كان جمهور مهرجان سوسة الدولي على موعد مع الفن الرابع مع ملك الكوميديا الممثل لمين النهدي في عرض «المكي وزكية» نص وإخراج المنصف ذويب والتي تدخل الربع قرن منذ أول عرض لها سنة 1993. (الشروق) مكتب الساحل بعد توقفها غير الطبيعي بسبب خلاف بين الطرفين نقلهما من الركح إلى قاعة المحكمة وأعادهما الفن من جديد إلى الركح . كيف سيتقبل الجمهور إعادة عرض هذه المسرحية بعد سنوات من توقف عروضها ؟ وكيف سيتعامل لمين النهدي مع نص «المكي وزكية» وهو الممثل الذي لا يغيب عن الركح إلاّ وعاد بالجديد ؟ كان هذان السؤالان المحوريان قد استبقا العرض ،كأن الزّمن لم يتحرّك فبقي لمين هو ذلك الممثل الجديد المتجدد المتربع على عرش «الوان مان شو» بكل ما في الكلمة من تقنيات التمثيل والتحكم في مختلف تمفصلات النص والتنقل بين شخصياته بروح واحدة ولكن بتعبيرات مختلفة تحيل المتفرج على ركح متعدد الشخوص مزدحم المشاهد متراكم الرموز ، من الصريح إلى الإيمائي متراوحا بين الكوميديا والتراجيديا ضمن خيط سردي دقيق الحبكة عميق المعاني يروي رحلة شاب اسمه"المكّي"يمثل الوسط الريفي ..يربط علاقة عاطفية ب"زكية" التي تمثل الوسط الحضري ،علاقة سببية للتوغل إلى جوهر الواقع التونسي وما يفرزه من قضايا ومشاكل تواصلية ،عائلية،سياسية،اجتماعيةبرؤية كاريكاتورية ساخرة أبدع لمين في تشخيصها وتصويرها بما يمتلكه من حب لهذا الفن ولما يتقنه من خبايا اللعبة الكوميدية موظفا عمق تجربته مؤثرا في أعماق المتفرجين مثيرا ضحكة لها دلالاتها دون ابتذال أو استسهال، وتأملات لها رموزها متحكما في شحنة تفاعلاتهم بما يختزنه من موهبة ومن صدق في الأداء فكان لمين وفيا لمعدنه وللركح الذي لا زال يسقيه من قطرات إبداعه ،فلم يجعل من «المكية وزكية» مجرّد رقم في عدد العروض ولا اجترارا لنص مسرحي بل رؤية فنية واستعراضا لإبداعه في مجال فن الممثل من خلال أصعب الفنون وهي الكوميديا .