المتابع للمسار السياسي في العراق بعد عام ونصف من الغزو يقف على حقيقة ثابتة وهي ان المقاومة بما هي رد فعل طبيعي على الاحتلال تمثل عنصرا اساسيا في المعادلة السياسية العراقية وأنه بالمقابل لا مكان لمن باع العراق تحت أي مسمّى من المسميات او اية ذريعة من الذرائع لأن «العراق الحر» الذي يريده العراقيون لا تؤسسه القوات الغازية ولا الجهات المتعاونة معها مهما اوهمت العالم بسعيها في ذلك وإنما تعود مهمة تأسيس «العراق الحر» بحق الى القوى المناضلة التي تنشد التحرر وترمي الى تخليص البلد من المحتلين وعملائهم. ومن هذا المنطلق جاءت دعوة فرنسا التي عارضت شن الحرب على العراق الى اشراك المقاومة في اي مؤتمر دولي او اقليمي محتمل حول مستقبل العراق السياسي. وتكشف الدعوة الفرنسية نجاح المقاومة العراقية في انتزاع اعتراف العالم بها كقوّة لا غنى عنها في رسم مستقبل العراق لعدّة اعتبارات، أهمها ان المقاومة شعبية، وهي تشمل تيارات وانتماءات وتوجّهات مختلفة تعبّر بالضرورة عن رغبة الشعب العراقي او شق كبير منه على الاقل في طرد المحتل. والمقاومة التي وصفها المتحدث الاعلامي باسم هيئة علماء المسلمين السنة في العراق الشيخ مثنى حارث الضاري بأنها الاسرع من بين حركات التحرر في العالم حيث بدأت نشاطها بعد أيام فقط من الغزو حققت بذلك مكاسب سياسية واعلامية وصارت مادّة لاستطلاعات الرأي والدراسات التي اكّدت ان ما لا يقل عن 60 فصيلا مسلحا ينشط في مختلف انحاء العراق. والمقاومة التي اكتسبت صفة الشعبية والشرعية تمثل الصيغة الاكثر ديمقراطية بالمعنى التطبيقي للكلمة في رسم مستقبل العراق السياسي، فهي تضم البعثيين والقوميين والاسلاميين والعلمانيين وتضم السنّة والشيعة والعرب والاكراد والتركمان، فأين هي الديمقراطية الامريكية الموعودة من الديمقراطية الحق، ديمقراطية المقاومة التي تمثل الشعب العراقي بتركيبته المعقّدة، بفئاته المتعددة وطوائفه المختلفة. والمقاومة العراقية التي أصبحت «تتحكّم» في تصريحات كبار المسؤولين في الادارة الامريكية وتجبرهم في كل مرّة على تقديم «تنازلات لفظية» لتهيئة الشعب الامريكي لتقبّل الهزيمة لهي أحق بالمشاركة في حكم العراق. إن كل عملية سياسية تستبعد المقاومة العراقية هي عملية فاقدة للمصداقية لأنها تسير في فلك الاحتلال وتهمّش القضية الاسمى، قضية التحرر التي تسعى اليها المقاومة أيا كانت انتماءاتها.