يعيش التونسيون منذ أشهر فترة غير مسبوقة جراء حالة الانهيار الاقتصادي وغلاء المعيشة وفقدان بعض المواد الأساسية وحالة الفوضى والتعدي على القوانين وسط تساؤلات عمّن سيتحمل المسؤولية لهذه الفترة الصعبة. تونس الشروق – لم يسبق أن مرّ التونسيون بفترة صعبة كالتي يعيشونها اليوم: حالة من الشكوك حول المستقبل ومخاوف من انتشار الفوضى والجريمة ومن تعطيل المصالح المُختلفة والإضرار بها إلى جانب هواجس يومية من غلاء الأسعار ومن فقدان بعض المواد الأساسية ومن غياب الخدمات والمرافق العمومية.. وفي المقابل لا يعرف التونسيون من يتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية والقانونية عن كل ذلك.. فالسلطة في البلاد بين أيدي أكثر من طرف والقرارات الوطنية تشوب حولها عديد الشكوك والتساؤلات لأنه لا يُعرف من يتخذها في ظل منظومة حكم هجينة وغريبة شأنها شأن النظام السياسي المعتمد.. ويزداد الغموض أكثر في ظل الصراعات القائمة هذه الأيام بين مختلف مكونات السلطة والتي يتأكد من يوم إلى آخر أنها ليست من أجل مصلحة الوطن والشعب بل هي لتحقيق أهداف ومآرب سياسية وشخصية ضيقة.. منظومة حكم غريبة في تونس اليوم، توفرت كل ظروف المرحلة السياسية السيئة : نظام سياسي غريب يمنح أغلب صلاحيات الحكم - حسب ما ينص عليه الدستور- لرئيس الحكومة المُعين من رئيس الجمهورية بناء على اقتراح من الحزب الأغلبي في الانتخابات ( نداء تونس) وبتزكية من البرلمان . في حين أن الطرف المُنتخب مباشرة من الشعب وهو رئيس الجمهورية لا يمارس سوى بعض الصلاحيات المحدودة..كما أن النظام السياسي هو البرلماني ( المعدل) إلا أن البرلمان لا يكرس ذلك على أرض الواقع بحكم ضعف أدائه وما يعيشه من صراعات سياسوية بعيدة كل البعد عن الصراعات السياسية الحقيقية المبنية على الأفكار والمشاريع والحلول البديلة وبحكم ظاهرة الغيابات التي يعيشها على مدار العام.. وتزداد صورة الحكم غموضا وارتباكا بفعل خيار "التوافق" بين أكثر من طرف على مستوى الحكم ( ائتلاف من 4 مكونات في حكومة حبيب الصيد ثم حكومة وحدة وطنية مع يوسف الشاهد من أوت 2016 إلى الآن) بالتوازي مع توافق "من درجة أولى" بين حزبي النهضة ونداء تونس.. تفاقم الأوضاع في الفترة الأخيرة تفاقمت حالة منظومة الحكم نحو الأسوإ وذلك بفعل الصراعات التي أصبحت قائمة داخلها. فالسلطة التنفيذية تعيش على وقع أزمة عجيبة بين "رأسيها" ( الحكومة ورئاسة الجمهورية) رغم انتمائهما إلى الأصل نفسه. وهو الحزب الأغلبي الحاكم نداء تونس. وهذا الأخير يعيش على وقع أزمة داخلية دائمة ألقت بظلالها على الوضع العام. وأصبحت مصدر تعطيل في البلاد. وفاقمت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. ولم يكن البرلمان في معزل عن هذا الصراع الثنائي فتاه في معضلة الاصطفاف. ونسي دوره الرئيسي. وهو أساسا العمل التشريعي لاستكمال الإصلاحات والانتقال الديمقراطي .. أما بقية الأطراف "التوافقية" داخل منظومة الحكم فلم تقدر بدورها على المُساهمة في الخروج من الأزمة وفي تجاوز سلبيات النظام السياسي القائم. وانخرطت بدورها في معضلة الاصطفاف وراء هذا الطرف أو ذاك دون أن تقدم حلولا موضوعية ورصينة للأزمة باحثة من وراء كل ذلك عن تحقيق المصالح الضيقة. من المسؤول؟ أمام كل ذلك يقف اليوم التونسيون بمختلف مكوناتهم، ومن مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية،حائرين عاجزين عن تحميل المسؤولية للمتسبب الأصلي في ما شملهم من أضرار مسّت طيلة حوالي 4 سنوات معيشتهم ومصالحهم ومسّت المصالح الحيوية للبلاد. وأسست لحالة من الارتباك العام ومن المخاوف والشكوك حول المستقبل. مبدئيا تظهر الحكومة المسؤول الأول عما حصل بحكم صلاحياتها الدستورية غير أن كثيرين يحملون أيضا المسؤولية لرئيس الجمهورية باعتباره غير مجرّد تماما من الصلاحيات فضلا على ظهوره أكثر من مرة بمظهر الماسك بزمام الامور من خلال تحركاته وتصريحاته ومبادراته وخاصة من خلال ما يتردد باستمرار عن تحكمه في القرارات المصيرية التي تهم منظومة الحكم.. ويأتي بدرجة موالية حزب نداء تونس بوصفه الحزب الأغلبي في الانتخابات الماضية. وكان من المفروض أن يتحمل مسؤولية الحكم بشكل كامل ومسؤول. ويُحمل كثيرون أيضا المسؤولية لمختلف الاطراف الشريكة في منظومة الحكم أبرزهما حركة النهضة واتحاد الشغل. كما أن مُكونات المعارضة التي واكبت الفترة منذ مطلع 2015 الى اليوم تظهر بدورها على قائمة المسؤولين عن الوضع.حيث لم تكن في رأي كثيرين معارضة بناءة تقدم الحلول والبدائل الواقعية. بل اقتصرت على انتقاد السلطة وتاه بعضها في الإثارة وفي محاولة خدمة مصالح حزبية وسياسية وشخصية ضيقة. مسؤولية سياسية .. لكن لا ينص الدستور على تحميل المسؤولية القانونية والجزائية لأي طرف من الأطراف المذكورة حول ما قد يرتكبونه من أخطاء في إطار أداء مهامهم داخل منظومة الحكم وحول ما قد تتسبب فيه من أضرار للشعب وللبلاد. وفي المقابل يبدو تحميل المسؤولية السياسية في متناول الشعب بمناسبة الانتخابات القادمة وذلك عبر "العقاب الانتخابي" خاصة أن أغلب الأطراف المذكورة تبدو معنية بموعد 2019، إلى جانب المسؤولية الأخلاقية غير أن ذلك قد لا يكفي للملمة جراح المتضررين من هذه "المرحلة السوداء"، لتتجه الأنظار مجددا الى كل مكونات الطبقة السياسية عساها تجد المخرج الآمن من أزمة متواصلة..