تم توقيع اتفاق الوحدة بين القذافي والحسن الثاني. لكن هذا الاتفاق لم ينه في المقابل حالة التوجس التي لم يكن يخفيها الحسن الثاني من القذافي خاصة أنّ "جرح" المسيرة التي أعلن ملك المغرب عن تنظيمها إثر قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي الاعتراف بوجود علاقات تاريخية بين الصحراء الغربية والمغرب وموريتانيا، وبوجود "سيادة ترابية" بين أراضي الصحراء من جهة والمملكة المغربية أو مجموع التراب الموريتاني من جهة ثانية كان يلقي بظلاله على العلاقة بين العقيد الليبي والعاهل المغربي. منذ الأشهر الأولى بدا أن هذا الاتفاق لن يعمر طويلا رغم أن العاهل المغربي كان يصرّ على تنفيذه مبرّرا ذلك بقوله: "كان أبنائي يتعرضون آنذاك لقصف مدفعين: أحدهما جزائري، والثاني ليبي. وكان من أوجب واجباتي إسكاتهما .وبتوقيع هذه المعاهدة تمكنت من جعل القذافي محايدا. وحصلت على التزامه لي بعدم الاستمرار في تقديم أدنى مساعدة لأعدائي وللبوليساريو. ووجدته صادقا ". واعترف الحسن الثاني أنه كان عرضة للامتعاض والاعتراض من طرف الولاياتالمتحدة واللوبي اليهودي في أمريكا . كما يروي في مذكراته بالقول: "عاتبني عديد المسؤولين وقال الأمريكيون إن القذافي" أوقع بي". وكشف الصحفي الفرنسي ايريك لوران في كتابه «ذاكرة ملك» أن الحسن الثاني كان مدفوعا من باب المكره لتجفيف منابع الدعم عن البوليساريو. فكان مستعدا للتحالف مع الشيطان لإخراج جيشه الذي خارت عزائمه في حرب الصحراء الغربية في ظل اعترافات دولية واحتضان عالمي للدولة الصحراوية!. ويقول الرئيس الموريتاني الأسبق المختار ولد داداه في اعترافاته التي دونها في كتابه "موريتانيا أمام دروب التحدي" إن الرئيس الفرنسي شارل ديغول الذي ساند موريتانيا لتصبح دولة مستقلة " قال لي الرئيس سينغور أكثر من مرة إنه لو كانت موريتانيا غير موجودة لتعين علينا خلقها كدولة حاجز بين المغرب وإفريقيا الغربية". ونقل ولد داداه عن الحسن الثاني قوله "إن الرئيس بومدين عبر له عن وجهة النظر نفسها". وفي كتاب "ذاكرة ملك" يقول ملك المغرب الراحل الحسن الثاني في رده على سؤال الصحفي الفرنسي، ايريك لوران:" لا شك أن القذافي كان وراء ميلاد وظهور جبهة البوليساريو. وكانت هناك مراسلات في ما بيننا كان يرد فيها باستمرار. ويضيف القذافي "يجب إلقاء المحتل خارج الحدود(...)، ينبغي خوض حرب ضد الاسبان". ويقول ملك المغرب في حواراته التي نشرتها الشركة السعودية للأبحاث والنشر عام 1993 " :لقد التقى مؤسس البوليساريو، بالقذافي الذي قال له" إنني على استعداد لمساعدتك. لكن ينبغي أن يسمح الجزائريون بمرور الأسلحة التي سأبعثها إليك". ويكشف القذافي في معرض رده على سؤال من لعب الدور الأساسي في ميلاد وظهور جبهة البوليساريو، هل هو بومدين أم القذافي، عن أن العقيد الليبي هو أول من زوّد البوليساريو بالأسلحة. لكن الحسن الثاني يكشف عن وجود اتفاق صريح بين الرجلين. إذ نقل عن بومدين قوله : "أنا على استعداد لمساعدة البوليساريو شريطة أن تصلني الأسلحة الموجهة اليه. وأقوم أنا بعد ذلك بتسليمها له. ويكشف الكاتب الفرنسي ايريك لوران أن ملك المغرب، رفض مشاركة القذافي في المسيرة "الخضراء" وذلك مخافة أن تنكشف حقيقتها لكونها مجرد شماعة للتغطية على الاجتياح الذي تعرضت له المنطقة منذ 31 أكتوبر 1975 . ويقول الصحفي الفرنسي نقلا عن لسان الحسن الثاني وهو يجيب عن سؤال : هل طلب منكم القذافي المشاركة في المسيرة؟