سعيد يكلف الحشاني بتمثيل تونس في قمة مجموعة الدول الصناعية السبع    تأجيل مباراة أنس جابر في ثمن نهائي دورة نوتنغهام للتنس    لا يدخل الجنة قاطع رحم    منها الطاعة والتضحية والتكافل ..أحكام وآداب عيد الأضحى المبارك    منبر الجمعة .. الاهتمام بحُسْنِ المنظر سُنَّة نبوية    تصل إلى 72 درجة.. الصحة السعودية تحذر الحجاج من خطر ارتفاع حرارة الأسطح بالمشاعر المقدسة    تكليف ربيعة بالفقيرة بتسيير وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية    كرة اليد.. لؤي مخلوف يطلق النار على مسؤولي النجم ويوجه لهم اتهامات خطيرة    الوسلاتية.. السيطرة على حريق اندلع بجبل زغدود    اليمين المتطرّف يجتاح أوروبا.. أي تأثير على تونس ؟    يوميات المقاومة..المقاومة تضيّق الخناق على الغزاة    بعد أكثر من 20 ساعة: السيطرة على حريق مصفاة نفط في شمال العراق    الصحة السعودية تحذر الحجاج من أخطار التعرض لارتفاع حرارة الأسطح بالمشاعر المقدسة    فظيع في منوبة.. الاحتفاظ بصاحب " كُتّاب " عشوائي لشبهة الاعتداء الجنسي على طفلة    سهلول.. حجز أكثر من 450 مليونا من العملتين التونسية والأجنبية وكمية هامة من الذهب    أردوغان يدعو الولايات المتحدة ومجلس الأمن إلى الضغط على دولة الاحتلال بشأن هدنة غزة    تونس توقع مذكرة تفاهم مع الاتحاد الاوروبي لتعزيز امكانيات الاستثمار في الطاقات المتجددة    الكاف: تقدّم هام في مشروع تعبيد الطريق المؤدية الى مائدة يوغرطة الأثرية وتوقعات بإتمامه خلال شهر جويلية القادم    رهانات الصناعات الثقافية والإبداعية في الفضاء الفرنكفوني وتحدياتها المستقبلية محور مائدة مستديرة    كتاب.. لاهوت التعدّدية الدّينية ل عزالدّين عناية    الرابطة 1 - الترجي الرياضي على بعد نقطة من حصد اللقب والاتحاد المنستيري من اجل تاجيل الحسم للجولة الختامية    كأس أوروبا للأمم 2024: استخدام تقنية الحكم المساعد "الفار" سيكون مرفوقا بالشرح الاني للقرارات    كاس امم افريقيا المغرب 2025: سحب قرعة التصفيات يوم 4 جويلية القادم بجوهانسبورغ    165 حرفيا ومهندسا داوموا على مدى 10 أشهر لحياكة وتطريز كسوة الكعبة المشرفة    محافظ البنك المركزي: السياسة النقدية المتبعة ستسمح بالتقليص من معدل التضخم    تونس تسجل ارتفاعا في عجز ميزان الطاقة الى 6ر1 مليون طن مكافئ نفط مع موفي افريل 2024..    وزارة التربية تتثبّت من معطيات الأساتذة النواب خلال الفترة من 2008 الى 2023    الشركة الجهوية للنقل بنابل تتسلم 4 حافلات جديدة    تأييد قرار تمديد الاحتفاظ بمحرز الزواري ورفض الإفراج عنه    ارتفاع حركة مرور المسافرين والشاحنات التجارية في معبر الذهيبة    فيديو - منتدى تونس للاستثمار : وزيرة التجهيز تتحدث عن الإتفاقيتين المبرمتين مع البنك الاوروبي للاستثمار    المرسى: بسبب خلاف في العمل...