انتخاب شيخ مدينة تونس هو صورة مصغرة للانتخابات كلها والمشهد الحزبي القادم بصفة أوسع. النداء والنهضة لا يتوافقان عندما تتضارب مصالحهما، هذه الحقيقة فما تأثيراتها اللاحقة؟. تونس الشروق: «بان بالكاشف أننا أنهينا التحالف مع النهضة من خلال نتائج الانتخابات البلدية في مختلف مناطق البلاد»، ما قاله الناطق الرسمي باسم حركة نداء تونس، منجي الحرباوي، أمس في مداخلة له على «شمس آف آم» هو تأكيد لما قاله المدير التنفيذي في النداء حافظ قايد السبسي قبل أسابيع من أن حزبه «لن يتحالف مع حركة النهضة في المجالس البلدية...». النداء لم يتحالف مع النهضة في انتخاب شيخ مدينة تونس ولا في غيرها من انتخابات المجالس البلدية، وإن حدث تنسيق أو توافق بينهما مثل ما وقع في بلدية رواد فتبعا لاجتهادات شخصية لا تلزم حزب النداء ما يعني في النهاية أن التوافق السابق بين الحزبين لم يكن توافقا استراتيجيا دائما بل إن الضرورة والتقاء مصلحتيهما ألزمت تشاركهما الحكومي وتنسيقهما السابق على المستويين الحزبي والبرلماني. نهاية التوافق والتنسيق قد ينتهي التشارك الحكومي مع تشكيل حكومة جديدة، وقد يتواصل إذا تم التوافق على تثبيت الشاهد إلى موعد الانتخابات القادمة، وحتى ذلك التاريخ لن يكون هناك تنسيق حزبي ولا برلماني جراء الحاجز النفسي الذي انتصب من جديد بين «الشريكين المتعاديين». مؤشر هذه القطيعة ظهر أول أمس في ما يعتبر سابقة برلمانية تم فيها إسقاط إتفاقية قرض جراء عدم توفير الأغلبية من الأصوات والحال أن التنسيق بين كتلتي النهضة والنداء كان يوفر الحد الأدنى المطلوب دون الحاجة إلى أصوات بقية النواب. لا يمكننا الحديث عن توافق بين النداء والنهضة طيلة المدة التي تفصلنا عن الانتخابات التشريعية والرئاسية بل إن شراسة التنافس بين الحزبين في انتخاب شيخ مدينة تونس تكفي للدلالة على عودة المواجهة بين الحزبين فكيف سيخوضها كل طرف منهما؟. تحالفات النداء تقدم على النهضة خلال آخر انتخابات تشريعية لكن النهضة قلبت المشهد فتسيدت البرلمان ثم تقدمت في الانتخابات البلدية قبل أن تسيطر على أغلب البلديات وأهمها وأكثرها تأثيرا. السبب واضح بالنسبة إلى الندائيين فسيطرة النهضة لا تعني أنها أصبحت أكثر قوة بل لأنها تضررت أقل من النداء ولم يصبها ما أصابه من مشاكل داخلية واستقالات وانسحابات وانشطارات. الحل إذن بالنسبة إلى الندائيين يكمن في مواجهة النهضة واستعادة السيطرة منها ولهذا بدأت منذ أسابيع مشاوراتها من أجل إعادة تجميع الأحزاب المنشطرة عن النداء في تحالف انتخابي ينفع جميعها. هي خطوة أولى تتلوها خطوة استقطاب الأحزاب الحداثية والديمقراطية القريبة نسبيا من الندائيين مثل حزب آفاق تونس لكن الخطوة الثالثة لا تقل أهمية عن السابقتين بما أنها تخص الجبهة الشعبية بما تمثله من ثقل برلماني وشعبي ضمن اليسار التونسي. ضد النهضة «الجبهة الشعبية من بين الأطراف التي تم الاتفاق معها» ما قاله الحرباوي في مداخلته سابقة الذكر يبدو مبهما إذ لم يكشف عما وقع الاتفاق حوله ولكن الأقرب إلى المنطق أن يكون تحالفا ضد النهضة وهذا ما نستشفه من بقية كلامه حول الاتفاق مع «الأحزاب الأخرى التي ترفض أن تؤول رئاسة بلدية تونس لحركة النهضة». ملامح الصورة تتوضح يوما بعد يوم فالمشهد السياسي في طريقه إلى الانقلاب بطريقة تعيدنا إلى فترة ما قبل تشريعية 2014 بفوارق بسيطة: فالنهضة الأقوى حاليا ستجد الجميع في مواجهتها وهذا طبيعي من مبدإ الاجتماع ضد الأقوى لكنها لن تجد معها حزبي التكتل والمؤتمر كما كان سابقا بل تجد نفسها وحيدة فيما تسير القوى التقدمية نحو تحالف يتم فيه غض الطرف عن جميع المسائل الخلافية بما فيها بقاء حافظ على رأس النداء والتجاوز عن «خطإ» النداء في التوافق السابق مع النهضة ولكن إلى أي حد يمكن لهذا التحالف أي يصمد؟. تحالف انتخابي التحالف موجود بالقوة وإن لم يتبلور بالفعل، الاشكال الوحيد يكمن في الأطراف التي ستشكله وإن كان المبدأ أن يضم كل طرف مناهض للنهضة إلا من حرّم على نفسه الانضمام. هذا التحالف لن يكون كسابقيه تحالفا استراتيجيا دائما لأن أحزابنا لا تملك عموما منظرين قادرين على إعداد التحالفات الاستراتيجية الدائمة، لهذا سيكون تحالفا انتخابيا فقط تكمن غايته الأساسية في التصدي للنهضة وعدم تمكينها من الفوز بالانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة. عندما تنتهي الانتخابات وتظهر نتائجها يعود كل حزب إلى آلته الحاسبة فيجمع ما يربحه من علاقاته الموالية ويقارنها بما يخسر ثم يقرر على ضوئها ما يراه مناسبا لمصلحته. بعد انتخابات 2019 سيكون هناك مقال آخر لمقام آخر لن نستغرب فيه شيئا حتى عودة النداء والنهضة إلى توافقهما.