: "نعم، فقد وجّه لي سنة 1975 عندما كنت بصدد وضع اللمسات الأخيرة لانطلاق المسيرة، برقية رسمية يقول فيها " بصفتي ثوريا، فإني أساندكم 1000 في المائة، وإني أريد القدوم الى المغرب على رأس وفد ليبي للتصدي للاستعمار، عدونا المشترك". ولكن ملك المغرب لم يعر ذلك اهتماما. وفي ذلك مخافة، هنا يقول" لم يتوصل مني بتاتا بأي جواب".. وبرر الحسن الثاني ذلك بأنه كان يتوجّس من القذافي، خاصة أن الكل يدرك اليوم أن المسيرة لم تكن سوى مطية للتغطية على الهجوم الذي تعرض له الصحراويون. وكان القذافي من قبل قد قال بأن الوحدة بالقوة ستغير معالم وخريطة كل المنطقة بما فيها ليبيا والمغرب . وينقل الكاتب والصحفي الفرنسي عن الحسن الثاني في مذكراته، معاتبة القذافي له بعد توقيع اتفاقية الوحدة عام1984، بالقول "لم أتمكن من فهم رفضكم". لكن الحسن الثاني رد على القذافي بالقول "اسمع يا صديقي العزيز، أود أن أطرح عليكم السؤال التالي وأن تجيبوني عنه صراحة: لو كنتم قد شاركتم في المسيرة، فهل كنتم ستتفقون معي عندما أصدرت الأمر إلى الثلاث مائة والخمسين ألف مشارك بالرجوع؟" ورد القذافي في الحال "لا، ما كنت لأتراجع "فقال ملك المغرب عندها له: "في هذه الحالة كان من الأحسن أن لا تشارك في المسيرة، لأني كنت سأضطر إلى اقتيادكم إلى الحدود بواسطة شرطيين .. وذلك ما كان سيسبب حادثا دبلوماسيا مروعا" يعترف الحسن الثاني. كشف معمر القذافي الرئيس الليبي السابق، الذي كان يترأس إحدى دورات القمة العربية،عن حوار دار بينه وبين الراحل الحسن الثاني، حيث قال القذافي، إنه تحدث ذات مرة إلى الملك الحسن الثاني حول نزاع الصحراء حين كانت مسألة الاستفتاء مطروحة كخيار.وسأله قائلا: ألا تخشى من الاستفتاء؟"، فأجابه الحسن الثاني:" أنا لا أخشى شيئا". وعاد القذافي ليسأله مرة ثانية:" لو أن الصحراويين قالوا إنهم ليسوا مغاربة، ماذا سيكون الوضع؟". فرد عليه الحسن الثاني بالقول: "إذا قالوا إننا لسنا مغاربة فما عليهم إلا أن يرحلوا سواء إلى موريتانيا أو إلى الجزائر أو لأي اتجاه آخر. فأنا لا أقبل أن يوجد فوق أرضي من لا يعترفون بمغربيتهم". وفي سنة 1986 "تكفل" شمعون بيريز، وزير خارجية إسرائيل أثناء زيارته الى المغرب بجعل اتفاق الوحدة بين القذافي والحسن الثاني رمالا تذروها الرياح في صحراء ليبيا... فقد أعلن القذافي الذي أصبح خارج الصراع على الصحراء مع الجزائر وضد المغرب، بشكل مفاجئ عن الغاء اتفاق الوحدة بين البلدين... فماذا حدث، إذن، حتى ينهار هذا الاتفاق بعد عامين فقط من ولادته؟ في الحلقة القادمة حقائق وأسرار جديدة