل خطرا على الانتعاشة التي يشهدها الاقتصاد حيث حقق نسبة النمو في الثلاثي الاول من السنة الحالية بنسبة 2,5 % وهي نسبة لم يحققها منذ سنة 2014 كما اعتبر مجلس الادارة ان هذا الترفيع في نسبة الفائدة تم اتخاذه للحفاظ على المقدرة الشرائية للمواطنين بترشيد القروض الممنوحة للأنشطة غير المنتجة. هذا الترفيع في سعر الفائدة المديرية من مجلس ادارة البنك المركزي هو الثاني في ظرف ثلاثة اشهر لا غير اذ ان آخر اجراء مماثل تم اتخاذه في شهر مارس الفارط بزيادة 75 نقطة أساسية لتنتقل نسبة الفائدة من 5 % إلى 5,75 % وساق مجلس ادارة اعلى سلطة نقدية في البلاد نفس التبريرات التي ساقها قبل ايام حين اكد ان ذلك الاجراء تم اتخاذه لمواجهة مخاطر فعلية تتمثل في استمرار التضخم في سنة 2018، والذي بلغ 7,1 % في شهر فيفري مقابل 4,6 % في نفس الشهر من عام 2017 و 5,3 % بحساب المعدل في سنة 2017 .. ليعاد نفس السيناريو بعد ثلاثة اشهر او اقل فاين الخلل ؟ هل هو في قرارا مجلس ادارة البنك المركزي وعدم قدرته على محاصرة مشاكل الاقتصاد ؟ ام ان الامر يتجاوزه وهو يتحمل عبء الاخطاء الاقتصادية للحكومات المتعاقبة؟ وهل هنالك اجراءات اخرى يمكن اتباعها قبل الترفيع في نسبة الفائدة المديرية بمثل هذا المنسوب المرتفع جدا وماذا سيفعل ان لم يتغير شيء هل سيزيد في نسبة الفائدة مرة اخرى؟ إهمال للواقع يبدو ان مجلس ادارة البنك المركزي لا يفكر في اطار ما يعانيه الاقتصاد التونسي ككل بل فقط يفكر في نطاق ما يخصه معتقدا خطأ انه بمثل تلك الاجراءات سيتم التحكم في مستويات التضخم وتركيع الاسعار والاكيد ان حسابات الواقع ستخالف حسابات مجلس ادارة البنك المركزي لان التجربة اثبتت ان هذا القرار غير ذي فائدة وهذه التجربة ليست بعيدة بل لم يمر عليها الا ثلاثة اشهر فحسب ورغم حدة مؤشر الترفيع انذاك في نسبة الفائدة الا ان نسبة التضخم عاندت ذلك الترفيع لتزيد هي الاخرى من مستوى 7,1 خلال شهر فيفري الفارط و 6,9 بالمائة في جانفي الذي سبقه لتصل الى 7,6 بالمائة في شهر مارس وواصلت نسبة التضخم سياسة القفز العالي لتصل في شهر افريل الفارط الى 7,7 بالمائة لتبقى النسبة في نفس المستوى خلال شهر ماي الفارط ولم تؤت سياسة الترفيع في نسبة الفائدة المديرية اكلها. لانه ببساطة لا يمكن حل مشكل ارتفاع الاسعار في تونس ومشكل التضخم بالترفيع في نسبة الفائدة المديرية لان هذه الفائدة وان تمكن من التحكم في عمليات الاقتراض والتقليل من نسبة السيولة فانها لم تعط نتيجة في تونس ولن تعط اي نتيجة لان ارتفاع الاسعار ليس مرده سهولة الاقتراض ولا ارتفاع حجم السيولة النقدية في الاسواق وعمران جيوب المواطنين بل سببه نقص الانتاج بصورة حادة جدا وشح العرض امام الطلب بنسبة لا يمكن تصورها وهذا لا يوضع عبء حله على مجلس ادارة البنك المركزي بل هو محمول على الحكومة المطالبة بتوفير الظروف الملائمة للترفيع في الانتاج وترسيخ ثقافة العمل وان بحد القانون وبصرامة لا يمكن ان تلام عليها لان الغاية هي خدمة الصالح العام كما ان تراجع الاقتصاد التونسي وصل الى حد لا يمكن معه استعمال المسكنات بل لا بد من عمليات جراحية دقيقة تزيل الاورام من اصولها ولا تبقي عليها في جسد اقتصادنا الذي فعل فيه الضعف فعله بما يهدد العملية السياسية برمتها وينذر باعادة السيناريو الاردني في بلادنا خاصة ان عوامل التوتر فيها اكثر من عوامل التهدئة والبلاد وكانها على برميل بارود تنتظر «الصاعق». كما ان هذا الاجراء من البنك المركزي سيكون له تأثير سلبي كبير على الاقتصاد لان الترفيع في نسبة الفائدة المديرية سيرفع من نسبة الفائدة الموظفة على القروض ليس فقط الاستهلاكية بل وهنا مكمن الخطر على القروض التمويلية التي تعتبر مؤسساتنا خاصة منها الصغيرة والمتوسطة في امس الحاجة اليها للترفيع في طاقاتها الانتاجية وتوفير ما يغطي احتياحات السوق بما يوفر التوزان في معادلة العرض والطلب التي هي اساس كل هذا الانخرام وكل هذا سيزيد في معاناة الاقتصاد الذي لن تتوفر له القدرة على خلق فرص الاستثمار وتوفير مواطن الشغل والترفيع في نسبة النمو وصنع الثروة التي شحت من بلادنا الى حد الجفاف وهو ما سيمثل رسالة سلبية للمستثمرين سواء تونسيين او اجانب لأنه سيزيد في كلفة الإستثمار وستكون له تداعيات خطيرة على المنحى الإيجابي للمؤشرات الاقتصادية المسجلة في الثلاثي الأول من هذه السنة.