أثار التقرير الذي نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية مؤخرا جدلا حادا في تونس، استوجب تدخل سفيرة بريطانيا في تونس والناطق الرسمي للحكومة ومن المنتظر أن يدخل البرلمان على الخط قريبا للتحقيق في الاتهامات الخطيرة الموجهة لحكومة يوسف الشاهد. تونس (الشروق) سرحان الشيخاوي وأكّدت الصحيفة في تقريرها أن الحكومة البريطانية قامت بتمويل شركة الإشهار العالمية ‹› Saatchi M&C›› للقيام بحملة تدعم حكومة يوسف الشاهد بعد أحداث جانفي 2018، ردّا على الاحتجاجات الشعبية في مختلف ولايات الجمهورية . اصلاحات الحكومة التونسية وجاء في التقرير أن بريطانيا تعاقدت مع الشركة المذكورة، وتم الترويج إلى فكرة مفادها أن الحكومة التونسية تقوم باصلاحات هامة، ويدعمها في ذلك صندوق النقد الدولي، وتم خلال الحملة استهداف الشباب الذي شارك في تحريك الاحتجاجات . وأكدت صحيفة «الغارديان «أن الحكومة البريطانية مولت الشركة المذكورة من خلال صندوق ‹›الأمن و الإستقرار CSSF›› الذي تم إنشاؤه بدعم حكومي من وزارتي التنمية و الخارجية البريطانيتين، مؤكدة أن البرلمان البريطاني يدقق في تمويلات الصندوق المذكور و طريقة عمله ‹›التي تثير الشكوك››. الحكومة تنفي تقرير الصحيفة البريطانية تم تداوله ونشره في كل وسائل الإعلام التونسية (وكانت صحيفتنا الشروق سباقة الى ذلك) مما استوجب تدخل الحكومة عبر الناطق الرسمي أياد الدهماني الذي نفى ما تم تداوله و أكّد أن الحكومة لم تتعاقد إطلاقا مع أي شركة إشهار، في علاقة بما عرفته البلاد من احتجاجات اجتماعية». لم تمض سوى سويعات على رد إياد الدهماني، حتى تدخّلت سفيرة المملكة المتحدةبتونس «لويز دي سوزا»، مؤكدة أن الحكومة البريطانية اتفقت مع الشركة الإشهارية "M & C Saatchi " للقيام بحملة لفائدة الحكومة التونسية حول الإصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها. السفيرة تؤكد وأكدت السفيرة ان الهدف من هذه الحملة الدعائية، التي تم القيام بها قالت بطلب من الحكومة التونسية، هو تحسيس المواطنين بالإصلاحات الاقتصادية التي تنجزها الحكومة. تدخّل السفيرة أحرج الحكومة باعتبار أنه تضمن تفنيدا لما قاله الناطق الرسمي إياد الدهماني الذي انكر تمويل بريطانيا لأي حملة حكومية تهدف للترويج للاصلاحات الاقتصادية وتُشوّه الاحتجاجات الاجتماعية . تضارب المواقف والتصريحات دفع عددا من نواب البرلمان الى التفكير في تقديم طلب لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية لكشف حقيقة ما حدث خاصة وان الامر لم يعد مجرّد حديث في الكواليس او تسريبات بل امتد الى تضارب في تصريحات رسمية لشخصيات تمثّل الدولة . ومن المنتظر ان يقدم النواب الراغبون في تشكيل اللجنة طلبهم لرئيس البرلمان الاسبوع القادم . لجان تحقيق برلمانية ينص الدستور في فصله 59 على ان «يَنتخِب مجلس نواب الشعب في أول جلسة له رئيسا من بين أعضائه. ويشكّل مجلس نواب الشعب لجانا قارة ولجانا خاصة تتكون وتتوزع المسؤوليات فيها على أساس التمثيل النسبي. ويمكن لمجلس نواب الشعب تكوين لجان تحقيق، وعلى كافة السلطات مساعدتها في أداء مهامها». بيان السفارة ويبدو أن الاحراج الذي تسبّب فيه تصريح الوزيرة للحكومة والصدى الذي احدثه تكذيب السفيرة قد أوجد حرجا كبيرا لكل الاطراف ودفع الى نشر بيان رسمي من سفارة المملكة المتحدة جاء فيه أن الحكومة البريطانية لم تمول حملة اعلامية لفائدة الحكومة التونسية تتعلّق بالترويج لقانون المالية لسنة 2018. وجاء في البيان ايضا أنّ الحكومة البريطانية لا تنخرط في تمويل مثل هذه الحملات التي تتناقض مع توجهات المملكة المتحدة في توفير المساعدة الفنية عبر برامج التنمية في المملكة المتحدة التي تساعد القطاع العام التونسي على التعامل مع الشعب التونسي بطريقة شفافة. فالبيان يتحدّث عن تقديم مساعدة لغايات نبيلة تهدف الى دعم الشفافيّة ويرفض التدخل في الشأن التونسي، وهو ما يطرح تساؤلا خطيرا حول تحويل حكومة الشاهد لوجهة تمويلات من الحكومة البريطانية لغير مقصدها، وهذا ما يُفهم من الارتباك الحاصل في التصريحات الرسميّة البريطانية، ناهيك وأنّ ملف الفساد المرتبط بالتمويل الحكومي البريطاني لمكتب رئيس الحكومة التونسيّة والذي نقلته صحيفة القارديان قد كشفه أحد نواب المعارضة في البرلمان البريطاني.