تضجّ مدينة القلعة الكبرى المنتصبة بالساحل التونسي كلّ صيف بحفلات الأعراس التي تقام على شاكلة مهرجانات منها ما يمتدّ على عدة أيّام وليال ومنها ما يقتصر على ليلتين، حسب رغبات أهل العروسين. في القلعة الكبرى ينطلق «المهرجان» الاحتفالي قبل موعد الزفاف بأيام حيث يلتقي أقارب العروس وصديقاتها وينظمن «حلقات طربية» يرددن فيها بعض الأغاني التراثية المتداولة في الأعراس الساحلية ويتولين ترتيب جهاز العروس بشكل منمّق وبديع إلى حين نقله إلى بيت زوجها. أمّا الاحتفالات «الرسمية» فتنطلق في اليوم الأول مع كتابة عقد القران الذي يتزامن عادة مع حنة العروس، حيث يلتقي الأقارب من الرجال والنساء ليشهدوا إعلان زواج العروسين ويتم توزيع الحلويات والمشروبات على الحاضرين، ثم يتولى الرجال تهنئة أبوي العروسين قبل أن يغادر معظمهم لتستكمل السهرة التي تؤثثها «الحضرة النسائية» وهي سهرة مخصصة للنساء. في هذه السهرة التي تُسمى «حنة العروسة» يتم إكساء العروس ثلاث «كساوي» لكل خصوصيتها وجماليتها و»خرجتها» حيث تجلس العروس في البداية في إحدى بيوت المنزل قبل أن يتم إخراجها في كل مرة بكسوة معينة ترافقها في كل مرة أغنية مخصوصة يتم ترديدها مع كل كسوة، وتخرج العروس مرفقة بعرائس صغيرات من أهلها وبالشموع والورود، وتصعد غلى المنصة فيرقص الجميع من حولها ويرشقون الأموال على نغمات «صبّ المال وهات». ومن الأغاني المتداولة في حنة العروسة «نقز عالحوت يا عروسة» وهي من عادات الزواج في الساحل حيث تقفز العروس سبع مرات على سمكة حقيقية كانت أو اصطناعية كلّ حسب اختياره. وتزامنا مع حنة العروسة يمضي أهل العريس لذبح الثور استعدادا ليوم الوليمة (في اليوم الموالي) ويمضي الجميع كامل الليل في إعداد ما يلزم للوليمة من تحضير الخضر وتقسيم اللحم إلى قطع يتم رشها بالبهارات ولفها استعدادا لنقلها إلى «الكوشة» لطبخها على أن تكون جاهزة قبل منتصف نهار اليوم التالي حيث تنطلق الوليمة او «الطَّعم» كما يسميه أهل القلعة الكبرى مه منتصف النهار. وفي مساء ذلك اليوم يكون الموعد مع حنة العريس التي تحييها فرقة السلامية، ويتم جلب الحنة من منزل العروس وسط اجواء صاخبة ويدخل العريس وعلى رأسه «مثرد» الحنة مرفقا بالشموع والورود والشباب من حوله يرقصون على نغمات «هاتوا الحنة» لتتواصل السهرة مع أغان تمجد العريس وكسوته وتثني على تلك الليلة التي لا تمحى من ذاكرته وذاكرة أهله وسط أصوات إطلاق الشماريخ والرقص الذي لا يتوقف إلى ما يقارب الساعة الثانية بعد منتصف الليل. وفي اليوم الموالي وهو يوم «المرواح» يتهيأ العريس للزفاف فيتنقل صحبة جمع من الأهل والأصدقاء إلى الحمّام ثم يأتي الحلاق إلى منزل العريس وسط أجواء احتفالية فيكون العريس جاهزا لزفافه منذ المساء قبل أن يتم إلباسه الكسوة على نغمات «قدمولو ما يلبس الشاشية». وفي الأثناء تكون العروس قد امضت ساعات طوال في قاعة الحلاقة والتجميل لتخرج كأبهى ما يكون استعدادا لاستقبال زوجها الذي يأتي رفقة الفرقة النحاسية ليخرجها من منزل والديها إلى «عش الزوجية». وبوصول العروسين يتولى الأهل والأقارب والأصدقاء تهنئة المقربين من أهل العروسين وسط صفّ طويل ووسط اجواء من البهجة والتمنيات للشباب بالتيسير لهم والتعجيل بالفرح الأكبر، فرحة الزواج.