يقال أن حارس المرمى يمثل نصف الفريق ولكن في الكرة الحديثة ربما أصبح يمثل أكثر من هذه النسبة لأنه أصبح لاعبا وحارسا في نفس الوقت والحارس الممتاز الآن هو الذي يجيد اللعب بقدميه تماما مثل يديه. الصفقات المدوية التي انجزتها أكبر الاندية في العالم في الفترة الاخيرة تؤكد أن حارس المرمى أصبح فعلا مفتاح النجاح لأي مدرب ورغم ذلك مازال حراس المرمى في تونس مهمشين ومازالوا مجرد عجلة خامسة وتعيين مدرب عديم الخبرة بل لم يسبق له أن عمل حتى في الهواة والشبان (حمدي القصراوي) على رأس المنتخب يمكن اعتباره قمة التهميش «وإذا كانت الجامعة ربة البيت بالطبل ضاربة فلا تلومن الاندية عن الرقص». للحديث عن حراسة المرمى في تونس ومشاكلها وطرق تطويرها والنهوض بها وآخر تطوراتها على المستوى العالمي استضفنا اليوم المدرب لسعد الدرويش الذي عمل سنوات طويلة في الامارات الى جانب عديد الفنيين العالميين وهذا أبرز ما جاء على لسانه. كيف تقيّم حراسة المرمى في تونس؟ بعيدا عن التشاؤم بالإمكان التأكيد أن الوضعية الحالية غير مطمئنة وغير مريحة وهناك عديد المؤشرات السلبية التي يجب التفطن لها قبل فوات الأوان وكل من يرى عكس ذلك فهو إما مجامل يبحث عن طريقة للاستفادة أو غير مطلع على ما يحدث وغير قادر على تقييم الموجود. أين تتجلى ملامح هذه الوضعية الصعبة؟ أولا: الحارس التونسي غير قادر على لفت انظار الاندية الأوروبية وهذا على عكس أغلب الدول الافريقية وحتى من توفرت له فرصة اللعب هناك بضربة حظ أو بأي طريقة أخرى لم يتمكن من النجاح وعاد بسرعة الى تونس بسبب عدم توفر شروط النجاح فيه والناتجة عن غياب التكوين الصحيح الذي سنأتي عليه لاحقا. ثانيا: وهذا المهم عدم قدرة الحراس المتكونين في تونس والناشطين في البطولة المحلية على حراسة شباك المنتخب وهو ما اضطر الجامعة للبحث عن حلول أخرى فيتم الالتجاء الى حارس متكون في أوروبا وهو معز حسان. ما رأيك في هذا الأخير؟ هو حارس واعد وله عديد المهارات سواء الفطرية أي منحها الله له أو المكتسبة التي أصبح يتمتع بها بعد سلسلة من العمل الميداني ولو كان تكون في تونس ما كان ليبلغ ذلك المستوى ولكن أريد أن أشير أن التعويل على حسّان كأساسي في المنتخب كان خطوة خاطئة لأنه حديث العهد في المنتخب وغير متعود على اللعب مع زملائه وكان هناك تسرع كبير في الاعتماد عليه والدليل أنه تعرض الى الاصابة. وكان من الأجدر التعويل على بن مصطفى. لماذا بن مصطفى؟ بن مصطفى هو الحارس الأفضل الآن على الساحة وهذا التقييم يخلو من المجاملة ولو كانت الفرصة تمنح الى الأفضل في المنتخب لكان هو الحارس الأول. لكن بن مصطفى حارس متكون في تونس وهذا دليل على نجاح التكوين المحلي؟ لا بالعكس هناك فرق شاسع جدا بين نسخة بن مصطفى المحلية والنسخة الحالية وهذا يعني أن أداءه عرف نقلة نوعية عندما التحق بالبطولة السعودية ووجد كفاءات تدريبية هناك جعلت منه حارسا متألقا وهو الآن أحد أفضل الحراس في البطولة السعودية التي تعج بالنجوم في الميدان وفي المرمى أيضا. أنا تابعت هذا الحارس عندما كان ينشط بالبطولة المحلية وسواء مع النادي البنزرتي أو مع الافريقي وقد كان كثير الاخطاء ومرتبكا وله مشاكل فنية في التمركز وفي سرعة أخذ القرار وفي الكرات الهوائية ولكن الآن تغلب تقريبا على هذه المشاكل بفضل الاطار الفني الاجنبي الذي يدربه في السعودية. أليس في كلامك تحامل على الاطار الفني التونسي؟ من يعرفني متأكد أني لا أتحامل ولا أسيء للاطار الفني التونسي لأني انتمي اليه وأنا أحدهم ولكن هناك واقع يفرض ما أذهب إليه ويؤكده. كيف ذلك؟ لنكن موضوعيين... من هو الحارس الوحيد في تونس الذي بلغ المستوى العالمي الذي يؤهله للعب في البطولات الاوروبية؟... بالإمكان أن نتحدث عن أمثلة رغم أني لا أفضل ذكر الأسماء احتراما للجميع... هناك البلبولي الذي لم يتمكن من تطوير مستواه والذي عوّل طوال مسيرته على الموهبة التي منحها الله له ولكنه طوال مسيرته لم يجد المدرب الذي يضيف له الاشياء الضرورية للنجاح وقد انتهت الآن مسيرته تقريبا دون أن يترك بصمة تذكر. وهناك بين شريفية المتذبذب الأداء والمضطرب رغم أن له عديد الخصال الفطرية وهناك رامي الجريدي الحارس الموهوب لكنه لم يجد الكفاءة التدريبية التي تمر به من المستوى المحلي الى المستوى العالمي وهناك حراس الافريقي مثل شرف الدين والدخيلي اللذين يتخبطان رغم توفر شروط النجاح مثل القامة والمهارة. كل هذه المشاكل تدل على غياب التكوين العلمي والقاعدي وغياب الكفاءات باستثناء أقلية نادرة. لكن هناك جيل جديد من الحراس؟ هذا دليل اخر على غياب التكوين... ألم تشاهد أن الاندية الكبرى التي لها منطقيا أفضل مدربي الحراس عجزت عن التكوين ولذلك وجدت نفسها مضطرة الى الالتجاء الى الأندية الصغري. والأكيد أنكم لاحظتم كيف أن النجم مثلا في السنوات الاخيرة انتدب حارسا من مستقبل المرسى (الجبالي) وآخر من ترجي جرجيس (كرير) ألم يكن لديهم المدرب طارق عبد العليم الذي «تتخاطفه» الاندية الكبرى... ماذا فعل؟ أين الحراس الذين ساهم في تكوينهم؟ ماذا فعل مع البلبولي سوى أنه ساهم في تراجع مستوه ؟ أين تتجلى مشاكل التكوين في تونس؟ للأسف مازلنا في تونس لا نعرف أنه لا يمكن تكوين حارس في سن الاكابر وإذا لم يتلقى الطفل في مراحل عمره المتقدمة التكوين الضروري لا يمكن اكتساب ذلك في مرحلة متأخرة، والأندية التونسية يبقى الاهتمام بالشاب آخر اهتماماتها. تكوين الحراس لابد أن يمر بثلاث مراحل: الأولى: من 8 سنوات الى 13 سنة وهي مرحلة التعليم الثانية: من 13 الى 17 وهي مرحلة التكوين. الثالثة: انطلاقا من 18 سنة وهي مرحلة التأهيل. وهذا التقسيم ليس اعتباطيا بل وقع الاتفاق عليه بعد سنوات من البحوث والتجارب وكما يرى الجميع فإن هذه المراحل تذكرنا بمراحل التعليم الثلاثة أي الابتدائي والثانوي والجامعي. لكن لابد من الاعتراف ان المسألة ليس بهذه البساطة؟ هذا أكيد لأن الأندية ليست لها الامكانيات اللازمة لتتعاقد مع مدرب حراس كفء لتدرب حراس المرمى في المراحل الاولى من أعمارهم كما ان هذه المسائل النظرية غير كافية اذ لابد من التغذية السليمة والنجاح في الدراسة لأن غير المتعلم لا يمكن له النجاح في الكرة الحديثة الا نادرا وعديد المسائل الاخرى التي يطول شرحها. وما هو الحل؟ الجامعة هي الوحيدة القادرة على انجاح المشروع وعلى مساعدة الاندية. على الجامعة ان تتفطن الآن ان مركز حارس المرمى هو الأهم في كرة القدم وقديما قيل حارس المرمى يمثل ٪50 من الفريق... على الجامعة ان تتحرك وذلك بتوفير مؤطرين لأن مدربي حراس المرمى في حاجة الى التكوين ايضا والى مؤطرين والى الرسكلة وعلى الجامعة ان تستقدم من حين الى آخر مؤطرين معروفين على المستوى الدولي وينظمون دورات رسكلة لمدربي حراس المرمى. كما ان هذا الدور من المفروض ان يتكفل به مدرب حراس مرمى المنتخب الذي من المفروض ان يكون الاكثر كفاءة في تونس ولذلك وصل الى هذا المركز. هذا الأخير مطالب بالتنسيق مع مدربي حراس الاندية واطلاعهم على آخر التطورات والاكتشفات والطرق الحديثة . مدرب حراس مرمى المنتخب في تونس هو أشد الناس حاجة الى الدورات التكوينية والرسكلة؟ هذا موضوع آخر للأسف العلاقات والولاءات والانتماءات هي التي تحدد المناصب في تونس وليست الكفاءة والخبرة والدليل ان مدرب حراس مرمى المنتخب حمدي القصراوي لم يسبق له ان درب وليست له الخبرة اللازمة والشهائد الضرورية وكان قريبا من الانتقال الى نادي حمام الأنف . واذا كان هذا هو حال المنتخب والجامعة كيف نلوم الاندية؟ هل كان بإمكان طارق عبد العليم القيام بدور المؤطر؟ في تونس «إلي سمّاك غناك» هذا المدرب مع احترامي لشخصه الخلوق واللبق ساقته الصدفة الى تدريب حراس كل الاندية الكبرى في تونس وحراس المنتخب وهو مدرب لم يترك اي بصمة في اي فرق وقد قضى سنوات طويلة في النجم وعجز عن تطوير أداء البلبولي وتكوين حارس فاضطر النجم لانتداب بعض الحرّاس وسنوات أخرى في الترجي وهذا الاخير مازال الى يوم الناس هذا يعاني من مركز حراسة المرمى بعد تراجع بن شريفية وسنوات أخرى في المنتخب ولكن في النهاية وجدت الجامعة نفسها مضطرة للبحث عن حارس من خارج تونس وجاء معز حسّان. لماذا يثني الأغلبية على طارق عبد العليم؟ لأنه لا يوجد في تونس الشخص المختص في تحليل أداء حراس المرمى والاكيد انكم تلاحظون غياب المختصين في حراسة المرمى في «بلاطوهات التلفزة» وكل المحللين لا علاقة لهم بهذا المركز وبما أن المدرب المصري له شبكة علاقات طيبة فإن الجميع يثني عليه واذا سألت من له المعرفة والدراية سيعلمك بخفايا الامور... ألم تتساءل لماذا تخلت عنه الجامعة. هل ان الصورة قائمة الى هذا الحد؟ لا... هناك مدربون لهم القدرة على النجاح سواء في تدريب الحراس او في دور المؤطر وأذكر مثلا مختار النايلي والناصر شوشان وعادل زويتة وبوبكر الزيتوني وصلاح الفاسي وكل هؤلاء كان بالامكان الاستفادة من خبرتهم. أريد ان أذكر في هذا المجال ان طارق عبد العليم كان يدرب الحراس الشبان في نادي دبيالاماراتي عندما كنت أنا أدرب حراس الاكابر في نادي الشباب الاماراتي مع فوزي البنزرتي ثم بعد ذلك جاء به أوتوفيستر الى صفاقس وعمل مع مراد محجوب وكوّن شبكة علاقات هي التي مكنته من تدريب كل حراس تونس وبقي مختفيا وراء البلبولي في النجم والمنتخب والآن في الافريقي. واذا كان هناك شيء اخر أضر بالكرة التونسي فهو تهميش مدرب الحراس الذي مازال مختفيا خلف المدرب الاول. عليه ان يظهر للعلن وان يتحمل المسؤولية وعلى الجامعة ان تمنحه الحجم المناسب ايجابا وسلبا اي توفر له الامتيازات والاجور وان تحاسبه ايضا، أما الحياة في الظل فتنعكس سلبا على الجميع. تابعنا هذا الموسم وفي الحقيقة على امتداد السنوات الاخيرة كيف ارتفعت أسهم الحراس في العالم وتابعنا كيف اصبحت قيمة صفقة الحراس لا تقل عن قيمة صفقة المهاجمين؟ هذا مهم جدا لان الفنيين اكتشفوا وتأكدوا ان مركز حارس المرمى هو الاهم في الكرة الحديثة وقد ازدادت أهميته منذ اصبح الحارس مطالبا باللعب القدمين عند تلقي الكرة من أحد زملائه وقد لاحظتهم بالتأكيد قيمة الصفقة المالية لحارس تشلسي وحارس ليفربول ايضا. الحارس اصبح له دور تكتيكي كبير واصبح يساند زملاءه ويمكنهم من التفوق العددي عند الضرورة ولذلك تدريبه يتطلب دراية كبيرة ومعرفة واسعة واريد ان أذكر في هذا المجال مثلا ان هناك 78 حالة تمركز خاصة بحارس المرمى وتختلف باختلاف موقع الكرة والمنافس وزملائه وهناك ما يعرف بالفنيات الخمس الثابتة والمتحركة ومن لا يعرف هذه الاشياء البسيطة لا يمكنه ان يتولى تدريب الحراس في عالم الاحتراف. بماذا تريد ان تختم هذا الحوار؟ أريد أن أشير أني تعلمت الكثير من فنيين عالميين في الامارات كما أني عملت كمحلل في قناة «دبي الرياضية» ولذلك عندما أحلل وضعيات حراس المرمى في تونس او المدربين أتمنى ان يفهم ذلك في سياقه ولا يعتقد البعض اني أبحث عن منصب مثل تدريب حراس المنتخب لأن ذلك لا يدخل ضمن طموحاتي. كيف يمكنك افادة الكرة التونسية اذن؟ أحلم ببعث أول أكاديمية لتدريب وتكوين حراس المرمى في تونس وهذه هي الطريقة الوحيدة لتفادي المأزق الذي وقعت فيه الكرة التونسية لابد من بعث أكاديمية تتولى تدريس الحرس الشبان نظريا وتدريبهم ميدانيا لأن الطرق العشوائية لن تجدي نفعا وأنا فعلا أخطط لبعث هذه الاكاديمية التي ستكون مفتوحة لحراس كل الاندية.