تذمرات من مصاريف تجهيز البيت وحاجيات العروس بعضهم لجأ للسطوح فحولها إلى صالات والبعض الآخر كلّف نفسه ما لا وسع لها به أزواج الستينات والثمانينات يقارنون بين زواج الأمس وزواج اليوم فصل الصيف هو فصل حافل بالأحداث والمناسبات فإلى جانب كونه فصل الراحة والاستجمام فهو أيضا موسم الافراح والأعراس ومع حلوله يدخل المقبلون على الزواج في هستيريا الاستعداد ويسعى كل واحد منهم على طريقته الخاصة ووفق الامكانيات المادية المتوفرة لديه إلى محاولة جعل «ليلة عمره» - إن صح التعبير - ليلة مميزة يحكي عنها القاصي والداني، وفي هذا التحقيق أخذنا عينات من الازواج من أجيال مختلفة خاصة من ضعاف الحال ومتوسطي الدخل لمعرفة مشاغل المقبلين على الزواج لدى جيل الستينات وجيل الثمانينات وصولا إلى جيل اليوم ولا بد أن اختلاف الحقب الزمنية والمستويات المعيشية قد فرض على كل جيل من الأجيال عادات معينة واستعدادات مغايرة. ترتبط الاستعدادات للزواج في تونس بعادات وقناعات وتصورات تختلف من جيل إلى آخر ومن شخص إلى آخر فالزواج لدى العديد من الاشخاص المنتمين إلى جيل الستينات لم يكن هاجسا يؤرق أو حلما صعب التحقيق أو حدثا يتطلب قيام الدنيا وقعودها بل كان السبيل إليه يسيرا وسهلا. «تزوجوا فقراء يغنيكم الله» «تزوجوا فقراء يغنيكم الله» هذا ما جاء على لسان السيد صالح اليعقوبي (63 سنة متقاعد) كلام لا يخلو من فلسفة اجتماعية على غاية من البساطة لكنها عبرت عن مقاصد (عم صالح) الذي آثر التعمق في فلسفته هذه وأضاف قائلا: «امتلاك نصف الدين في عهدنا كان من أسهل الامور ولا يتطلب أية استعدادات مسبقة فبدينار واحد أو دينارين تستطيع أن تتزوج والأبوان هما اللذان يتكفلان بجميع الامور صغيرها وكبيرها... ربما الشيء الوحيد الذي كان تحضّره أسرة العريس قبل الزفاف «العولة» أي الكسكسي الخاص بمأدبة هذه المناسبة أما الذبيحة فيمكن أن تكون عجلا أو خروفا أو حتى ديكا روميا أو دجاجة ففي جميع الأحوال تفي بالغرض و«كل قدير وقدرو» وعن مسألة المنزل والاثاث قال محدثنا «تزوجت داخل غرفة صغيرة لا تحتوي إلا على حصير وبعض الاغطية الصوفية التي حاكتها أمي». كثيرون من جيل عم صالح اليعقوبي يتقاسمون معه وجهة نظره حول يسر عملية الزواج في عهدهم وتولي الأولياء مسألة اختيار الزوجة لأبنائهم والتحضير أيضا للزفاف فالحاجة فاطمة القابسي (67 سنة) لم تخف تذمرها من جيل اليوم ومن عادات اليوم الموغلة في الاسراف والتبضع على حد تعبيرها وعن كيفية استعدادها لزواجها أكدت قائلة «إن زفافي لم يدم أكثر من يومين يوم للخطبة واليوم الموالي للعرس وكل شيء تم في حفل بسيط غنى فيه الاهل والأقارب وأقيمت فيه مأدبة «كسكسي ولحم» وعن «جهاز عرسها» قالت «دخلت منزل زوجي ب«شلاكتي» ومنزل الزوجية هو عبارة عن غرفة مجهزة بسرير مبني ب«الطوب» ويحتوي على بعض الاغطية الصوفية» وتختم قولها مستدركة: «ولكن الأهم من ذلك أن عشرتي مع زوجي كانت طيبة ويسودها الود والتفاهم وبفضل مجهودنا المشترك تمكنا من انجاب الذرية الصالحة وامتلاك المنزل ثم السيارة وكل الأمور صارت على