فجأة ودون مقدمات اشتعل الوضع على الحدود الليبية المصرية... لم يكن هناك ما ينبئ بأن العلاقة المتوترة بين القذافي والسادات ستأخذ منحى الصدام والمواجهة رغم حالة الجفاء والتنافر التي كانت تخيم على علاقة القذافي والسادات فلا القذافي كان مقتنعاً بأن السادات يستطيع ملء مكان عبد الناصر ومكانته، بعدما وصفه بأنه «ليس صاحب فكر ثوري يناضل لتحقيقه، ومجرد رجل أذهلته السعادة حين وصل إلى السلطة في لحظة فراغ أصاب الكل بالدوار»، ولا السادات كان يرى في نظيره الليبي أكثر من «شخص مجنون، شاب بلا تجربة، وأنّ استعداده للمغامرة أكبر من قدرته على حساباتها»، ولذلك فإن «الكيمياء بين الرجلين تعطل تفاعلها، وتنافرت عناصرها بدل أن تمتزج». تنافر تمثّل في عدد من المواقف الصدامية، جعلت من «محاولات جمع النقيضين ينفد وقودها مبكراً» كما يروي الكاتب المصري حسنين هيكل. وهكذا نفد "الهدوء الحذر" الذي خيم على العلاقة بين الرجلين طيلة السنوات الأولى بسرعة وتحوّلت الاشتباكات الكلامية بسرعة دراماتيكية الى حرب حقيقية بدت مفتوحة على تطورات متسارعة. يقول قذاف الدم ابن عم القذافي في روايته انه لم تكن هناك أي خلافات بين القوات المسلحة بين البلدين، وأن أفرادا من الجهتين كانوا يتزاورون على الحدود المتاخمة، وكانت هنالك «أُلفة بين العسكريين». استمر هذا الوضع لفترة نسبية بحسب قذاف الدم إلى أن «فوجئنا في أحد الأيام باختطاف مجموعة من الشرطة، حيث تواصلنا مع الرئيس السادات لإطلاق سراحهم، إلا أنه قال إنهم دخلوا الحدود المصرية»، مضيفا «تم افتعال قصة ليس لها معنى، حصلت على إثرها مشادات كلامية وحرب إعلامية»، مبينا أنه بعد ذلك «قامت القوات الخاصة الليبية بخطف مجموعة من المصريين»، ليرد الطيران المصري بقصف «قاعدة جمال عبد الناصر الجوية» في طبرق، لترد طرابلس بضرب إحدى الطائرات بالصواريخ، وأسرت تاليا مجموعة من الطيارين. هذا التوتر دفع عددا من الرؤساء العرب إلى التدخل لوقف الحرب بين البلدين، منهم خصوصا الرئيسين الراحلين هواري بومدين وياسر عرفات. يروي قذاف الدم في شهادته كيف أنه زار الولاياتالمتحدة، وعاد منها محملا بعدد من الوثائق والخرائط التي تثبت «تورط» مصر في «مؤامرة ضد ليبيا». وكيف أنه ذهب مباشرة إلى الرئيس أنور السادات، وعرض عليه الوثائق، قائلا إن السادات «لم ينكر صحتها»، وأن الرئيس المصري السابق كان غاضبا من العقيد الليبي معمر القذافي، ويتهم الأخير بنيته قصف السد العالي بالصواريخ. ويضيف قذاف الدم أن السادات اعترف في الحديث الذي دام يوما كاملا أنه بالفعل عُرض عليه المشاركة في ضرب ليبيا. ويتابع قذاف الدم أنه ذهب للقاء السادات دون أخذ إذن القذافي، وأنه أخذ «مخاطرة كبيرة» من أجل «الحصول على حل»، مبينا أنه طلب من السادات «أخذ مبادرة تثبت حسن النية، عبر سحب جزء من القوات المصرية، لتكون ورقة أعود بها». يقول قذاف الدم في روايته ان القذافي غضب بداية من عدم إخبار قذاف الدم له بنيته زيارة مصر، وعاتبه، معتبرا أن السادات مجرد «عميل لأمريكا»، إلا أن التزام السادات بسحب جزء من القوات عن الحدود، أثبت «صواب» مبادرة قذاف الدم، ولتليها خطوة ليبية أخرى، تمثلت بأن ألقى القذافي خطابا أعلن فيه عدم نيته ضرب مصر ولا تهديم السد العالي. وهو ما فتح الباب للحوار بين البلدين وعقد جلسات مباشرة لحل المشكلات العالقة في عدد من المدن الأوروبية والعربية. يكشف أحمد قذاف الدم انه قال للسادات: « أنا جئت دون إذن. إما أن نصل إلى حل، أو احجز لي مكانا عندك لكي أمكث في مصر، لأن القذافي لا يعلم بهذه الزيارة ولم آخذ إذنه، ولا أستطيع أن أعود إليه بعد هذا دون نتيجة مريحة». وبعد نقاش بين الرجلين أقنع خلاله قذاف الدم مضيفه بعدم وجود نوايا عدوانية لدى بلاده، وكشف ابن عم القذافي أن أنور السادات قال له: «سأسحب لمدة أسبوع»، وهكذا باختصار انتهت تلك الحرب العبثية. ورغم انتهاء تلك الحرب وعودة مصر الى «الحضن» العربي في نهاية الثمانينات وعودة مقر الجامعة العربية إلى القاهرة الا أنها خلّفت في المقابل جروحا لم تندمل حيث بقيت العلاقات الليبية المصرية متدهورة بينما استمرّت الهجمات الاعلامية التي كانت حادة اللهجة. في الاثناء ظل القذافي «يساوم» السادات بورقة العمال المصريين في ليبيا كورقة ضغط على مصر. وفي خضم بدء تحسن علاقات القذافي بالغرب، بعد قطيعة طويلة، تحسنت في نفس الوقت علاقاته بالقاهرة وأصبح يزورها بين الفينة والأخرى ويستقبل أيضا حسني مبارك ويلتقي بالسياسيين كما يلتقي بكتاب ورجال الإعلام المصريين ل»تعريفهم» بمشروعه الوحدوي الذي بقي في الأخير حبرا على ورق. والى حلقة قادمة