جَاءت الخَيبة المُونديالية للمنتخب لتفضح «الحَرب» الخَفية بين نبيل معلول وفوزي البنزرتي وهما من الإطارات التدريبية التونسية الأكثر صناعة للجدل في السّاحة الرياضية. ولم يُفوّت فوزي البنزرتي فرصة إنهيار «النّسور» في الكأس العالمية بتلك الطريقة المُخجلة دون أن يفتح النار على معلول لتخرج بذلك «معركة» الرجلين من الكواليس إلى المَنابر الإعلامية وسط تساؤلات المُتابعين عن «أسرار» هذا الصّراع القوي بين اثنين من «كبار القوم» سنّا ومالا وشهرةً. «أنا الزّعيم» تَعكس «المَعركة» المفتوحة بين معلول والبنزرتي صراعا مَريرا على «الزّعامة» الفنية في الساحة الكروية. ذلك أن مدرب المنتخب يُنصّب نفسه «مَلكا» لكلّ الإطارات التدريبية على الصعيد المحلي وحتى الإقليمي والإفريقي وهذا الشعور «النرجسي» سيطر عليه منذ أن أكمل «مشروع» «كاسبرجاك» وقاد «النّسور» إلى النهائيات المُونديالية. وقد برز هذا الغرور للجميع في تلك الإطلالة التلفزية على القناة القطرية عندما سأله المنشط التونسي هيكل الشعري عن المدرب الأفضل في ساحتنا المحلية ف»راوغه» وأجبره على طرح إستفساره بطريقة مختلفة و»ذكية». وبعد أن قال الشعري إنه يقصد الفني الأحسن بعد معلول أكد قائد «النّسور» بأنّه البنزرتي. وهذا المُعطى يثبت بما لا يدع مجالا للشك بأنّ معلول يضع نفسه في كرسي «المعلّم» طالما أنه إكتسح الأستوديوهات التحليلية وفاز برابطة الأبطال الإفريقية وأوهم نفسه بأنّه «البطل الحَقيقي» لفرحة الترشح التي أهداها ل»شيوخ» الإمارة القطرية بنبرة فيها الكثير من التحدي. ومن جهته، يرى البنزرتي في نفسه الكفاءة والجدارة ليكون الرقم واحد في السّاحة التونسية خاصّة أنه حطّم الأرقام القياسية في التَتويجات (ما لا يقل عن 18 لقبا محليا ودوليا) كما أنّه عانق العالمية مع الرّجاء ودرّب «عمالقة» الكرة التونسية والعربية. ورغم أن فوزي يتصرّف بتواضع كبير و»مُلقّح» ضدّ الغرور فإنه لا يُخفي أبدا بأنه الأنفع والأصلح للإشراف على حظوظ «النّسور». حسابات وتراكمات «مَعركة» البنزرتي ومعلول لا تَحكمها صراعات «الزّعامات» فحسب بل تُحرّكها أيضا الحسابات القديمة والتي تراكمت إلى حدّ لا يُطاق ما جعل هذه «الحَرب» الفنية المُثيرة تخرج إلى العلن ليصبح اللّعب على المكشوف. وقد مثّلت الهزيمة القاسية للمنتخب على يد «الشياطين» البلجيكية فرصة ذهبية ليفضح البنزرتي «إفلاس» خصمه الذي قطع عليه طريق المونديال بما أن فوزي كان من المرشحين البارزين لقيادة «النسور» خلفا ل»كاسبرجاك» لولا إصرار الجامعة على التعاقد مع معلول رغم حادثة الرأس الأخضر. وقد تفنّن البنزرتي في إنتقاد معلول في أكثر من وسيلة إعلامية وأتى الرجل على كلّ الهفوات الفنية و»الزلاّت» الإتّصالية التي وقع فيها معلول بل ذهب أكثر من ذلك ليشير على الملأ بأن مدرب المنتخب رجع إلى منصبه في الجامعة بدعم من «المَاكينة» الإعلامية. وقد سخر المدرب الحالي للوداد أيضا من الخِطابات الغريبة لمعلول خاصّة بعد أن خلط بين الكرة والسياسة والدين ويعتقد البنزرتي أن خصمه وقع في فخّ «التواكل» بدل تكريس ثقافة العَمل. ولاشك في أن العارفين بالكواليس يدركون أن «الضّغط العالي» الذي مَارسه البنزرتي على معلول يعكس أيضا الغَضب الذي كان يَكتمه فوزي تُجاه خصمه الذي دأب على إنتقاده وا»لتَشويش» عليه وحتّى عَرقلته في بعض المحطّات التي مرّ منها ابن المنستير (على غرار التجربة السابقة في الترجي). ومن المؤكد أن البنزرتي أراد توجيه رسالة مضمونة الوصول مفادها ضرورة تقبّل قانون اللّعبة ومواجهة مدرب المنتخب للنّقد تماما كما يفعل هو عندما «يهاجم» زملاء المهنة من أستوديوهات «الدّوحة». والأهمّ من كل ذلك أن البنزرتي أراد من «حربه» هذه أن يعلن للمرة الألف بأنه مازال يرى في نفسه القائد الأنسب للمنتخب الذي كان قد درّبه في أكثر من مناسبة بصفة عرضية ودون الحصول على «فرصة كاملة» مثل البقية (معلول والطرابلسي والزواوي ومحجوب...). فوزي يقدّم نفسه كبديل رهانه في ذلك سجله الحافل بالتتويجات التي لم تشفع له بنيل حظّه مع جامعة الجريء الذي منح معلول «فُرصتين» في ظرف أربع سنوات. مجرّد رأي قد يقف البعض في صف البنزرتي رغم إنفعالاته وقد يساند البعض معلول رغم سلبياته وبين هذا الرأي وذاك تظهر فئة ثالثة تضع مصلحة الفريق الوطني فوق التجاذبات وبمنأى عن الحسابات وتحلم بتسليم الأمانة إلى مدرب تونسي أوأجنبي تتوفّر فيه الكفاءة والنزاهة والقدرة على كسب ثقة الجمهور وصناعة منتخب يتوافق مع الهوية التونسية وله المؤهلات الضرورية لتحقيق الأمنيات الغالية على المدى المتوسّط والبعيد. ومع إحترامنا الشديد لمسيرة فوزي ونبيل نَحسب أنّهما لا يَصلحان لهذه المَهمّة. و»رأينا صواب يَحتمل الخطأ».