أحسن ما يرام والحمد لله». أما عم محمد الورتاني (70 سنة) فيقول: «زواجي كان بمثابة المفاجأة بالنسبة إلي لأني في تلك الفترة لم أكن أفكر في الزواج قط لكن والدي قرر تزويجي من ابنة عمي فأعلم عمي بالأمر فوافق ثم عقد قراننا في يوم واحد لم تسبقه أية تحضيرات بالرغم من أن امكانيات عائلتي في تلك الفترة كانت متيسرة نوعا ما». «كل قدير وقدرو» عرف الزواج في فترة الثمانينات عديد التطورات في تنظيمه وفي طرق الاستعداد له والاحتفال به وذلك نتيجة تطور المجتمع وانفتاحه على بعض الحضارات الاخرى فأصبح حدث الزواج يستدعي اهتماما كبيرا وتحضيرات هامة ومصاريف كبيرة فالسيد حاتم الجبالي (45 سنة موظف) يقول: «الزواج هو ليلة العمر المرتقبة لذلك يجب أن تكون ليلة مميزة في عيون جميع المدعوين» وعن زواجه قال محدثنا: «لقد تزوجت في سن الخامسة والعشرين وأقامت عائلتي الافراح سبع ليال وسبعة أيام احتفالا بهذه المناسبة الهامة في حياة كل شخص» ويضيف مستدركا «لكن مهما تعددت ليالي وأيام الاحتفال فلن تضاهي مصاريفها أبدا حجم مصاريف زواج جيل اليوم الذي بالغ في الاسراف وفي تهويل الامور، فالمسألة أولا وقبل كل شيء مسألة قناعة من قبل أهل الطرفين أي الشاب والشابة المقبلين على الزواج ومرتبط أيضا بالامكانيات المادية المتوفرة لكليهما، فأنا عن نفسي بالرغم من أني موظف واتقاضى أجرا جيدا لم أفكر أبدا في الانفصال عن والديّ وكراء منزل خاص بي بل تزوجت في غرفة صغيرة خصصها لي والدي وجهزتها في ذلك الوقت بسرير وبعض الاغطية ومائدة صغيرة» ويضيف محدثنا موضحا «كما أن عملية نقل العروس إلى منزل الزوجية لم تكلفني أية مصاريف لكراء سيارة أو ما شابه ذلك لأن العادة في منطقة الجنوب جرت أن تنقل العروس إلى منزل زوجها على متن الجحفة وبقية المحفل يسيرون مشيا على الاقدام وحفل الزفاف يتم على إيقاع «الطبال والزكرة» طبعا في البطحاء المحاذية لمنزلنا». وفي السياق ذاته يشاطره صديقه الهادي بن لخضر (50 سنة معلم) القول «أنا أيضا تزوجت على نفس الطريقة تقريبا فبالرغم من أني من سكان العاصمة فزواجي كان تقليديا جدا فقد أقيم في سطح منزل عائلتي والفرقة التي أحيته كانت متكونة من بعض الاصدقاء والاقارب الذين غنوا ورقصوا على ايقاع «البندير والدربوكة» ووليمة الاحتفال اقتصرت على الكسكسي واللحم و«الشروبو» وزوجتي نقلت على متن سيارة أحد اصدقاء العائلة». أما السيدة عربية ملوّح (53 سنة) فتقول: «العروس في تلك الفترة لم تكن مجبرة على شراء أشياء باهظة لجهازها مثل أثاث بيت الجلوس أو المطبخ كالثلاجة والغسالة أو غيرها ومسألة الجهاز لم تكن تؤرقها لأن العائلة هي التي تتكفل بتجهيزها منذ حداثتها وطبعا بما تستطيع إليه سبيلا وجميعها أشياء بسيطة متكونة من الاغطية الصوفية المحاكة في المنزل وبعض الاواني البلاستيكية أو المصنوعة من الأليمنيوم» وعن مسألة الحليّ والكسوة أكدت محدثتنا قائلة «شراء الحلي للعروس لم يكن أمرا إلزاميا للعريس فإذا كان في استطاعته اهداء زوجته بعض الحلي سواء كان من الذهب أو الفضة فلا بأس بذلك وبالنسبة لكسوة العروس