استهداف أسس الأسرة التونسية، تهيئة الظروف للانفتاح على المثلية الجنسية، خرق الدستور وإثارة الفتنة والانقسام، كلّها مخاوف أبداها دكتور القانون العام توفيق بوعشبة من تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة في الحوار التالي. مع تعزيز حقوق المرأة أكثر ، ولكن ليس وفق التصورات المنفلتة لرئيسة اللجنة ومن معها إقرار عدم التمييز بسبب «الوجهة الجنسية» يشرع حتما للزواج المثلي مساندو التقرير لم ينتبهوا إلى أبعاد مضامينه التقرير استهدف أسس الأسرة التونسية واراد إخضاعها لنمط غير مقبول في مجتمعنا تونس (الشروق) أنت من معارضي تقرير لجنة الحرّيات الفردية والمساواة، لو تشرح لنا أسباب هذا الرفض ؟ في البداية لي ملاحظتان رئيستان حول اللجنة ، أولا من حيث تركيبة اللجنة ومن خلال معرفة توجهات جل أعضائها فهي تكاد تكون من لون واحد ،وهو ماجعل تقريرها يبدو كما لو انه صادر عن جمعية نسوية استغلت الفرصة لتمرير تقريبا كافة المرئيات التي تتبناها وتناضل من اجلها وهي مرئيات منقولة عما هو معتمد في بلدان غربية نوعية الأسرة فيها مختلفة عن ماهو عندنا. ثانيا ألاحظ ان نظرة التقرير للأسرة جاءت مستهدفة للأسس التي تقوم عليها بخصائصها الثابتة والأصيلة وخارقة للدستور. كيف ذلك ؟ يؤكد الفصل السابع من الدستور انه على الدولة حماية الأسرة غير أن التقرير في رأيي استهدف عددا من أسس الأسرة التونسية بصورة عبثية وسخيفة حيث اتجه مثلا إلى مسألة المهر الذي من شروطه صحة عقد الزواج وجاء بتلك المقولة الاستفزازية المتمثلة في اعتباره إهانة للمرأة وتعديا على كرامتها كما تضمن ايضا مسألة العدة وتناولها من زاوية أن فيها إخلال بالمساواة بين الرجل والمرأة كما لو أنّ الأمر يمكن طرحه بهذه الصورة، ثم نجد فيه أيضا حربا على الأب باعتباره رئيس العائلة في نظرة صدامية لا مجال لها مجتمعيا ،حيث أورد مسألة إعطاء الإمكانية للأبناء بأن يضيفوا لقب أمهم إلى لقب أبيهم بما قد يحدث توترات لا احد بحاجة اليها في الأسرة الواحدة وأتساءل هنا لماذا الانغماس في مثل هذه المسائل المصطنعة بتعلة المساواة والحال ان الامر لا يستدعي ذلك البتة. قلت في تصريح سابق ان اللجنة التي وضعت التقرير من الناحية الشكلية تجاوزت صلاحياتها، ماحجتك في ذلك؟ لقد كلف الأمر الرئاسي عدد 111 لسنة 2017 المؤرخ في 13 اوت اللجنة باعداد تقرير حول الإصلاحات المرتبطة بالحريات الفردية والمساواة ،فاذا بها تتجاوز التكليف وبدلا من تقديم تقرير تأليفي استغلت الفرصة لتضمن تقريرها مشروعي قانونين أساسيين احدهما يتعلق بمجلة الحقوق والحريات الفردية والثاني يتعلق بالقضاء على التمييز ضد المرأة وبين الأطفال ،وكان على اللجنة برأيي ان تقتصر على تقديم تقرير تأليفي والا تخوض في وضع احكام تشريعية هي ليست من اختصاصها . كما أنّ اعضاء اللجنة غير مؤهلين علميا للخوض في عديد المسائل التي خاضوا فيها علاوة على أنّ اي مشروع قانون يتعلق بحقوق الانسان يجب طبقا للفصل 128 من الدستور ان تستشار بشأنه هيئة حقوق الانسان التي لم يقع تركيزها بعد. أمّا من الناحية المضمونية اعتمد التقرير الغاء عقوبة الاعدام وهو ما يتعارض مع الدستور الذي لا يلغيها كما ان ما ذهبت اليه اللجنة هنا ويتعارض مع القانون الاساسي المتعلق بمكافحة الارهاب فهل من المقبول ان نلغي عقوبة الاعدام بالنسبة للجريمة الارهابية ! ماهو تعليقك بشأن تأكيد اللجنة عدم طرح موضوع زواج المثليين مثلما أُشيع في السجال الدائر؟ لقد احتوى التقرير امر خطير للغاية حيث تبنت اللجنة في مقترحاتها التشريعية مفهوم مايسمى بالوجهة الجنسية «l'orientation sexuelle «،وهو مفهوم اذا ماتم تكريسه تشريعيا فانه يؤدي حتما الى اعتماد الزواج المثلي،والمقصود بالحق في الوجهة الجنسية والذي ينبثق عنه واجب عدم تمييز الإفراد بسبب الوجهة الجنسية هو ان الفرد له الحق فيما يخص علاقته الحميمية اي الجنسية التي قد تكون في صيغة زواج ببن رجل وامراة او بين رجل ورجل او بين امراة وامراة. وجدير بالتوضيح هنا ان مفهوم الوجهة الجنسية هو من ابتداع حركة من حركات المجتمع المدني في الغرب يطلق عليها بحركة LGBT Lesbiennes, gays, bisexuels et transgenres أي المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية، كما أرى ان مفهوم عدم التمييز بسبب الوجهة الجنسية تتناوله اليوم بعض الهيئات الاوروبية والاممية المخصصة لحقوق الانسان دون ان تتفق عليه الدول ودون اعتماده في القانون الدولي الوضعي لحقوق الانسان والمؤسف ان اللجنة تعمدت في تقريرها دس هذا المفهوم لجعل التشريع التونسي يفتح الباب نحو يؤسس الزواج المثلي وهذا نجده في في طيات عدة فقرات من التقرير وذلك بالصفحات 42 و 102 و105 و 107 و 117 و 120منه. وكيف تنظر الى مسألة المساواة في الميراث المضمنة في التقرير؟ بخصوص مسألة المساواة في الميراث فانه كلما كان هناك نص قطعي في القرآن الكريم فانه لا يجب المساس بمقتضياته او محاولة تجاوزه بتعلة ما يسمى بالمقاصد التي اطنب بشأنها الجزء الاول من التقرير او بتعلة الاجتهاد لان الاجتهاد لا ينفع عندما يكون النص القرآني قطعيا كما ورد في الآية التي جاء فيها «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ». وهل يعني رفضك لجل المضامين اتفاق مع من يقول بأن التقرير في بعض الجوانب منه يعكس بعض الاملاءات الخارجية ؟ ما يمكن ملاحظته ان التقرير جاء مستجيبا لبعض الطلبات الواردة من الاتحاد الاوروبي ولبعض التوصيات ذات المصدر الاممي خصوصا فيما يتعلق بإلغاء عقوبة الاعدام من ناحية وبالمساواة في الميراث من ناحية ثانية وهنا اتساءل، مادخل الاتحاد الاوروبي او البرلمان الاوروبي أو غيرهما من المؤسسات الاجنبية في امور الاسرة التونسية ونظامها الذي تقوم عليه؟ وكيف يسمحون لأنفسهم بأن يتدخلوا في مثل هذا الموضوع! اعتقد أنه من الواجب صون سيادة الدولة وعدم الانصياع لكل توصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة أو أجهزته الفرعية. هل كان ذلك وجهة نظرك التي أدليت بها خلال الاستماع اليك من قبل اللجنة القانونية لرئاسة الجمهورية؟ بينت ان المساواة في الميراث لا يمكن الخوض فيها عندما يكون هناك نص قطعي في القران، و بينت عدة اخلالات ارتبطت بتقرير اللجنة اضافة الى التجاوزات غير المقبولة الكامنة فيه ونبهت الى خطورة اعتماد بعض المفاهيم وبخاصة مفهوم الوجهة الجنسية لخطورة ما يترتب عنه لو يدخل التشريع التونسي وفي المذكرة التي وجهتها الى رئيس الجمهورية انتهيت الى ان تقرير اللجنة احدث جدلا حادا وانقساما البلاد ليست بحاجة اليه. واضفت انه حري بالتقرير ان يقع اعتباره مجرد طرح افكار ووجهات نظر لا تخص الا اعضاء اللجنة التي وضعته وان الدولة في حل منها. واعتقد انه من الواجب تعزيز حقوق المرأة وهي تمثل اكثر من نصف المجتمع وشخصيا لدي بنتان وولد وفي كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس عدد طالباتي يفوق بكثير الطلبة الذكور ويعرفن مدى تشجيعي لهن،كما يجب ان ترتقي بالاسرة التونسية على اساس من الاصالة والتفتح معا وان نطور التشريعات المختلفة لتعزيز حقوق المرأة والارتقاء بالاسرة ولكن ليس بالشكل الهدام والانحرافي التي ترسمة رئيسة لجنة الحقوق الفردية والمساواة ومن معها. يتوقع البعض اكتفاء رئيس الجمهورية بتقديم مشروع تشريعي مضمونه المساواة في الميراث يوم 13 أوت المقبل وفتح حوار مجتمعي عن باقي المضامين ما تعليقك ؟ لننتظر اذن ما سيصدر عن رئيس الجمهورية صاحب المبادرة اصلا وهو المسؤول عنها وعن مآلها. ومبدئيا لا أعتقد تمريرها في البرلمان ممكنا حيث أنها من الناحية السياسية مشروع خاسر ومن ينخرط فيه لا يفلح، وأعتقد أنه لو وقع طرحها ايضا على الاستفتاء من قبل الشعب سيرفضها قطعا للأسباب المبينة سابقا ومنها إلغاء عقوبة الاعدام وعدم التمييز على اساس الوجهة الجنسية. ختاما ماذا تنتظر من خطاب رئيس الجمهورية يوم 13 أوت المقبل ؟ لرئيس الجمهورية سديد النظر لكن املي في أن يؤكد العمل على تعزيز حقوق المرأة التونسية وعبر التشريعات المختلفة وفتح الابواب أمامها لجميع المواقع لاسيما في الدولة وأجهزتها وكذلك العمل على الارتقاء بالاسرة التونسية نحو الافضل بغير النمط الذي ابتغته رئيسة اللجنة ومن معها. كما اتمنى اعلان صرف النظر عن التقرير المثير للجدل والفتنة ولما لا التخلي عن المبادرة لوجود أولويات ومتطلبات من الافضل تكريس كل الجهود لتحقيقها. من هو توفيق بوعشبة؟ دكتور دولة في الحقوق من جامعة باريس مبرز في القانون العام،استاذ القانون العام الداخلي والقانون الدولي بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس،محام لدى التعقيب، انتمى سابقا الى حزبي نداء تونس وافاق تونس واستقال منهما ليكون مهتم بالشأن العام ومستقل سياسيا.