صراع على المكان الأول في الصف... قد يكون ذلك هو لبّ موضوع مسرحية «الصف» التي انتجتها شركة أرتيس للانتاج ومسرح نجمة الشمال وأخرجها المسرحي المبدع سليم الصنهاجي... وقد يكون الصراع على المكان الثاني... أو هو الصراع لا غير... خمسة أشخاص يجتمعون في مكان ما وينتظرون شيئا ما... يتحاورون... يتقاربون... يتباعدون... تصارعون... وينتهي المشهد وكل واحد فيهم يحمل أثار عنف سلط عليه ويمرّ على واحد منهم على أنّه الأول... الفنانة المسرحية صباح بوزويتة نجحت الى أبعد الحدود في اقتباس الفكر من «الأول» لهرفيتر وأعدت النص والدراماتورجيا بما يتناسب مع المتلقي التونسي مهما كان مستواه ودرجة ثقافته وتعلمه، فلا هي سقطت في الاسفاف والشعبوية مثل ما ذهب اليه أغلب من يدعون انهم ينتجون مسرحا في مستوى عامة الناس، ولا هي أوغلت في الغموض والرمزية المبهمة مثل ما يدعيه البعض من ان المسرح نخبوي او لا يكون... حركة الممثلين على الركح تناسقت بشكل جيد مع تسلسل أحداث المسرحية فلا تشعر وأنت تشاهد العمل بحركة مجانية او بجملة خارجة عن السياق رغم تسارع الاحداث وتسلسلها غير المنظم في ظاهرها ورغم تغير النسق المفاجئ في أحيان كثيرة. ايقاع العمل اذن هو ايقاع الصراع اليومي دون تزييف او خداع او تجميل... كل منا يريد ان يكون الاول والافضل ويعتمد كل الأساليب من أجل تحقيق غايته... يجتهد... يخادع... ينافق... يكذب... يسعى... يقاتل... المهم ان يكون الاول... وكل منا يجد المبررات الكافية ليبرهن على أنه الأفضل والاجدر، وان لم يكن كذلك فهو يجد دائما الحجة ليحتج على الظلم المسلط عليه والذي منعه من ان يكون الأول... وأبعد من ذلك، فهو ان يئس من أن يكون الاول فهو يبين للآخر بالدليل القاطع ان المكانة التي يحتلها (الثانية أو الثالثة أو الرابعة...) أفضل من الاولى بكثير... ويتواصل الصراع حتى وان غاب السبب... صراع يجسده، على الركح كل من سنية زرق عيونة وصباح بوزويتة وجمال المداني ونعمان حمدة وبهرام العلوي باتقان وجدية واحترام كبير للمتلقي وهي نقطة أحرص على ذكرها بسبب ما أصبح يأتيه عدد كبير من الممثلين أثناء آداء أدوارهم من حركات وأقوال فيها الكثير من الاستهجان والاستخفاف بالمتلقي تحت عنوان الارتجال والطرافة... ومن ناحية أخرى فقد حضرت الصورة الرمز بكثافة من خلال الحركة والحوار وخاصة الاكسسوارات التي احسن الممثلون استغلالها وتوظيفها بما سهل تبليغ مضمون الحركة الى المتلقي مثل «الكمنجة» التي كان نعمان حمدة يحاول في مرات عديدة فتح صندوقها ويعجز دائما أو القبعات التي كانت صباح بوزويتة تستخرجها من حقيبتها اليدوية وتنظفها ثم تعيدها الى مكانها، او اللعبة اليدوية التي يتفاعل معها جمال المداني وينتشي كلما حققت نجاحا بها وفيها... مسرحية «الصف» تمثل بداية طيبة لموسم ثقافي جديد وتحمل في طياتها بشرى قدرة المسرحي التونسي على تجاوز فترة الفراغ التي مرّ بها خلال الموسمين الاخيرين خاصة وهو أمر لا شك فيه بالنسبة للذين أثبتوا خلال عدة مواسم وأعمال أنهم الاجدر باحتلال المكانة الاولى في المشهد الابداعي التونسي...