يتم تفصيلها لدى خياطة بعد شراء القماش لخياطة بعض الفساتين و«كل قدير وقدرو». وعن مسألة الحلاقة وتجميل العروس يوم زفافها قالت السيدة زينة الشابي (48 سنة تقني سامي باحدى المؤسسات الخاصة) «في تلك الفترة قلما نجد محلات حلاقة وتجميل فجميعها تتمركز بالاساس بالعاصمة والمدن الكبرى ولا تقصدها إلا بنات الاعيان وميسوري الحال أما بقية العرائس فيتجمّلن في منازلهن وزينتهن تقتصر على بعض المواد الطبيعية مثل السواك والحنة والحرقوس و«المردومة»». هواجس جيل اليوم الهاجس الوحيد الذي يؤرق عادل المالكي (36 سنة عامل بحضيرة بناء) ويشغل باله وتفكيره الآن مصاريف حفل زفافه المبرمج في شهر جويلية القادم وقد عبر عن ذلك بنبرة يعلوها التوتر والقلق والتذمر بقوله: «اتفقت مع خطيبتي وأهلها على الزواج في هذه الصائفة وتحديدا في منتصف جويلية القادم ولكن الامور كلها وإلى حد الآن لا تسير وفق ما يطمح إليه كلانا فنحن مخطوبان منذ ثلاث سنوات وبالرغم من أني أحاول الاقتصاد في مصاريفي اليومية وادخرت مبلغا ماليا تصورت أنه كاف لجميع المصاريف فإن كل ما وفرته لم يكف لكراء المنزل وتجهيزه ودفع عربون الصالة والعوادة» ويضيف متسائلا: «من أين سآتي ببقية المصاريف ومن أين سأشتري كسوة العروسة واشتري ذهبها وأكتري السيارات وغيرها وغيرها... ماذا سأقول لأهل زوجتي خاصة بعد أن اشيع خبر زواجنا بين جميع الاهل والاقارب؟ هل أؤجل الزفاف وبذلك أضيع كل المصاريف التي تكبدتها وأخسر العرابن التي دفعتها! والله احترت». أما السيد حاتم البوغانمي (37 سنة) فالبرغم من أنه موظف بمستوى مرموق بإحدى المؤسسات الحكومية ويتقاضى مرتبا محترما لم يخف بدوره مخاوفه وتذمره من كثرة مصاريف الزواج التي تدفقت عليه مثل ماء الحنفية من كل صوب على حد تعبيره وأضاف قائلا: «منذ أن وفقت في الحصول على شغل محترم كان حلمي الوحيد امتلاك منزل صغير وقد وفقني الله لشراء قطعة أرض تمكنت بفضل مساعدة أخي الكبير المقيم في فرنسا من بناء مسكن متواضع عليها وأمام إلحاح والديّ عليّ لإتمام نصف ديني خطبت فتاة تشتغل معي بنفس المؤسسة وبالرغم من أنها لم تشترط شيئا والحق يقال ولا تهمها المظاهر والمادة بقدر ما يهمها الاستقرار وبناء عش زوجية يسوده الاحترام والتفاهم إلا أني لا أود أن احرمها من أي شيء حلمت به وأرادته أن يكون يوم فرحة عمرها خاصة وأنها الابنة الوحيدة لدى عائلتها» ويضيف متذمرا «لكن ما باليد حيلة فالتهاب الاسعار وغلاء المعيشة «ما خلاناش نحسوا بنكهة الفرحة» ويختم حديثة مستدركا: «جهزت المنزل ببعض الاثاث لكن مازال أمامي بحر من المصاريف للصالة والعوادة والوطية والعشاء والسيارات والحجامة والذهب والفندق لا أعرف ماذا أفعل وموعد زواجي قريب جدا «كانشي لا ربي إنوب» وإلا سأضطر إلى قرض بنكي آخر». لا بد من التضحية صحيح أن الزواج اليوم لم يعد في متناول كل الشباب واصبح هاجسا يؤرق المقبلين عليه وذلك بسبب ارتفاع الاسعار وتفاقم ظاهرة البطالة وتطور المطالب الاساسية وتغير العقليات ولكن ببعض الحكمة والقليل من التنازلات تقلص حتما العراقيل وتحسّن الاوضاع