مرّت أمس الذكرى الواحدة والستون لاعلان الجمهورية. مناسبة كان يفترض أن تصنع الحدث... وأن تتحول الى حدث.. وأن تحتفي بها تونس الرسمية ومن ورائها تونس الشعبية بما يليق بها من تثمين وتبجيل... وبما تستحقه من اهتمام باعتبارها تؤرخ لميلاد أول جمهورية للبلاد التونسية... جمهورية لم تنزل من السماء ولم تأتنا منّة من أحد.. بل انتزعها تونسيون وتونسيات بررة بهذا الوطن دفعوا ضريبة الدم ودفعوا تضحيات جسيمة في سبيل دحر المستعمر واعلاء الراية الوطنية ومن ثم اعلان الجمهورية كأبرز عنوان لتحرر البلاد وكأعزّ مطلب ثار من أجله التونسيون.. نظام، حرية، عدالة. هذا المكسب الهام والاساسي في تاريخ تونس انتزعه الزعيم الكبير والخالد الحبيب بورقيبة وكل رفاقه ورفيقاته في الحركة الوطنية وكل المناضلين والوطنيين الشرفاء الذين هبّوا لمقارعة المحتل ودحره... لكنه مكسب مشاع لكل التونسيين وعنوان نخوة وفخار لكل الشعب وهو ما كان يستوجب ان تستحضره الطبقة السياسية بكل أطيافها لأن الجمهورية جمهورية الجميع ولأن الاحتفاء بها هو واجب وطني ومناسبة لانعاش الذاكرة ولشحن عقول وأذهان شباب تونس الذين لم يعيشوا فترة الاحتلال ولم يعايشوا فترة بناء الجمهورية بالمعاني الحقيقية التي تفيض بها هذه المناسبة الخالدة وهذه المحطة المهمة في تاريخ تونس باعتبارها تفصل بين عهدين وتشكل اعلان ميلاد تونس الحديثة التي عممت التعليم وجعلت الصحة حقّا مشاعا لكل التونسيين وبنت دولة الاستقلال وبعثتها من عدم... هذه المناسبة الخالدة كانت تستحق أكثر من موكب رسمي ينتظم في فضاء مجلس النوّاب... كانت تستحق انخراط كل الاحزاب اللهم الا إذا كان بعضها يعترض على الجمهورية وعلى دولة الاستقلال التي بنت تونس على امتداد عقود طويلة.. كانت المناسبة تستحق أن تتحول الى حدث وطني وأن ينزل بها المسؤولون الى الشارع ،الى دور الثقافة، الى المنابر، الى الناس في كل مكان ليشحنوهم بالأبعاد والمعاني العميقة لهذا الحدث الكبير... وهي ابعاد ومعان اساسية لتحصين جمهورية اليوم في زمن تتهاطل فيه التحديات والتهديدات من داخل الوطن ومن خارجه... كان يفترض كل هذا وأكثر... وكان يفترض الا يمرّ يوم عيد الجمهورية يوما رتيبا، كئيبا، غابت فيه كل مظاهر الاحتفاء بمكسب دفع في سبيله أباؤنا وأجدادنا ضريبة الدم وكابدوا عناء السجون والمنافي وقمع المحتل في سبيل تحويله الى واقع ننعم به... والى منجز نأكل خيراته ونتنكّر لاستحقاقاته.