لم تصر «النهضة» كما في السابق على التمسك بالحكومة ورئيسها الشاهد بل إن مجلس شورى الحركة انصرف في بيانه الأخير إلى «التمسك بخيار التوافق» حول «حكومة مستقرة» وغير معنية بانتخابات 2019، فهل هو استعداد مبطن للتخلي عن الشاهد؟ تونس (الشروق) مجلس شورى حركة النهضة يؤكد «تمسكه بخيار التوافق لتجاوز كل صعوبات هده المرحلة» هذا ما أعلنه المجلس في الفقرة الأولى من بيانه الذي أصدره الأحد الماضي قبل أن يضيف «تأكيده على ضرورة العمل المشترك مع القوى الوطنية السياسية والاجتماعية لتجاوز الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد منذ تعليق العمل باتفاقية قرطاج 2». في هذه الفقرة لم يتعرض البيان من قريب أو بعيد إلى الحكومة ولا إلى رئيسها بل جعل التوافق مع الأطراف السياسية (الأحزاب) والاجتماعية (المنظمات المعنية بوثيقة قرطاج 2) في مقدمة أولوياته على فرضية أن تكون الفقرات مرتبة وفق الأولوية. الإشارة الأولى للحكومة وردت في الفقرة الثالثة لكنها لم تتعرض إلى حكومة الشاهد بعينها بل إلى أي حكومة شريطة أن تكون «مستقرة ومنصرفة كليا إلى تجسيم الاصلاحات والتصدي للتحديات وتهيئة البلاد لانتخابات 2019 دون أن يكون أعضاؤها معنيين بالترشح...». قد يفهم من عبارة «مستقرة» أن حركة النهضة تريد حكومة الشاهد دون غيرها بما أن الاستقرار السياسي الذي ألحت عليه سابقا لا تضمنه حكومة جديدة يشكلها رئيس جديد، ولكن هذه القراءة قابلة للنقاش من زوايا ثلاث: الأولى أن استقرار الحكومة لا يضمنه رئيسها بالضرورة إذ بالإمكان المحافظة على عدد من الوزراء مع ترشيح أحدهم للحلول محل الشاهد وهو حل توافقي يمكن أن يرضي جميع أطراف وثيقة قرطاج 2. الثانية أن حركة النهضة لم تتمسك يوما بالشاهد في شخصه بل بصفته رئيس حكومة يحفظ مصالحها، وعندما تتأكد من كونه يهدد مصالحها فلن تتواني في العمل على إقالته. الثالثة أن الحركة تقدم للشاهد حماية مشروطة بعدم ترشحه للاستحقاق الرئاسي القادم وأنها جاهزة للتخلي عنه والتضحية بالاستقرار السياسي إذا لم يف بشرطها. قد تكون صياغة البيان وتبويب فقراته رسالة مبطنة للشاهد حتى لا يعبث بشرطها وقد تكون امتصاصا لغضب شركائها في وثيقة قرطاج وقد تكون قصدت رمي العصفورين معا بصياغة واحدة فما مرد هذا؟. علينا أن نضع اجتماع مجلس الشورى وبيانه في إطارهما السياسي، فقد شهد المشهد البرلماني خلال الأيام الأخيرة رجات يمكن أن يتبعها زلزال شامل: الرجة الأولى تمثلت في التقارب بين كتلتي النداء والحرة بما جعل مجموع أعضائهما 69 عضوا قبل كتلة النهضة التي كانت تتسيد المشهد النيابي ب 68 عضوا. الرجة الثانية انضمام كتلة الاتحاد الوطني الحر إلى كتلة الائتلاف الوطني بما جعلها الثالثة في الترتيب. والأهم أن هناك حديث غير مؤكد حول أمرين أولهما استعداد بعض أعضاء كتلتي النداء والحرة للالتحاق بكتلة الائتلاف الوطني وثانيهما وجود علاقة غير معلنة بين الكتلة الأخيرة ويوسف الشاهد تجعله زعيمها ومرشحها للاستحقاق الرئاسي القادم. هذه الفرضية تغذيها الأخبار التي تتحدث عن تعلق همة الشاهد بالانتخابات الرئاسية أكثر من رئاسة الحكومة وأنه بصدد ربح الوقت لا غير على أن تكون استقالته الإرادية منتصف أكتوبر القادم. في السياسة ليس هناك دخان من غير نار ولا شك أن حركة النهضة مطلعة على كل ما يروج من إشاعات وبالنظر إلى خبرتها فإنها لن تنتظر وضعها أمام الأمر الواقع في الوقت الطي لا يناسبها بل من حقها أن تبحث عن مصالحها في الوقت المناسب. هذه المصالح تقتضي منها: أولا ألا تعادي بقية شركائها في وثيقة قرطاج وأن تبحث معهم عن أي قرار توافقي من شأنه أن يرفع العداوة وحتى مجرد الخصومة، وإذا تطلب التوافق التخلي عن الشاهد فإنه سيعتبر تنازلا من الحركة يفرض بالضرورة على شركائها أن يقدموا تنازلات مقابلة تحفظ مصالحها. ثانيا أن يتبرأ الشاهد من كتلة الائتلاف الوطني ومن انتخابات 2019 وأن يقدم في ذلك ضمانات تمنعه أخلاقيا من الترشح. الأقرب للصحة والمنطق أن يواصل الشاهد سكوته ربحا للوقت لكن بيان حركة النهضة يوحي بتحركات كثيفة تنهي الموضوع في أقصر وقت ممكن عبر التوافق على حكومة توافقية لن يكون الشاهد رئيسها بالضرورة. «أغراض انتخابية» قال رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني الاثنين الماضي، إنّ هناك من يدفع رئيس الحكومة يوسف الشاهد لاستغلال موقعه لأغراض انتخابية في 2019. وأضاف الهاروني، خلال حوار مع إذاعة جوهرة أف أم، ‹›على الشاهد أن يقوم بالتحوير الوزاري الضروري وأن يحدد تاريخ انسحابه من رئاسة الحكومة إذا أراد الترشح للانتخابات القادمة››. واعتبر أنّ «للشاهد الحق في الترشح كأي مواطن تونسي، إلا أنّه تفاديا لأي لبس أو خلط بين العمل الحكومي والاستحقاقات القادمة، فإنه من الأفضل له أن يترك منصبه قبل الانتخابات».