الكل يعلم أن الحبيب بورقيبة كان رفقة عدد من نظرائه الأفارقة والآسيويين وهم السنغالي ليوبولد سنغور والنيجري حماني ديوري والكمبودي نوردوم سيهانوك أحد مؤسسي الفرنكفونية الدولية وذلك في أواخر ستينات القرن الماضي في وقت لم تكن تؤمن به فرنسا ذاتها بأهمية هذه الحركة التي في اساسها ثقافية تقوم على اعتبار لغة موليار نافذة هذه الدول وتلك الشبيهة بها ووسيلتها نحوالعلم والتكنولوجيا والحداثة. ونحن على مشارف نصف قرن منذ إحداث أول مؤسسات هذه الحركة أرادت الدول والمجموعات المنضوية في المنظمة العالمية للفرنكفونية أن تعبر عن تقديرها لتونس ولزعيمها الراحل من خلال تنظيم قمة سنة 2020 قمة الخمسينية في تونس وهوحدث هام باعتبار أن المنظمة تضم حاليا ما لا يقل عن 84 دولة أومجموعة ثقافية في القارات الخمس تضم ما يقارب مليار من البشر. ولئن لعبت تونس دورا اساسيا في هذه المجموعة بشهادة الدول المشاركة فيها فقد بقيت مساهمتنا في اشغالها محتشمة وذلك ناجم عن نظرة فيها كثير من التناقض بين واقع تعاملنا مع اللغة الفرنسية التي تدرس لكل الاطفال منذ نعومة أظفارهم وتعتبر الوسيلة المتميزة للحصول على العلوم المتقدمة والتقنيات الحديثة في حين ان عددا كبيرا من نخبنا يعدها لغة المستعمر وينظر لنا نظرة دونية بل ويعمل أحيانا على مقاومة التيار الفرنكفوني المناقض حسب إدعائه للسيادة الوطنية. وقد أثر ذلك في تعاملنا مع المنظمة العالمية للفرنكفونية التي لم نتول في مؤسساتها إلا أدوارا ثانوية في حين أن كل شيء يؤهل بلادنا أن تحصل فيها على مسؤوليات اساسية. فهل يعقل مثلا أن لا نجد أي تونسي قد شغل مسؤولية اولى في هذه المنظمة على مدى الخمسين سنة الماضية في حين ان مصر التي لا تعد إلا عددا قليلا من الفرنكفونيين تولت الامانة العامة في شخص المرحوم بطرس غالي الذي سلم المشعل من بعده إلى الرئيس السنغالي السابق عبدوضيوف قبل ان يقع الاختيار على الحاكمة العامة السابقة لكندا ذات الاصول الهايتية السيدة ميكائيل جان التي تتولى هذه المسؤولية منذ أول جانفي 2015. اقول هذا الكلام في الوقت الذي تستعد فيه المنظمة العالمية للفرنكفونية لعقد مؤتمرها السابع عشر في عاصمة جمهورية أرمينيا إيريفان يومي 11 و12 اكتوبر القادم والتي سيتم فيها إما تجديد العهدة للأمينة العامة الحالية أوانتخاب مسؤول أول –أومسؤولة اولى- على راس المنظمة وهنا يكمن مربط الفرس إذ يبدوان هناك حملة من الدول الإفريقية بمساندة واضحة من الرئاسة الفرنسية لإنهاء مهام السيدة ميكائيل جان واختيار شخصية إفريقية لتعويضها و كان هناك شبه توافق إفريقي فرنسي على أن تتولى وزيرة خارجية جمهورية رواندا الحالية لويز ميشيكيوابوLouise Mushikiwabo هذه المسؤولية المرموقة. الوزيرة الرواندية كانت في تونس خلال الأيام الماضية في إطار حملتها للتعريف بترشحها لدى الدول الأعضاء ولعل اختيارها تونس لتكون في طليعة الدول التي تعرض فيها مؤهلاتها للحصول على هذا المنصب يؤكد المكانة الخاصة لبلادنا في هذه المنظمة الدولية خاصة وهي تستعد لاحتضان قمة عام 2020. بطبيعة الحال كبلد إفريقي عضوفي الاتحاد القاري لا يمكن لبلادنا إلا أن يسجل هذا الترشح لا سيما وان الوزيرة الرواندية لها كل الكفاءة والخبرة ما يؤهلها لتولي هذه المهام كما قال وزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوي لما استقبلها في مكتبه ولكن في نفس الوقت نحن نرتبط بعلاقات وثيقة مع كندا مما يجعلنا نتفهم إرادة الامينة العامة الحالية في الحصول على عهدة ثانية إذا كانت تلك رغبتها ورغبة بلدها ولعل ضرورات تامين ادنى ظروف الاستقرار في منظمة كبرى مثل المنظمة الدولية للفرنكفونية يدعوإلى مساندة الخيار الثاني وعلى اية حال فإن بلادنا مدعوة إلى دعم كل توافق يتم حول الشخصية الاولى في المنظمة بل هي مدعوة للإسهام في كل الجهود الضرورية في هذا الاتجاه خاصة في افق توليها رئاسة المنظمة سنة 2020. إلى حد الآن بقيت طموحات تونس متواضعة تجاه هذه المنظمة وأظن ان الوقت قد حان لنكون فاعلين أكثر فيها وأن لا ندخر جهدا في سبيل السعي نحوترشيح شخصية تونسية تتولى الامانة العامة خاصة وأننا نتوفر من بين الدبلوماسيين اوالمفكرين والمثقفين رجالا ونساء على من له كل المؤهلات والكفاءة والخبرة ليرتقي إلى هذا المنصب السامي وقد تكون القمة القادمة سنة 2020 فرصة متميزة للتعبير عن هذه الرغبة لدى رؤساء الدول والحكومات الذي سيقدمون إلى تونس ولا اظن إلا أنهم سيدعمون أول مرشح تونسي لهذه المهمة السامية تقديرا لبورقيبة وعرفانا بالجميل نحوه كأحد بناة الحركة الفرنكفونية العالمية. ادرك جيدا أن مثل هذا الكلام لن يرضي بعض نخبنا ذات التوجه العروبي القومي ولكنهم مخطئون في تقديرهم لان العمل على تولي مكانة في الثقافة والعلوم باللغة الفرنسية لا يعني انسلاخا عن الهوية الوطنية ولا ابتعادا عن الجذور العميقة للأمة التونسية بل هوتأكيد للقدرة الخاصة لهذا البلد الصغير على استيعاب مختلف الروافد الحضارية ودمجها في إطار واحد يمثل الخصوصية والإبداع والتفرد التونسي.