مرّة أخرى تتّجه كل الأنظار صوب قرطاج ونحو رئيس الجمهورية باجي قائد السبسي تحديدا بعد التطورات الحاصلة على الساحة السياسية الوطنية، والتي زادت بتعقداتها والتفاعلات المتباينة التي أثارتها وتثيرها من حيرة وقلق وخوف التونسيين. التونسيون متعلقون بصورة رئيسهم رغم واقع صلاحياته المحدودة، لأنهم يرون فيه امتدادا لتاريخ بناء الدولة الحديثة وأحد وجوهها باعتباره صاحب الزعيم الراحل بورقيبة لمدة ثلاثين سنة، ولأنهم يلتمسون فيه العقل والعقلانية، ولأنهم عهدوا فيه التزاما بمفهوم الدولة، ولأنهم أخيرا، انتخبوه انتخابا عاما مباشرا وأعطوه الشرعية الشعبية وحمّلوه الأمانة. تتجه أنظار التونسيين إلى الرئيس قائد السبسي لأنهم ملّوا الإحباط ويريدون أن يروا الغد الأفضل الذي بشّرت به ثورة الكرامة، و يتمتعوا هم وأُسرهم، بمستويات معيشية طيبة. التونسيون يريدون أن يعيشوا في ظل نظام سياسي تُحترم فيه قوانين اللعبة السياسية والمنافسة الشريفة من أجل الصالح العام، لا في نظام تستخدم فيه كل الألاعيب والخدع والحيل من أجل إشباع حب الذات وإرضاء بعض الغرور. التونسيون سئموا هذه المهزلة المؤلمة التي لا تريد أن تنتهي فصولها والتي أصبحت تهدد سلامة وأمن ووحدة البلاد بعد أن اتّسعت «منطقة اللعب» كما يقول رجال المسرح، لتشمل منظمات في ثقل ووزن الاتحاد العام التونسي للشغل، وما يمثل ذلك من مخاطر حقيقية وانزلاق ومصادمات لا تزال الذاكرة الوطنية، وليس بالعهد من قدم، تحتفظ ببعض آثارها الأليمة. التونسيون يلتفتون إلى الرئيس قائد السبسي لأنه الوحيد القادر على إنهاء حالة التوتّر والتردي المتواصلين منذ ما يزيد عن نصف السنة، لما يعرفون فيه من حنكة وشعور بالمسؤولية واحترام للدولة ومؤسساتها. ولأنهم وهذا أهمّ لا يمكنهم أن ينسوا أو يتناسوا أنه يتحمل عبر نجله جزءا في ما آلت إليه الأوضاع السياسية الراهنة. الشعب التونسي يذكر الدور التاريخي الذي اضطلع به الرئيس قائد السبسي لإنقاذ البلاد حين كانت مهددة في وجودها، ولإعادتها إلى الطريق نحو استرجاع شخصيتها التونسية، ولوضعها على مدار الديمقراطية حين قبل بدخول غمار الانتخابات الكبرى من أجل التداول السلمي على السلطة. لم ينس التونسيون كل ذلك، ومن أجل ذلك، ومن أجل الحفاظ على هذا الإرث الهام، فهم يأملون أن ينهض رئيسهم لوضع حد نهائي لهذه الأوضاع المتأزّمة التي قد تعصف بأمن واستقرار البلاد. التونسيون يأملون أن يستعمل باجي قائد السبسي ما عهدوه لديه من حضور ونفوذ معنويين، وفي ذات الوقت، من إدراك الواقعية السياسية لإنهاء الخلافات وإصلاح ذات البين ودفع الجميع للانصراف إلى خدمة الشعب دون سواه. ولعل للرئيس قائد السبسي أفضلية هامة للقيام بهذه المهمة تتمثل في الدعم الحاسم الذي يوفره له التوافق مع الأستاذ راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة الذي أبدى إلى اليوم تفهما وحكمة سوف يذكرهما له التاريخ. سيادة الرئيس أمامكم فرصة لإنقاذ تونس مرة أخرى. فغدا قد يكون الأوان قد فات.