هكذا قالت محدثتنا فاتن الكوكي (30 سنة موظفة) التي أبدت تفاؤلا كبيرا واستعدادا أكبر للتنازل عن عديد العادات والمتطلبات التي اعتبرتها تقليعات واهية تعيق شباب اليوم وتدفعهم إلى العزوف عن الزواج وتحقيق الاستقرار العائلي والنفسي وعن زواجها قالت: «زواجي سيكون في أواخر هذه الصائفة وقد اتفقت أنا وخطيبي على عقد قراننا في البلدية والتوجه مباشرة إثر ذلك إلى عشنا الزوجي لأني أرفض أن أثقل كاهل زوجي بالديون والقروض وإثر ذلك وعوضا عن الاستقرار والهناء تكثر المشاكل والبلاء» وتختم قولها مؤكدة «من الصعب التخلي عن بعض الرواسب التي أصبحت بمثابة القوانين لدى الأهل والاقارب والمجتمع سواء ولكن بالتروي والمحاولة استطعت أنا وخطيبي اقناع أهلنا بالفكرة وأقارب البقية لا يهموننا». أما فتحي الكوكي (30 سنة عامل بأحد مصانع النسيج) فيقول: «أنا خاطب منذ عامين تقريبا وزواجي مبرمج في هذه الصائفة ولكن ما يثقل كاهلي ويشل تفكيري هو فواتير المصاريف التي لا تنتهي وطلبات حماتي وشروطها المجحفة بالرغم من أن خطيبتي «بنت حلال» وتحبني وما يهمها هو اجتماعنا تحت سقف واحد فهي التي أقنعتني بتقديم مطلب لاحدى الجمعيات أو المؤسسات المنظمة لحفلات الزواج الجماعي وأتمنى أن نحظى بهذه الفرصة ليجتمع شملنا». الاستعداد النفسي هذه الحلول وغيرها التي يلجأ إليها بعض المقبلين على الزواج لتجنب وطأة المصاريف وغلق أبواب التداين تفترض حسب محمد علي القربي (28 سنة موظف) الاستعداد النفسي أولا وقبل كل شيء والقناعة التامة بالتخلي عن بعض الأحلام والطموحات التي رسمها الشاب أو الشابة في مخيلتهما عن «ليلة العمر» وأيضا بقدرة هؤلاء على الخروج عن بعض العادات والتقاليد التي دأب عليها المجتمع وأصبح المخالف لها شاذا أو مخالفا للسرب» وأضاف «زواجي سيكون في هذه الصائفة ولكن مصاريفه ستكون حسب امكانياتي المادية وإن لم أتمكن من كراء «صالة» لحفل زفافي فليست نهاية العالم فسطح منزلنا شاسع والذي لا يمتلك سطحا بإمكانه أن يلجأ إلى بعض الاصدقاء أو الأقارب أو الجيران» ويضيف مؤكدا «لا يجب النظر إلى الزواج على أنه مظاهر ومصاريف بلا موجب وتباه». موقف معقول حسب رأي خطيبته هدى (27 سنة) وشاطرته بالقول: «البعض من جيلنا يصعبون على أنفسهم الزواج لأنه في نظرهم بذخ واسراف حد التخمة في حين أنه بإمكانهم التنازل على عديد الاشياء التي لن تغير في مقصد الزواج وغايته النبيلة شيئا». تقاليد رغم ما قيل ويقال عن الزواج ومصاريفه ومظاهر الاستعداد له فإنها تبقى في نهاية المطاف مصنّفة ضمن خانة العادات والتقاليد والاشخاص الذين ترسبت لديهم أفكار حول ضرورة الاحتفال ب«ليلة العمر» احتفالا لا يمحى من الذاكرة ووفق مظاهر ترضي رغباتهم وطموحاتهم وأحلامهم سيفعلون المستحيل من أجل ذلك وإن عجزوا فإنهم سيبطلون مواعيد زيجاتهم بل وقد يعزفون عن الزواج أصلا والاشخاص الذين تربوا على القناعة والاحتكام إلى العقل في جميع أمورهم فإنهم سيغضون الطرف عن عديد العادات والتقليعات بالرغم من توفر الامكانيات المادية لديهم. حمدي يمينة للتعليق على هذا الموضوع: