عندما يدعو أمين عام المنظمة الشغيلة صنّاع القرار إلى ضرورة التوقف عند معاني ملحمة 5 أوت 1947 التي اعتبرها فرصة لمعرفة قيمة الدولة وقيمة استقلال القرار الوطني.. وعندما يؤكد «ان عددا من السفراء يرتعون في كل مكان ويفتحون أبواب مؤسسات الدولة دون إذن ودون حسيب أو رقيب».. عندما يقول هذا الكلام الجريء والصادق والواضح والمباشر فإنه يدق ناقوس الخطر إزاء ما بات يلحق بسيادتنا الوطنية وبقرارنا الوطني وبالتالي بهيبة دولتنا من تجاوزات ومن ازدراء واستهانة من قبل الكثير من السفراء الذين باتوا يرتعون في طول البلاد وعرضها ويقحمون أنوفهم في تفاصيل حياة جهاتنا اليومية وكأنما تحولت تونس إلى محمية أو ضيعة تابعة لهم يتنقلون فيها بلا إذن ويجلسون فيها إلى من يشاؤون في ازدراء واضح بسيادتنا وباستقلال قرارنا وبالنواميس والتقاليد التي تحكم عمل الديبلوماسيين وتضبط إيقاع تحركاتهم داخل الدولة المضيفة. لذلك فإن كلام السيد نورالدين الطبوبي يأتي بمثابة صيحة فزع عسى صنّاع القرار في بلادنا يدركون حجم الأخطاء والخطايا التي يرتكبونها في حق تونس دولة وشعبا ومؤسسات وتاريخا وحضارة حين يغضّون الطرف ازاء تحركات السفراء الأجانب على ترابنا الوطني.. أو حين يتقاعسون في تفعيل النواميس والتقاليد المنظمة لعمل السفراء الأجانب ببلادنا... ومن ضمنها تلك المذكرة اليتيمة التي دعتهم لاحترام أسس العمل الديبلوماسي والتي وجّهت لهم قبل سنوات لكنها بقيت حبرا على ورق. إن ازدراء بعض السفراء وحتى استهتار البعض الآخر بسيادتنا الوطنية وبحرمة قرارنا الوطني.. وكذلك تعمدهم دوس القوانين والتقاليد الناظمة لعمل الديبلوماسيين في الدول المضيفة والتي يحفظونها حرفيا ويطبقونها ويحرصون عليها في بلدانهم، كل هذا لم ينزل من السماء ولم يتحول إلى مهانة ووصمة عار تدنس جبين الوطن.. بل ان صمت وتواطؤ وضعف وجبن الكثير من السياسيين الذين أمسكوا بمواقع القرار في السنوات الأخيرة هو الذي شجّع عددا من السفراء الأجانب على التمادي وعلى تجاوز كل الخطوط الحمر وكل الأعراف الديبلوماسية التي يفترض أن يراعوها وأن يلتزموا بها والتي تطبقها سلطات بلدانهم على كل السفراء العاملين فيها. إن تراخي سلطاتنا في تطبيق القوانين والأعراف على هؤلاء يشكل أكبر ضربة لمفهوم هيبة الدولة.. وأكبر ضربة لمعاني سيادتنا الوطنية ولمبدإ استقلال قرارنا الوطني. ولسنا ندري كيف يمكن أن تسترد الدولة عافيتها وهيبتها في الداخل والخارج اذا كانت تفرّط في أهم عناوينها وتقبل بارتهانها لدى دول وجهات أوغلت كثيرا في احتقار سيادتنا وفي دوس معالم وعناوين استقلالنا. هذه خطيئة وجب أن تتوقف دون إبطاء وخطأ فظيع وجب تداركه اليوم قبل الغد. وعسى صيحة الفزع التي أطلقها أمين عام المنظمة الشغيلة من قرقنة موطن المناضل الوطني والنقابي الكبير الحبيب عاشور تلقى آذانا صاغية ولا تكون مجرّد صرخة في واد... شأنها شأن الكثير من صيحات الفزع التي أطلقت لاسترداد هيبة الدولة وعلوية القانون في الكثير من المجالات والقطاعات التي باتت فيها معاني الدولة والسيادة والاستقلال أشياء قابلة للتفاوض ويمكن أن تباع في بورصات السياسيين وصناع القرار الانتهازيين الذين آن الأوان لكي يكفوا أيديهم وأذاهم عن تونس.