تعيش الساحة السياسية في تونس على وقع أزمة متصاعدة منذ تعليق العمل بوثيقة قرطاج حيث ان كل طرف تمسك بموقفه من مصير الحكومة الحالية بالرغم من التوافق حول برنامج الانقاذ الاقتصادي. تونس (الشروق) تواصلت حالة الغموض في الساحة السياسية منذ يوم 28 ماي اثر اعلان رئيس الجمهورية تعليق العمل بوثيقة قرطاج الى ان يتوصل الفرقاء السياسيون والاجتماعيون الى حل بخصوص النقطة 64 من وثيقة قرطاج 2 والتي تهم مصير الحكومة الحالية. المأزق وبالرغم من حالة الغموض التي خلقها ذلك القرار الا ان التواصل بين مختلف الاطراف لم ينقطع لكن كذلك لم يتوصل بعد الى حلول للأزمة التي تزداد حدة يوما بعد آخر بل ان المعادلة السياسية بين الموقعين حافظت ايضا على شكلها السابق مع تغيير طفيف في موقف حزب المبادرة. وبحثا عن الحلول الممكنة لهاته الازمة وجدنا ان كلا من الاتحاد العام التونسي للشغل وحركة نداء تونس وحركة النهضة يصرون في مواقفهم المعلنة على ضرورة ايجاد حل في اقرب وقت ممكن للخروج بالبلاد وبالساحة السياسية من هاته الازمة. هناك اتفاق بين كل الاطراف دون استثناء ان الوضع الراهن لا يخدم الاستقرار في البلاد كما لا يخدم الوضع الاقتصادي المتازم والذي قد يتأثر اكثر بتواصل الغموض السياسي في تونس أي في حالة تعليق العمل بالتوافق. ومن جهة أخرى فان كل من النداء واتحاد الشغل اكدا امس الاول موقفهما الذي يعتبر ان الحل يكمن في اجراء تغيير عميق وشامل للحكومة «بغرض الشروع في الإصلاحات وبما يساعد على المضي قدما في اتجاه تحقيق نمو حقيقي ودائم والسيطرة التدريجية على نسب التضخم والبطالة». ومن جهتها ترى حركة المبادرة ان الوضع لا يجب ان يستمر على ما هو عليه الان وتعتبر انه من الضروري العودة الى طاولة الحوار في اقرب وقت ممكن من اجل انهاء حالة الغموض التي زادت من حدة الازمة الاقتصادية والسياسية في البلاد. وعلى صعيد متصل فقد أكد القيادي في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي في حديث مع «الشروق» ان «الأزمة الراهنة نتاج أخطاء و ضعف أداء تراكمت طيلة سنوات دون ان نهتدي للتشخيص المشترك المناسب ولا ان نمتلك الجرأة لإيجاد وإنفاذ الحلول الأزمة في تقديرنا نتيجة فجوتين : -بين انشغالات عالم النخبة بحكامها ومعارضيها ،وأحزابها ومنظماتها واهتمامات عامة الناس ،نتيجة تفاقم العجز عن الاستجابة للاستحقاق التنموي ومقتضيات الحوكمة الرشيدة وإنفاذ سلطة القانون . -وبين استحقاق قوة وتكامل وتضامن المؤسسات وحقيقة هشاشة وأحيانا لا مسؤولية للمشهد الحزبي والمنظماتي على اختلاف في درجة المسؤولية». الحل لدى الرئيس وتابع «انتخابات السادس من ماي كانت انجازا تاريخيا للثورة التونسية و لكنها وجهت رسائل خطيرة لعالم السياسة برمته . لذلك لا يمكن إيجاد حلول حقيقية للازمة الحالية دون الانتباه لهذا الإطار العام بحيث نعالج المستعجل ولكن ضمن رؤية توفر شروطا أفضل لحكم البلاد بعد انتخابات 2019 حيث يكون لكل طرف ،مؤسساتي أو حزبي أو منظماتي، موقعه ودوره في حياة ديمقراطية سليمة «. وحول الحلول الممكنة قال محدثنا « عمليا : -يجب الحسم في ملف عمق التحوير الحكومي اليوم قبل الغد فالبلاد لا تحتمل ،و حالة الغموض طالت اكثر مما يجب . -رئيس الدولة لديه الصلاحيات و الشرعية للقيام بذلك ،ولا يخلو الأمر من احد الاحتمالات : إما تجميع أطراف وثيقة قرطاج ،و هذا الخيار لا يكون مناسبا الا في صورة التوافق القبلي على حل ،إذ ليس من المفيد تكرار مشهد 28ماي . أو إجراء اتصالات مع أكثر الأطراف تأثيرا و تثبيت الشاهد رئيسا للحكومة مع المسارعة بكل التغييرات التي يقتضيها تحسين الأداء وترسيخ التضامن داخل الفريق ،و يقتضيها تطبيق الخيارات و الإجراءات المتفق عليها في حوارات الأشهر الماضية (النقاط ال63)،او إعلان تغييره واتخاذ الإجراءات التي يقتضيها الدستور «. وأضاف « مع هذا الملف المستعجل يجب ان تبادر السلطات بسياسة اتصالية ناجعة لتزيل الغموض ،وتفند الإشاعات ،وتعيد الأمل ،وتعبئ الرأي العام في معركة الإصلاحات الكبرى . كما يجب ان يعكف الفاعلون الحزبيون خاصة على قراءة عقلانية لنتائج انتخابات السادس من ماي والاستعداد لتقديم عرض سياسي يحفز الناس للمشاركة في انتخابات 2019بما يفضي الى مشهد مؤسساتي قادر على الحكم بنجاعة وسلاسة وتكامل». اذن فانه هناك اقرار من كل الاطراف ان المشكل الذي تسبب في حالة الغموض السياسي في البلاد هو فقط قضية التحوير الحكومي ان كان عميقا او جزئيا وليس هناك خلاف حول البرامج او حول ضرورة التسريع في النقاشات من اجل انهاء تلك الحالة كما يتفق الجميع على دور الرئيس الباجي قائد السبسي الحاسم هنا فهل نشهد انفراجا قريبا ام يواصل رئيس الجمهورية غيابه.