يبدو أن الأحداث قد أخذت نسقا تصاعديا داخل حركة نداء تونس منذرة بأن قادم الأيام سيكون حاسما في تحديد مصير هذا الحزب الذي عصفت به الخلافات وفجّرته التناقضات والصراعات الشخصية مما أربك الدولة وأغرق البلاد في الكثير من الحروب السياسية المكلفة بعد أن أصبحت له قيادتان تتصارعان على ما تبقّى من شرعية. ورغم أن أزمة نداء تونس تبرز في ظاهرها على أنها نتيجة لصراعات شخصية حول التموقع داخل الحزب وبالتالي تحديد البرامج والسياسات والخيارات إلا أنها في الواقع تخفي موقفين يشقّان نداء تونس في ما يتصل بالعلاقة مع حركة النهضة على وجه التحديد. فمن خلال الأزمة التي يشهدها النداء يتضح بجلاء اليوم أن هذين الشقين المتصارعين ونعني بهما شق حافظ قائد السبسي من جهة وشق يوسف الشاهد من جهة أخرى لهما مواقف متناقضة حدّ القطيعة... ولعل مسألة الحسم في هذه العلاقة أو ما يعرف ب«التوافق» هي التي عجّلت بتفجير هذه التناقضات داخل الحزب... لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم بإلحاح يتمثل في مدى قدرة «الحركة التصحيحية» الجديدة التي انبثقت عن اجتماع الهيئة السياسية أول أمس، على توحيد صفوف الحزب من جديد خاصة وأنها وضعت بعض الشروط التي من أهمها إغلاق الباب بشكل نهائي أمام كل من تعتبرهم مسؤولين عن الوضعية الحالية للحركة على غرار محسن مرزوق ورضا بلحاج، علاوة على أن هذا التيار القديم الجديد يبدو غير متجانس في ما يتعلق بالموقف من مسألة «التوافق» مع حركة النهضة بل إن بداخله تباينات تبدو شديدة الوضوح. لكن هذه التباينات، على أهميتها، يبدو أن مجال الحسم فيها سيكون خلال المؤتمر القادم للحزب الذي تمّ تحديده في موفّى سبتمبر المقبل والذي لا شكّ أنه سيكون محطّة مصيرية بالنسبة الى مستقبل الحزب، إما من خلال تصحيح المسار... أو الاندثار. وإن كان «شبح» الفرضية الثانية يطرق بقوة اليوم بيت «النداء» في ظل الأزمات المتوالدة والانشقاقات المتوالية لا سيما عقب نتائج الانتخابات البلدية المخيّبة لآماله إلا أن إمكانية عودة هذا الحزب للعب دوره الحقيقي وتصويب مساره تبقى واردة. لكن هذه العودة، تبقى بدورها رهينة عدة شروط وعوامل لا يبدو أنها غائبة عن مؤسس الحزب، الباجي قائد السبسي، الذي ولئن آثر خلال الفترة الأخيرة عدم التدخل بشكل علني ومباشر في هذه الأزمة إلا أن مركزية مكانته وما له من ثقل رمزي في الحزب سيجعلان من إمكانية إنقاذ النداء ممكنة... وربما يكون المؤتمر المقبل بداية لمرحلة جديدة في حياة هذا الحزب... لكنه سيكون حتما الفرصة الأخيرة.