ماذا بقي من مهرجان قرطاج ، هذا المهرجان الذي بعث أساسا في أوائل القرن الماضي من اجل حماية المسرح الاثري والمعالم الاثرية في قرطاج والاحتفاء بتاريخ المدينة العتيق ؟ وما لا يعرف عن مهرجان قرطاج ، شأنه شأن مهرجان دقة الذي يعد بدوره من اقدم المهرجانات في تونس ، ان بعثهما كان بهدف حماية المعالم الاثرية فيهما من الاندثار والاتلاف ، والاحتفاء بتاريخ المدينتين ، العتيق . ويذكر المؤرخون ان بعث مهرجان دقة الذي يعود الى عشرينيات القرن الماضي كان بهدف تطهير المدينة الاثرية والمسرح الروماني خصوصا من أذى المتساكنين الذين كانوا يقيمون في المدينة في تلك الفترة . وجاء في يوميات عالم الاثار الفرنسي لويس كارتون ( 1861 - 1924 ) الذي قام بعدد من الحفريات في مدينتي دقة وقرطاج في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن الماضي ، انه تعرض لعديد المضايقات من قبل المتساكنين عند مباشرة الحفريات في دقة مشيرا الى انهم كانوا يسكنون داخل الاثار مقيمين فيها أكواخهم ، وكانوا يرفضون مغادرة المدينة رغم قرار السلطات إخلائها لغايات اركيولوجية اواثرية . ويؤكد الباحث الفرنسي انه لم ينجح في اكتشاف المسرح الروماني في دقة بشكل دقيق الا في 1901 بعد اخلائه بالكامل من المتساكنين ، ثم دعا السلطات في الأثناء الى ضرورة حمايته والحفاظ عليه وذلك باستغلاله واستثماره سياحيا وثقافيا . ويذكر انه عرض على السلطات إقامة حفلات وعروض فنية في المسرح تكون مستوحاة من تاريخ المدينة العريق ، وذلك احتفاء بها من جهة والحفاظ عليها من دمار واذى المتساكنين من جهة اخرى . وهكذا كانت انطلاقة مهرجان دقة في جوان 1920 حيث شهدت عروضه الاولى اقبالا كبيرا كان وراء اقتناع المتساكنين بالقيمة الاثرية للمدينة ، واستثمار هذه القيمة في تنمية مواردهم وتوعية ابنائهم . ولا يختلف مهرجان قرطاج تقريبا عن مهرجان دقة من حيث أسباب النشأة اوفكرة بعثه الاولى وهي الحفاظ عليه وحمايته من الاتلاف والاندثار . وكان وراء بعثه كما هوالحال بالنسبة لمهرجان دقة ، لويس كارتون عالم الاثار الفرنسي ، وشهد المسرح اول عرض في 1906 ، ثم تكررت التجربة في 1907 ، وكانت العروض كما هوالحال في مهرجان دقة مستوحاة من تاريخ قرطاج القديم والتراث التونسي عموما . ماذا بقي من هذه الأهداف النبيلة ، سواء بالنسبة لمهرجان قرطاج اوحتى دقة الذي ظل الى وقت قريب محترما لا يعتلي مسرحه الا القديرون من المبدعين ؟ الواضح ان الاستعمار الفرنسي كان ارحم منا في التعامل مع تاريخ تونس والمعالم التاريخية فيها بالخصوص ، وكان اكثر منا غيرة على مسرح قرطاج ومسرح دقة ، ولم يفوت في هذا اوذاك لكل من هب ودب يؤجر هذا المعلم اوذاك مثلما تؤجر قاعات الاعراس وملاعب الكرة مقابل حفنة من الدنانير ليرتع فيها أشباه الفنانين مدنسين بذلك تاريخ بلد باكمله . هنيئا لنا بمهرجان قرطاج الذي تحول من مشروع ثقافي كبير الى « عربون « تتحكم فيه عقلية انتهازية منحطة همها الوحيد خدمة أغراضها الشخصية بلا أدنى احترام لتاريخ البلاد ومعالمها الحضارية . وعلى قول احمد رجب ، هذا الشعب تجاوز عمره 3 آلاف سنة ، فلا تعجبوا فساده لان مدة صلاحيته انتهت من زمان !