حَالُ منتخبنا كحال حُكوماتنا التي لم تَعرف طريقا للإستقرار فَقد تداول على تدريب عناصرنا الدُولية خلال السنوات الخمس الأخيرة ستّة إطارات فنية مَحلية وأجنبية من ضِمنها معلول الذي ظفر ب»وِلايتين» في عهد الجريء. وبعد إبعاد ابن الدار سامي الطرابلسي عام 2013 في ظُروف مُريبة وبفعل فاعل حسب البعض راهنت الجامعة الحالية على خَدمات معلول و»كرول» و»ليكنز»و»كَاسبرجاك» قبل تجديد العهد مع معلول ثمّ التعاقد مع البنزرتي ليكون العدد الجملي للفنيين الذين نالوا شرف قيادة «النّسور» في عصر الجريء ستّة هذا دون احتساب الأسماء التي تَقلّدت هذا المنصب الرّفيع بصفة «مُؤقتة» مثل خنفيروالميساوي. رقم مُفزع من جُملة المدربين الستة الذين تمّ تَكليفهم بتدريب المنتخب بين 2013 و2018 نَجد خمسة فنيين عيّنهم المكتب الحالي مُقابل اسم واحد كان مُتعاقدا مع الفريق لحظة تسلّم الجريء لِمَهامه والحديث طبعا عن سامي الطرابلسي. وَالحقيقة أن هذا الرّقم مُفزع وَيُقيم الدليل السّاطع على حالة الضَياع التي عرفها الفريق الوطني في العَشرية الأخيرة وتحديدا منذ رحيل الفرنسي «لومار» الذي عاشت معها عناصرنا الدُولية فَترة زاهية مُستفيدة من الاستمرارية الفنية والإدارية (ولاية «لُومار» امتدّت من 2002 إلى 2008 والفترة النيابية لرئيس الجامعة حمّودة بن عمّار استمرّت من 2002 إلى 2006). وقد نجح المكتب الحالي برئاسة الجريء في إحكام قَبضته على جامعة الكرة منذ 2012 لكنّه فشل فشلا ذَريعا في تكريس الاستقرار على مستوى الإطار الفني ل «النسور» الذين تَناوبت على تدريبهم ستة أسماء من جنسيات مُختلفة دون تحقيق مكاسب تستحق الذّكر بإستثناء الترشّح إلى نهائيات المونديال وهو ليس بالإنجاز الفريد في تاريخ تونس التي تَذوّقت طعم العالمية في خمس مُناسبات بين 1978 و2018. ضريبة الفوضى هذا الكمّ الهائل من المدربين الذين تداولوا على قيادة المنتخب خلال الأعوام الأخيرة يَطرح جملة من الاستفهامات المَنطقية عن مَكمن الداء. قد يقول الناس إنّ غياب الاستمرارية في المنتخب نَاجم عن الارتباط الوَثيق ل»مَصير» المدربين بالنتائج الفورية لا بالقيمة الحَقيقية للعمل المُنجز وقد يذهب البعض أكثر من ذلك ليؤكدوا أن هذه الوضعية لا تَهمّ الفريق الوطني فحسب بل أنّها تَشمل أيضا الجمعيات الرياضية المُتأثّرة جميعها بإنعدام الاستقرار في ساحتنا الكروية وفي مُختلف القطاعات الأخرى (في تونس ما بعد «الثّورة»). وهذا الرأي فيه جانب من الصّحة لكنّه لا يَحجب مُطلقا مسؤولية الجامعة التي أظهرت التجربة أنّها وَقعت في فخّ العشوائية والمَحسوبية في خياراتها للإطارات الفنية لمنتخباتنا الوطنية في كلّ الأصناف. وبان بالكاشف أن أهل الحلّ والعقد في الجامعة يَفتقرون إلى الخُطط الاستراتيجية والبرامج الرياضية اللاّزمة للنهوض بالنسور «الكبار» و»الصغار» على أسس سليمة. وقد اعتمدت الجامعة الحالية على منطق الولاءات والعلاقات في تعيينات مدربي المنتخبات بدل التعويل على الكفاءات ويعرف القاصي والداني حكاية الطرابلسي الذي دخل المنتخب دون أن يمتلك الديبلومات الضرورية كما أن الجمهور على بَيّنة بقصّة معلول الذي منحه «صَديقه» وديع شرف تدريب المنتخب الأوّل في مُناسبتين ضاربا بعرض الحائط كل التحفّظات والاحترازات على الشخصية الانفعالية لمهندس فَضيحتي الرأس الأخضر وبلجيكا. أمّا الهولندي «كرول» فإن علاقته التعاقدية مع الجامعة كانت ظَرفية وطغت عليها الحِسابات المَالية تماما كما هو شأن البلجيكي «ليكنز» الذي لهف الكثير من الأموال دون تحقيق القفزة النوعية لتواضع مؤهلاته الفنية وذلك بشهادة العَارفين ب»مَعادن» المدربين. وقد يكون «كَاسبرجاك» الاستثناء من حيث الكفاءة والنزاهة لكن الجامعة «أضعفته» وفشلت في «حِمايته» فكانت القطيعة بطريقة «فَظيعة» (شهادة طبيبة «مضروبة» تزعم من خلالها جماعة الجريء أن «هنري» وقع في «التَقصير» بسبب وضعيته الصحية). بين التونسيين والألمان بَعيدا عن جامعتناالتي حَطّمت كلّ الأرقام القياسية في تَغيير المدربين نَنتقل إلى «العَالم المُتقدّم» لنلاحظ أن عدّة جمعيات ومنتخبات تحوّلت إلى ظواهر كروية مُميّزة على صعيد تكريس الاستمرارية. الألمان وهم أبطال الكون في أربع مناسبات راهنوا على تسعة مدربين فحسب على امتداد العقود السبعة الأخيرة (من 1950 إلى 2018). وقد نحتاج حسب الرأي المُبالغ فيه لمعلول إلى «جيل أوجيلين»لنلتحق بقطار «الكِبار» من حيث البنية التَحتية والامكانات الفنية والمالية لكن ما يَمنعنا من تكريس الاستمرارية في منتخباتنا الوطنية؟ هذا الأمر يَتعلّق بالعَقليات والاستراتيجيات لا بالامكانات.