في مشهد سياسي مشتت ومشحون ربما لم يكن يحلم رئيس الحكومة نفسه بأن يحصل مقترح تعيينه لوزير داخلية جديد بثقة فاقت أغلبية ثلثي البرلمان، وان كان التصويت يهم عضوا حكوميا منفردا فهل يمكن الاقرار بأن الشاهد نال ضمنيا الثقة في حكومته وان وزير الداخلية قد أنقذ رئيس الحكومة ؟ تونس الشروق: ومن الناحية الدستورية التقنية لا يمكن أن يكون منح الثقة لوزير الداخلية بمثابة منح الثقة للحكومة برمتها حيث لا تسري آثارها القانونية على الشاهد وكامل فريقه الحكومي، غير أنه ومن الناحية السياسية وقياسا بالتجاذبات السياسية ومنسوب الضغط الذي كان من حول الحكومة يمكن الاقرار بمضي الحكومة بخطوة ما في سياق معركة اسقاطها. فهل انقذ وزير الداخلية الجديد ضمنيا رئيس الحكومة؟ ولئن تمسّك رئيس الحكومة يوسف الشاهد بأن التجاذبات السياسية حالت دون اجراء التحوير الوزاري وسدّ الشغور في وزارة الداخلية فانه قد بدا في نظر المراقبين قد اختار من خلال جلسة اول امس طريق جس نبض التوازنات السياسية عبر التحوير المنفرد واستغلال مقترح تعيين الفوراتي كمحرار سياسي، ولعلّ تأييد ذلك ينبع من ذاك التقييم لعمل حكومته والذي أصرّ الشاهد على إبرازه في جلسة اطارها الوحيد النظر في منح الثقة لوزير الداخلية. تزكية ضمنية للشاهد «من حيث لا يدرون... حوّلوا التصويت على وزير الداخلية الى تزكية ليوسف الشاهد»،هكذا علق النائب الصحبي بن فرج من كتلة الحرة لمشروع تونس على جلسة منح الثقة للوزير الجديد اول امس وأضاف في تصريح «للشروق» انه من الناحية الدستورية، التقنية والشكلية لا يمكن اعتبار منح الثقة للوزير بمثابة الثقة لكل الحكومة غير انه ومن الناحية السياسية فلا احد ينكر انه لو سقط المقترح لاهتزت الثقة من حول رئيس الحكومة يوسف الشاهد. واعتبر الصحبي بن فرج أن حصول مقترح الشاهد على ثقة فاقت ثلثي أعضاء البرلمان - ربما لم يتصورها الشاهد نفسه- وسط معركة سياسية طاحنة شهدت ضغطا عاليا وتشكيكا وتخوينا يمكن اعتبارها اقوى من منح الثقة في الحكومة في حد ذاتها. واعتبر الناشط السياسي والنائب المؤسس رابح الخرايفي في تصريح «للشروق» ان منح الثقة لوزير الداخلية له اثار سياسية كبرى على الحكومة برمتها منوها الى ان عدد الاصوات التي نالها مقترح الشاهد فاق التوقعات ومن الممكن استفادة الشاهد منه سياسيا على مستويين حكومي وحزبي وذلك من خلال كسب دعم سياسي قوي من فرق سياسية مختلفة قد يمكّن من تحقيق خطوات الى الامام وبالتالي «فرملة» منسوب الضغط السياسي والاصوات الداعية الى إقالته وكذلك في كسب جولة في الصراع داخل حزبه نداء تونس. ثقة مشروطة في المقابل شدد موقف حزب نداء تونس المعلن في الساعات الاخيرة لجلسة اول امس من قبل رئيس الكتلة سفيان طوبال على تمسكهم بالتغيير الشامل للحكومة وان منحهم الثقة لوزير الداخلية هو للمصلحة الوطنية وانهم يدفعون في سياق ضرورة عرض الشاهد لكل حكومته على ثقة البرلمان. وبينت مجمل تدخلات نواب نداء تونس عدم رضاهم على رئيس الحكومة من ذلك تصريح محمد الفاضل بن عمران الذي قال فيه ان نداء تونس لم تعد له ثقة في الشاهد وعليه عرض الحكومة على البرلمان لتجديد الثقة فيها مستنكرا ما وصفه بابتزاز الشاهد للنواب وانخراطه في إذكاء نار الفتنة داخل الحزب والحكومة. ويرى في هذا السياق رابح الخرايفي أن الثقة السياسية الضمنية التي نالها الشاهد «بفضل وزير الداخلية الجديد» حمّالة أوجه حيث يمكن ان يغتر بها الشاهد ويعرض حكومته على الثقة او يجري تحويرا وزاريا عميقا يكون تمهيدا لاسقاطه غير أنه من الاجدى البناء عليه في بناء حزام سياسي يعاضد الحكومة في ماتبقى من عهدتها. ولاحظ الصحبي بن فرج في مهلة نداء العشرة أيام من قبل نداء تونس لرئيس الحكومة لطلب تجديد الثقة نوعا من الهزل حيث سيدخل مجلس نواب الشعب في عطلة برلمانية مشددا على ضرورة الابتعاد عن منطق الانتصارية المفرطة قائلا:«اذا اعتبرنا انه في حصول مقترح تعيين الوزير الجديد على أغلبية مريحة نوعا من التعقل السياسي فان العطلة البرلمانية ستكون فرصة تمكّن الجميع من استيعاب نتائج المعركة السياسية المفتعلة والمدمرة والتي فاقت الخمسة أشهر وتحميل المسؤولية الى من أطلقها لتحصد المزيد من التشتيت خاصة في العائلة الديمقراطية» ويأمل بن فرج ان تقود نتائج تصويت أول أمس الى التعقل وتدفع الحكومة الى معالجة كل مكامن الخلل والتي وصف أغلبها النواب في تدخلاتهم أول أمس سواء في مستوى التسيير اليومي أو في الاخلالات الهيكيلية وفي اداء عدد من الوزراء، وان تدفع البرلمان ايضا نحو انعاش الوضع المتأزم من خلال تمرير جملة من التشريعات الضرورية على غرار قانون الصرف وقانون الطوارئ الاقتصادية لافتا الى وجوب تأجيل انتخابات 2019 الى سنة 2020 بعد أن تحوّلت الى مرض عضال تغلغل في مفاصل الدولة وأصبح يسيطر على عقول السياسيين.