رغم الفيضانات التي تغرق البلاد في كل مرة، يحذر الخبراء من دخول تونس مرحلة العجز المائي، وهو ما يدعو للتساؤل حول أسباب عدم استغلال مياه الأمطار الثمينة وتركها «غنيمة» البحر والأودية. تونس الشروق: بلغت نسبة امتلاء السدود التونسية حوالي 40 بالمائة من طاقة استيعابها، لكن الواضح أنه ورغم الأمطار التي تسببت في فيضانات ببعض المناطق فإن هذه المياه عادة ما يكون مصيرها البحر لتتحول إلى ثروات مهدورة، في وقت يصدر فيه الخبراء تحذيرات من ارتفاع نسب الفقر المائي الذي تعيشه البلاد. غياب الاستراتيجية يشتكي عدد من الفلاحين من مشاكل غياب المياه متسائلين عن مصيرها الأمطار السائلة ووجهة مياه الفيضانات، وقال وسيم سلاوتي :«المشكل في تونس أن الأمطار تنزل ونسجل فيضانات ثم تفاجئنا التصريحات بالقول نعاني العجز المائي ولا يمكن استغلال هذه المياه، أتساءل هنا أين هي استراتيجية الوزارة في هذا الصدد.» واعتبر أن 80 بالمائة من الموارد المائية وما وصفه بالحوض المائي تتمركز بين باجة وجندوبة وهي «الباراجات» الكبرى التي تمول تونس وملاق وبوهرتمة. واعتبر أن المشكل في غياب ربط هذه السدود مع بعضها البعض، وغياب استراتيجية لتعديل تدفق المياه بينها، وعدم إحداث سدود جديدة منذ سنوات. وشدد على غياب استراتيجية واضحة تستغل تساقطات الأمطار التي عادة ما تذهب هباء نحو البحر. كما تغيب النظرة الاستشرافية الجادة في هذا الموضوع. دراسة خبير «نعاني من مشكل كبير في سيلان المياه المتأتية من الأمطار، ورغم الفيضانات لم نتمكن من الاستغلال الأمثل للمياه التي تذهب هباء نحو البحر دون التمكن من استرجاعها.» هذا ما أكّده الخبير الاقتصادي الدكتور جلول الصغاري، وهو دكتور وأستاذ محاضر بفرنسا صدر له كتاب مؤخرا حول هذا الموضوع. وقال إن معالجة مشاكل سيلان المياه لا تتم إلا بالإرادة السياسية الواضحة والاستثمارات الكبرى خاصة وأن مشاكل المياه من أكبر التحديات بالنسبة إلى الأجيال المستقبلية. وقال إن حل مشاكل المياه يعني حل مشاكل الفلاحة وعدم ترك البلاد في حالة تبعية. مشيرا إلى أن البلاد لها طاقات كبرى وثروات يجب استثمارها. و«يقدر مجموع مياه الأمطار المتساقطة سنويا في تونس بحوالي 36 مليار متر مكعب، يذهب 60 بالمائة منها للفلاحة، بينما تبقى كمية تقدر ب14 مليار متر مكعب للاستهلاك سنويا». هذا ما بينه الدكتور جلول مفسرا أن المياه التي تمتصها الأرض وتساهم في الاخضرار تسمى بالمياه الخضراء، فيما تسمى المياه السائلة والتي تتوجه للبحر بالمياه الزرقاء. ويذكر أنه يتم استغلال كمية لا تتجاوز 4 مليار متر مكعب من المياه السائلة، فيما تذهب ال10 مليار متر مكعب المتبقية نحو البحر. واقترح محدثنا مجموعة من الحلول منها إنشاء قنوات مياه من مجردة إلى الجنوب التونسي من أجل تحسين توظيف ال10 مليارات من المتر المكعب من الماء التي لا يتم استغلالها سنويا. وفسر في حديثه مع «الشروق» أن التكلفة ليست كبرى باعتبار أنه سيتم الاعتماد على عملة الحضائر وصيغ تقلص من التكلفة، ولاحظ أن هناك فسادا في تشغيل عملة الحضائر واحتساب تكلفته حسب دراسات أخرى قام بها. مضيفا أن هدفه من الدراسة تقديم خدمة لبلده وليس المنافسة. وكان خبراء آخرين قد اعتبروا أن المشكل الأساسي في عدم استيعاب مياه الفيضانات تعود إلى عدم جهر السدود وتنظيفها والحال أن عمر بعضها تجاوز 40 سنة، كما شكك البعض الآخر في غياب استثمار المياه من أجل خلق مشاريع بديلة للاقتصاد في الماء مثل مشاريع التحلية وغيرها. أرقام ودلالات 40 بالمائة نسبة امتلاء السدود 73 مليون متر مكعب إيرادات شهر أوت 867 مليون متر مكعب كمية المياه بالسدود التونسية حاليا