تونس الشروق، تحقيق : ابتسام جمال، صور : طارق سلتان : «البلفيدير» أكسيجين التونسي ورئة العاصمة بلا مبالغة. فهي مقصد العائلات للترفيه والهرب من اختناق العاصمة والاستمتاع مع الأطفال بالخضرة. لكن رغم قيمتها، تبدو التهديدات تترصدها. جولة في «البلفيدير» كشفت تكرر مشهد انتشار زوار الحديقة فمنهم «وحيد» متأمل، هارب من ضغط يومه، وعشاق التقوا وسط الخضرة، نظرا الى بساطة الإمكانيات المادية أو حبا في الطبيعة، فيما تنتشر العائلات فوق الأعشاب. ويستمتع الأطفال بمشاهدة «أصدقائهم» الحيوانات. وللأمانة بدت الحديقة على قدر من النظافة والعناية رغم ملامح «التشيخ» ونقص الحيوانات. تساءلت كوثر موظفة، عن الفيل وأسباب نقص الحيوانات:» ابنتي تسألني بإلحاح أمي أين الفيل والزرافة؟»، وهو ما أكدته زها ناشي (مستشارة بلدية) التي أشارت إلى النظافة الجزئية للمكان لكن قدم بعض المنشآت ونقص الحيوانات. وكان هناك زوار من ليبيا منهم محمد علي الأسود –مهندس- وعبد المهيمن محمد-موظف- وصرحا بأنهما يأملان في العودة الى البلفيدير لبريقها فهي مزار الليبيين أيضا. وتحدثا عن غياب بعض الحيوانات. ورغم الثروات الحيوانية والنباتية، كان الواضح أن الحديقة في حاجة الى العناية والتجديد. فهل تحرك أصحاب المناصب والكراسي للحفاظ على رئة العاصمة ؟ أشغال البلفدير للتحسين أثارت أشغال الطريق المقابلة للشيراتون، تساؤلات المارة وإن كانت ستمس «البلفيدير». وحول هذه النقطة تحدث مدير المنتزهات والحدائق ببلدية تونس عادل بالطيب، قائلا إنه لا يمكن تغيير أي جزء من الحديقة أو المس بها لا سيما مع تغير صبغتها القانونية. وتندرج الأشغال في السور وغيره ضمن أشغال التجديد وإعادة التهيئة. لكنه لم ينف في المقابل أن وزارة التجهيز في مخططها السابق سنة 1970 كانت تنوي وضع طريق يشق الحديقة نحو شارع الولاياتالمتحدة. وقد تصدت جمعية أحباء البلفيدير وبلدية تونس للموضوع. ووقعت مراجعة مثال التهيئة والاقتصار على أشغال بين نوتردام والطريق «اكس» وتمديد المقطع على مستوى الشيراتون. وهو جزء لا يندرج ضمن الحدود. وذكر أن مجلة الجامعات الجديدة وضعت صلاحيات كبرى ببلدية ستمكنها من إعادة الروح الى البلفيدير. تهديدات وحماية لعل ما تتمتع به البلفيدير من خصوصيات فريدة على المستوى الإفريقي، لا سيما من حيث القيمة التاريخية والمعمارية، هو ما جعل الأنظار تتجه إليها. فكانت هناك محاولات لتحويل جزء منها إلى فضاءات خاصة، لا سيما من عائلة الطرابلسية. وقد تكون الثورة أنقذتها باعتبار أن مجلسا بلديا كان سينعقد تلك الأيام. وهو ما ذكره السيد عادل مشيرا إلى دور جمعية أحباء البلفيدير في دفع البلدية نحو حماية هذا الفضاء نهائيا من خلال تصنيفه. وتبنت دراسة أفرزت مشروعا ضخما وأشغالا تعيد الى البلفيدير إشعاعه. وتم رصد ميزانية ساهمت فيها وزارة البيئة تقدر ب 15 مليارا إلى 2020. وقال رئيس الجمعية بوبكر عومان : «حماية البلفيدير هي هدف إنشاء الجمعية منذ 30سنة في مارس 1989. لقد سعينا الى تصنيفها لضمان حمايتها قانونيا. وتم الاتفاق على أن تتحول إلى موقع تراثي حسب مجلة التراث في فصلها الثاني والملف عند وزارة الثقافة وقد قبلت اللجنة مبدأ التصنيف». ومن التهديدات الأخرى حسب محدثنا البناء العشوائي وبالآجر لا سيما جهة الجبل الاحمر، رغم أن أعضاء الجمعية يبلغون عن البناء الفوضوي وتهديدات بيئية جراء الأوساخ التي يتركها المواطن الذي يجب تحسيسه وتوعيته. كما يشتكي