أخبار تونس – احتضنت قاعة المونديال بتونس العاصمة ليلة أمس الخميس عرض مسرحية “سفر” للمخرج سليم الصنهاجي وذلك في إطار عروض قسم “بانوراما المسرح التونسي” في الدورة 14 لأيام قرطاج المسرحية. ويقوم بأداء مسرحية “سفر” ثلاثي التمثيل صباح بوزويتة ونعمان حمدة وسفيان الداهش، صوت محمد الفرشيشي وإضاءة وليد حصير. وهي من إنتاج مؤسسة “آرتيس للإنتاج” وتمتد المسرحي على مشهد واحد وتدوم مدة عرضها 80 دقيقة. ويعود تاريخ إنتاج هذا العمل المسرحي إلى عدة سنوات خلت إلا أن المخرج سليم الصنهاجي وكاتبة النص والمعدة للدراماتورجيا صباح بوزويته قد أدخلا على العرض عدة إضافات ليكون مسايرا لجملة من القضايا اليومية الراهنة ولكي تبدو المسرحية منسجمة أكثر مع تطلعات جمهور الفن الرابع. وأثبت المخرج سليم الصنهاجي أن هذا العرض قابل لأن يكون طيعا ومفتوحا على دلالات شتى بالإضافة إلى الطاقات التعبيرية المتميزة التي أظهرها الممثلون على الخشبة. وتتناول المسرحية سردا لجوانب من حياة الثلاثي “كنزة” و”مرتضى” و”الطرودي” من خلال حوار مليء بالفكاهة والنكتة الخفيفة وكثيرا ما يجنح الخطاب المسرحي إلى السخرية السوداء خاصة عندما يتكثف التداعي الحر لشخصيات المسرحية. فالضحك في مسرحية “سفر” وإن كان طاغيا ومهيمنا على كامل مفاصل هذا العرض إلا أنه لا يتحول إلى تهريج مجاني بل يصبو إلى طرح إشكاليات الحياة البشرية المعقدة فيتم تحليل جوانب نفسية كثيرة في الذات الإنسانية ويعالج وهنها ومواطن الاختلال فيها بعمق وبعناية فائقة. وينطوي العرض المسرحي على قدرة خارقة تجعل المتلقي يستسيغ المعالجة الدرامية للأحداث التي تنطلق من التفاصيل البسيطة لحياة الشخوص فبقدر ما تتم تعرية مواطن الهشاشة في الإنسان إلا وتنهض الكلمات والحركات لترمم الصدع الغائر في الروح وتضمد الجراح. الديكور على الخشبة في منتهى البساطة وهو ديكور ثابت لا يتغير تقريبا طيلة العرض أرضية تكسوها طبقة كثيفة من أوراق الخريف الذابلة والمتيبسة وكراسي شبه متداعية والخلفية ثابتة أيضا جدارية ضخمة تمثل مشهدا طبيعيا يشعر بالراحة والاطمئنان. وفي هذا الإطار بالذات تأتي الإضاءة والمؤثرات الصوتية لتضفي على الخشبة الحيوية والتغير أو الثبات والتكلس وتتخلل العرض مقطوعات موسيقية راقصة من الفن الشعبي الهندي لتقحم شخوص المسرحية في دائرة المتعة والانشراح. ويحتل عنصر التذكر مساحة هامة من المسرحية وتتكثف الإضاءة المظلمة مما يحيل على “انفصام جسد الممثل عن ذاته” وتتكأ الشخصيات على تعلة التردد والتلكأ في الكلام طلبا للإضحاك ومجلبة للسخرية. كما يطغى على العرض عنصر الإيقاع المتأتي من تكرار الكلام وقلب المفردات وإيتاء العبارات المتجاورة ومفاجأة السامع بكلمات مستمدة من اللهجة العامية التونسية تأتي في سياقات غير معهودة لا تتجاور في العادة مثل كلمات “الهواء النقي والطموح” و”الزبدة المرحية” وغيرها من الكلمات المتنافرة. ويذهب أحد النقاد المسرحيين إلى القول إن مفهوم المخرج سليم الصنهاجي للسفر هو “كسر شرس للواقع وبناء عالم جديد على أنقاضه”. وعقب انتهاء العرض خصت الممثلة القديرة صباح بوزويتة “أخبار تونس” بتصريح قالت فيه أن عنصر “الاختزال” كان المتحكم في بناء المسرحية كأن ينطق الممثل بالشيء ونقيضه في نفس الوقت أو أن يتم التوسل بجمل قصيرة ومقتضبة ومتشضية لبلوغ الهدف بأسهل السبل، فالتلميح أيسر كلفة من التصريح وأقلّ شقّة من تسمية الأشياء كاملة. وكانت مسرحية “سفر” قد حازت على جائزة أيام قرطاج المسرحية في دورة سابقة مما جعلها تحقق نجاحا متواصلا محليا ودوليا إذ قدم هذا العمل في عدة مسارح ومهرجانات عربية لعل أهمها “مهرجان شمس” ببيروت زيادة على سلسلة من الجولات الأوروبية.