تأكد بوضوح أن الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ إعلان رئاسة الجمهورية يوم 28 ماي الماضي تعليق المشاورات في خصوص وثيقة قرطاج، تأكد أنها لا تحلّ بغير التوافق. لكن التوافق، هذا الذي ظُنّ أنه أصبح يمثّل الاستثناء التونسي بعد أن مكّن الحزبين الرئيسيين من التقارب والتحالف، أصبح اليوم موضع تساؤل بعد أن أعلنت النهضة معارضتها لإقالة يوسف الشاهد متعلّلة بحاجة البلاد الى الاستقرار وبعدم قدرتها على تحمّل تغيير جذري. بهذا الموقف لم تضع النهضة أطراف وثيقة قرطاج في موقف عجز سياسي فحسب بل إنها أحرجت رئيس الجمهورية وربما سلبت منه ورقة المناورة التي يستعملها اعتمادا على خبرته الطويلة وذكائه المعلوم لاخراج البلاد من كل مأزق حقيقي أو محتمل. ولقد نجح الرئيس السبسي في أكثر من مرّة بأسلوبه المميّز الجامع بين الحزم والمرونة أن يذلّل الصعاب ويخرج البلاد من وضعها السيء. ولا شكّ أن التاريخ سوف يذكر له أن انقاذه لتونس في وقت ظن الجميع أن موجة العنف ستجرف الجميع. اليوم تتجه أعين التونسيين الى الرئيس قائد السبسي، وقد بلغ القلق منهم مبلغه، منتظرين منه أن يتحمّل مسؤوليته ويخرج البلاد من حالة الانسداد التي تردّت فيها والتي أصبحت تنذر بأفدح الأخطار. وإن أول حق للتونسيين على رئيسهم الذي انتخبوه انتخابا حرّا ومباشرا هو أن يتكلّم ويوضح ويفسّر، ويبدّد حالة الغموض الذي تكتنف الواقع السياسي منذ ما يزيد عن الشهر وحكمت على الوضع العام بالجمود ومراوحة مكانه. ولما كانت «السياسة فن الممكن» فإننا لا نخال الرئيس قائد السبسي سينساق في اتجاه آخر غير الذي يفرضه الفهم الصحيح للواقع الذي أدّى إليه رفض النهضة لإقالة يوسف الشاهد واستحالة جمع النصاب القانوني اللازم لذلك في البرلمان. بقاء الشاهد الذي قد يكون من المفيد التذكير بأن الرئيس السبسي هو الذي اختاره وبوأه لهذا المنصب يبدو اليوم الحل الأسلم، إن لم نقل الوحيد، لعودة الوضع الى طبيعته واستئناف حركية العمل. كما أنه السبيل الأنسب حتى يستعيد كل طرف دوره الحقيقي وننتهي من ظاهرة خلط الاختصاصات التي أضرّت كثيرا بمسيرة البلاد وأدخلتها في دوّامة المزايدات السياسوية الفارغة. لقد أثبت قائد السبسي أنه يتمتع بخصال رجل الدولة الذي يعرف كيف يتخطى الحواجز الظرفية ويتجاوز الخلافات الحزبية ويسمو فوق الاعتبارات الذاتية ويضع مصلحة تونس فوق كل المصالح الأخرى. ومصلحة تونس في استئناف الأطراف للحوار واثباتهم لوعيهم بدقة المرحلة واستعدادهم لنكران الذات والتضحية من أجل تونس. سيادة الرئيس الشعب يريد أن يسمعكم.