مرت فترة طويلة نسبيا على بداية تفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية في تونس وانعكاساتها على الأوضاع الاجتماعية ورغم ذلك مازال السؤال المطروح على الساحة السياسية خاصة في تونس هو كيف الخروج من الأزمة؟ تونس الشروق: اعداد عبد الرؤوف بالي تعتبر الأزمة الراهنة التي تمر بها بلادنا سابقة تاريخية. حيث لم تشهد تونس أزمة مماثلة لها في عدة جوانب منها حيث أنها أزمة اقتصادية لكنها بأبعاد متعددة فهي سياسية قبل أن تكون اقتصادية أو اجتماعية بالرغم من أن تلك الجوانب تعقدت أيضا بفعل تواصل الأزمة. مظاهر الأزمة تتمثل أزمتنا اليوم في عناصر عدة تتفاعل في ما بينها حتى وصلنا الى مرحلة عجزت فيها الدولة عن القيام بدورها في إدارة الشأن العام. فنجد الصورة اليوم كما يلي، رئيس حكومة معزول، أحزاب غير قادرة على التواصل مع السلطة، رموز السلطة من رئيس البرلمان الى رئيس الجمهورية الى رئيس الحكومة معزولة وعاجزة عن التحرك. وأدت تلك الوضعية الى تفاقم الأزمة الاقتصادية بالبلاد نظرا الى عجز السياسيين عن فرض خياراتهم الاقتصادية لإنقاذ البلاد. فلم تقم تلك الأحزاب سواء التي فازت سنة 2014 بالأغلبية أو التي التحقت بها في وثيقة قرطاج الى اليوم بتمرير ولو إصلاح وحيد من الإصلاحات الكبرى الضرورية. وفي الاثناء تفاقمت الأزمة القيمية أو الاخلاقية في البلاد فإلى جانب دعم هذا الوضع للفساد في البلاد فقدت الدولة رمزيتها لدى المواطن وهيبتها ونفوذها وحطت تلك الأوضاع من رمزيتها وقدرتها على إنفاذ القانون أو الأخذ بزمام الأمور. وأمام هذا الوضع المتردي شهدنا تفاقم الأزمة الاجتماعية التي تزداد خطورة يوما بعد آخر دون أي مؤشر يدل على أن الازمة السياسية التي كان لها دور في تطور الأزمة الاقتصادية والاجتماعية هي أصل ما تعيشه البلاد اليوم وهي التي حالت دون حصول عملية إنقاذ حقيقية فكيف الخروج من هذه الأزمات؟. الحلول المطروحة في الطريق الى الحلول الكفيلة بالخروج من الأزمة تدور البلاد ككل منذ أشهر في حلقة مفرغة. فالدولة في وضع تعطب منذ فترة والحكومة تكتفي بتسيير ما هو يومي دون القدرة على إحداث تغيير فعلي في المسار الذي نسلكه اقتصاديا واجتماعيا وحتى سياسيا. ويعتبر أساس الازمة الحالية الخلاف حول التحوير الوزاري بين الفرقاء السياسيين وحلول كل طرف تبنى على موقفه من طبيعة التحوير الوزاري. هل يكون عميقا ويشمل يوسف الشاهد أم يقتصر على تحوير جزئي مع اعتماد برنامج إنقاذ يتمثل في النقاط الثلاث والستين التي توافق حولها الممضون على وثيقة قرطاج 2. وفي الاثناء نعلم جميعا أن التحوير بشكليه المقترحين لا يمكن الا في اطار القانون وما ورد في الدستور. لكن لم يتمكن أي شق من تحصيل أغلبية لتمرير موقفه. فأصبح لدينا مشهد سياسي في السلطة منقسم وجامد ورئيس حكومة لا يحكم لأنه فقد الأغلبية ولا يمكنه تمرير أي قانون. وتلك هي الحلقة المفرغة التي نسير فيها جميعا منذ أشهر. لكنها تكاد تكون أشبه بالمثل الفرنسي عن الافعى التي تأكل ذيلها وكل دقيقة تمر تزداد الدائرة التي تشكلها ضيقا. إن السبيل الى كسر هذه الحلقة المفرغة يكاد يكون محل إجماع من مختلف الفرقاء الذي يعتبرون أن الحل مازال ممكنا بين الشيخين الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي اذا توفرت الإرادة السياسية لذلك. وهما القادران على فرض عودة نقاشات قرطاج. وفي تلك الحالة سيتم اعتماد أحد الخيارين إما الابقاء على الحكومة الحالية مع تحوير جزئي لتدارك النقائص وبرنامج للإنقاذ يعطي إشارة واضحة على حصول تغيير في طريقة تسيير الدولة والعودة الى النسق العادي لدواليب الدولة أو التوافق حول التغيير العميق واعتماد برنامج الإنقاذ لكسر حالة الجمود. وبعيدا عن توافق الشيخين هناك سيناريو آخر يروج له البعض من الفاعلين السياسيين. وهو تكوين جبهة بين الأحزاب القريبة من نداء تونس وإخراج حركة النهضة من الحكم وتمرير مشروع التحوير العميق الذي تصر الحركة على رفضه. لكن لم تتضح بعد موازين القوى حتى في هذا المخطط. ولعل ما يتجاهله الفرقاء السياسيون اليوم هو وجود سيناريو رابع تسير البلاد نحوه في غفلة من الجميع. وهو سيناريو تواصل الوضع على ما هو عليه مع تجاهل إمكانية حصول الانفجار الذي تنتظر أطراف أخرى تحققه لاستغلاله من مهربين وإرهابيين ومضاربين وفاسدين وغيرهم. فما الذي ستختاره الأحزاب اليوم؟.