الرواد من نقص الأمن لا سيما في بعض الأركان التي تحولت إلى مرتع للمنحرفين، وشرب الخمر ليلا. وتشكل حركة المرور مصدرا للتلوث الهوائي والسمعي. واقترح يوما دون سيارات. وأضاف :»لا ننفي أن هناك الكثير من الأطراف حاولت الاستيلاء على أجزاء من الحديقة، لكن اليوم هناك ضمير شعبي، فلا نتصور العاصمة دون «بلفيدير». نحن نسعى لحمايتها، وتساعدنا في ذلك علاقة الثقة والشراكة مع البلديات المتعاقبة». وأشار إلى أنها تلعب دورا تاريخيا وبيئيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا. حسب السيدان عادل وبوبكر، حسب الدراسة سيعاد إحياء المنبت القديم (يعود إلى1890). ويمكن للزائر ملاحظة كيفية تكاثر النباتات والمشاتل التي تعمل على تعويض ما يموت أو يتلف في الحديقة. كما سيتم تنشيط المكتبة ليزورها تلاميذ المدارس الابتدائية. وتم إمضاء اتفاقية بين وزير التربية حاتم بن سالم وبلدية تونس لتنشيط الحديقة وجعلها فضاءا تربويا ثقافيا بيئيا. كما تضع الجمعية أنشطة على مدار السنة وأخرى مناسباتية. وسيتم تخصيص فضاء للعائلات التي تريد السهر، ولكن هذه المشاريع في حاجة إلى «الأمن». حديقة الحيوانات لم ينف مدير حديقة الحيوانات الدكتور عمر النيفر نقص الإمكانيات لا سيما البشرية منها، فعدد الأعوان أقل من نصف الاحتياجات. ولكنهم يضاعفون مجهودهم. وقال إنه تم الشروع بالإمكانيات القليلة في أشغال الصيانة مثل تهيئة حوض الخنازير الذي كان يمثل نقطة سوداء ليكون جاهزا آخر الشهر. وهناك مشاريع أخرى جديدة في طور الإنجاز مثل تهيئة وتوسعة حوض القردة وهي من الفصائل التي نجحت الحديقة في تكاثرها. وهناك 3 مشاريع أخرى كبرى وهي فضاء كبير للأسود. وتوسعة لمجموعة القردة. وتوسعة الأقفاص التي تعد من النقاط السلبية الأخرى، وفضاء للنمور. أما فيما يتعلق بقضية الفيل، الذي وصفه بالمطلب الشعبي فأشار إلى تكلفته الكبيرة وإلى تطلبه مساحة واسعة، ويتم العمل على جلبه هو وأنثاه، رغم إشكاليات النقل وتكلفتها فهو يحتاج طائرة خاصة. وذكر أنه في العهد السابق كان سيتم جلبه ثم حصلت الأحداث. أما اليوم ورغم تخصيص الميزانية يجب إيجاد الفيل حسب المقاييس. وفيما يتعلق بالأحواض المائية وعددها 7، فيتم تفريغها أسبوعيا وتنظيفها لكن لا بد من وعي المواطن المتسبب في اتساخها. وتمسح حديقة الحيوانات12 هكتارا 45 بالمائة منها مساحات خضراء، وتحتوي 150 فصيلة من الحيوانات يمثلون ألف و100 حيوان، يشرف عليها بيطريان. سعاد عبد الرحيم (شيخة مدينة تونس) نسعى الى استعادة البلفيدير لبريقها هناك دراسة كاملة تم عرضها في البلدية والمصادقة عليها. وقد تم رصد ميزانية واعتمادات كبرى لإعادة تهيئتها من الداخل والخارج. وسيتم العمل عليها من المجلس البلدي إثر المصادقة عليها. وقد تم تشكيل لجنة لهذا الملف. فتدخلنا أولا على مستوى السور للقيام بالإصلاحات. كما تم جلب نمر جديد وحيوانات جديدة الى الحديقة. لقد لاحظنا وجود نقائص وإشكاليات تعاني منها حديقة البلفيدير. وهو ما جعل من تثمين الحديقة إحدى نقاط حملتنا الانتخابية البلدية. وهو ما سنعمل على الإيفاء به وتطبيقه. فهي متنفس المتساكنين في العاصمة ووجهة زوارها. لذا سنعمل على إعادة تهيئتها كي يكون لها بريق وإشعاع. وعموما برنامج التهيئة موجود. وضبطنا نقاط التدخل، من المدخل إلى آخر نقطة. وهناك برنامج وطني رصد اعتمادات للغرض وصادقنا عليه. والبلفيدير هو متنفس للمواطن. وليس فقط مشروع بلدية تونس التي تمتلك الفضاء.