دخلت العلاقات الليبية المصرية مرحلة غير مسبوقة من الصدام والمواجهة. وأخذت القطيعة بين النظامين المصري والليبي شكلا رسميا بعد أن وصل الخلاف بين السادات والقذافي إلى الذروة عبر اتهامات وتهديدات متبادلة وعنيفة، بين الطرفين سرعان ما تحوّلت الى مواجهات مسلحة. وهكذا اشتعلت الأزمة وتطورت في 21 جويلية من عام 1977 الى حرب طاحنة استخدمت فيها الأسلحة النارية على الحدود. وتحولت سريعا إلى صدامات جوية وبرية عنيفة، دخلت خلالها قوات مصرية إلى بعض المناطق الليبية بينما شنت الطائرات المصرية غارات على القواعد الجوية الليبية الواقعة شرق وجنوب شرق البلاد. واشتعلت المناطق الحدودية بين البلدين بالنار. وكان المشهد مأساويا. فالجرحى الليبيون في قاعدة العضم مثلا تم نقلهم الى مستشفى طبرق. حيث قام بعلاجهم أطباء مصريون .. وبدأ الرئيس الجزائري هواري بومدين والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بالتحرك والدعوة الى وقف إطلاق النار وعرض الوساطة . شعرت شركات البترول الأمريكية التي كانت بصدد التنقيب عن البترول في طبرق بالقلق لا سيما أن الولاياتالمتحدة لم تكن لتقبل بأن تصبح مصر مؤثرة في سوق البترول العالمي. فتلقى السفير الأمريكي بالقاهرة تعليمات بضرورة اللقاء مع السادات وبأن يطلب منه وقف تلك العمليات فورا. وبينما كان السفير الأمريكي في طريقه الى لقاء السادات كان يتساءل في قرارة نفسه حول ما إذا كان الجيش المصري سيقبل أن يجد نفسه ممنوعا من التمركز في الشرق ومطالبا في نفس الوقت بأن يتمركز في الغرب ومستعدّا للعمل ضد دولة عربية!...كان هذا السؤال الحارق يطرق ذهن السفير الأمريكي بإلحاح. وفي تلك اللحظة العصيبة «طار» هواري بومدين الى ليبيا ومن ثم الى الاسكندرية بينما كانت البيانات المصرية تتوالى عن تدمير الجيش المصري المعسكرات الليبية في واحة "جغبوب" وتدمير مطارات العضم والكفرة وقواعد الرادار والصواريخ ! وبعد لقاء هواري بومدين بالسادات توالى الرؤساء الأفارقة والحكام العرب على مصر . واكتشف السادات أن فكرة غزو ليبيا تم إجهاضها ولم تؤد الى أي تغيير في الأوضاع . وكان ذلك يوم 24 جويلية. لكن 24 جويلية لم يكن الرقم الوحيد الذي دوّنه ذلك اليوم الأسود من المواجهة بين ليبيا ومصر...وخلف هذا الرقم كانت هناك أرقام أخرى مفزعة تتحدث عن مقتل نحو 100 جندي مصري، وإسقاط 4 طائرات «ميغ - 21» مصرية، مقابل مقتل 400 جندي ليبي، وتدمير 60 دبابة و20 طائرة «ميراج 5. لكن تأبى فصول هذه المعركة أن تتوقف عند تلك الرواية....وتطلّب الأمر نحو 37 عاما كاملة حتى نستمع الى رواية أخرى عن تلك الأحداث الدراماتيكية التي خلفت جرحا غائرا وشرخا عميقا في العلاقة بين البلدين. وفي عام 2014، كشف أحمد قذاف الدم، ابن عم العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، ومنسق العلاقات الليبية المصرية في عهده، النقاب عن رواية جديدة حول تلك الحرب القصيرة... وأظهرت تلك الرواية أن طرابلس اتهمت القاهرة بأنها تنفذ بتلك الحرب «مؤامرة» أمريكية تقوم بموجبها القوات الأمريكية بالهجوم على شرق البلاد وقوات تونسية بمهاجمة غرب البلاد. في حين تتمركز قوات الأسطول السادس قبالة السواحل الليبية لمنع الاتحاد السوفياتي من التدخل. وفي المقابل، اتهمت القاهرةطرابلس بأنها تريد تدمير السد العالي بالصواريخ، وأنها تسعى إلى غزو مصر والسيطرة على مناطق حدودية قريبة من الإسكندرية. المسؤول الليبي السابق وابن عم العقيد القذافي أحمد قذاف الدم، تحدث عن دور هام له آنذاك في وضع اللمسات الأخيرة على نهاية حرب الأيام الأربعة، مشيرا إلى أنه تواصل مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات. وزاره في منزله في ميت أبو الكوم أكثر من مرة. بل وزاره في أحد الأيام من دون علم القذافي. وسرد في هذا الشأن رواية تقول «طرحت على الرئيس في بيته بميت أبو الكوم أيضا، تفاصيل الخطة التي حصلنا على معلومات بشأنها بواسطة أجهزة الاستخبارات الليبية. وتهدف الى غزو مصر لليبيا من الشرق وغزو تونس لليبيا من الشمال، على أن يتصدى الأسطول الأمريكي في البحر المتوسط لأي محاولة للتدخل من جانب الاتحاد السوفياتي». كانت ردة فعل السادات -يقول قذّاف الدم - إنه «أشعل سيجارته ودار حول نفسه. ثم أخذ يتطلع إلى الأشجار والنخيل من حوله.وظننت أنه سيتفهم ما قلته له. لكن فجأة نفث الدخان . وعاد سيرته الأولى. وهو غاضب أكثر من المرّة الأولى.وكان كل شيء ينذر بأن الوضع مقبل على انفجار كبير وأن تلك الحرب الخاطفة ليست سوى "بروفة" لحرب أخرى شاملة ..وكانت كل الظروف تمهد لها .. والى حلقة قادمة