يترصد نزوله من الحافلة ليقتله طعنا    باجة : اعتماد طائرات درون لحماية محاصيل الحبوب    مجلس وزاري يصادق على خارطة الطريق المقترحة لإطلاق خدمات الجيل الخامس    مرضى القصور الكلوي يستغيثون اثر توقف عمل مركز تصفية الدم بمستشفى نابل    تفكيك وفاق اجرامي للاتجار بالمنقولات الأثرية    رابطة المحترفين تقاضي الفيفا بسبب قرار استحداث كاس العالم للاندية 2025    توزر: الجمعية الجهوية لرعاية المسنين تحتفل باليوم العالمي للتوعية بشأن إساءة معاملة المسنين    إستعدادا لكوبا أمريكا: التعادل يحسم مواجهة البرازيل وأمريكا    البنوك تفتح شبابيكها يوم السبت    الداخلية: سقوط عون الأمن كان فجئيا    مفتي الجمهورية: "هكذا تنقسم الاضحية في العيد"    الصوناد: هذه الإجراءات التي سيتم اتّخاذها يوم العيد    الكنام تشرع في صرف مبالغ استرجاع مصاريف العلاج لفائدة المضمونين الاجتماعيين    بطولة كرة السلة: تعيينات منافسات الدور النهائي    محمد بن سلمان يعتذر عن عدم حضور قمة مجموعة السبع    الرابطة المحترفة الاولى: الجولة الختامية لمرحلة تفادي النزول    اليوم: طقس مغيم مع ظهور خلايا رعدية بعد الظهر والحرارة بين 25 و46 درجة    عاجل: تفاصيل جديدة في حادثة وفاة أمنيّ اثناء مداهمة بناية تضمّ مهاجرين أفارقة    هكذا سيكون الطقس في أول أيام عيد الأضحى    باجة: تقدم موسم حصاد الحبوب بنسبة 30 بالمائة    بعد استخدامها لإبر التنحيف.. إصابة أوبرا وينفري بمشكلة خطيرة    دواء لإعادة نمو أسنان الإنسان من جديد...و هذه التفاصيل    120 مليونا: رقم قياسي للمهجرين قسراً حول العالم    هذا ما قرره القضاء في حق رئيس حركة النهضة بالنيابة منذر الونيسي..#خبر_عاجل    «غفلة ألوان» إصدار قصصي لمنجية حيزي    صابر الرباعي يُعلّق على حادثة صفع عمرو دياب لمعجب    شيرين تصدم متابعيها بقصة حبّ جديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقاومة في العراق: الواقع والآفاق
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005


انه الشتاء يا وطني
لماذا ترتجف؟ أبارد انت أم..
خائف يا وطني
قسما بزغردة الصبايا في البوادي
قسما بضحكة أطفال البراري
سندثّرك بأرواحنا
ويرفع آخرنا الرايهْ
فلا تحزن فما هذه الا بدايهْ
صلاح الدين قادم على جوادهْ
فارفع رأسك عاليا يا وطني
وانتظر الشهادة
ما أمرّ ان تشعر بالغبن والمهانة وانت ترى اللص يحتل بيتا كان قبل لحظات وصوله جنّتك الارضية... ملتقى احبتك... ملاذك الوحيد الآمن... موطن ذكرياتك وباعث فخرك واعتزازك... ما ابشع ان تغتصب امك امامك، وتجبر على متابعة كامل اطوار العملية الوقحة بجزئياتها المختلفة بأعين لا تقدر على اغلاقها او الهرب بها الى مكان آخر... ما أقرف ان تغتصب امك ويُطلب منك ان تبرز مظاهر فرحك وغبطتك كإشادة منك بعبقرية التنفيذ وجمالية الاخراج.
تفقد اللغة سلطانها... تعجز الكلمات عن ترجمة بعض ما اختمر من مشاعر الإذلال والهوان لدى كل عربي شريف وهو يشاهد صاغرا رمبو الامريكي يضاجع فرات بابل... وعراق سومر وبغداد الرشيد. ولن ترحل هذه المشاعر عن احرار العرب الا برحيل آخر جندي اجنبي عن كربلاء الحسين وتكريت صلاح الدين وعن كل شبر من تراب عراقنا المجيد... ولأن بوادر التحرر من الاخطبوط الصهيو أمريكي المجرم بدأت تلوح في الأفق من جرّاء تتالي نجاحات المقاومة في العراق . سنحاول في هذه المقالة فهم واقع المقاومة في العراق لنرصد انطلاقا من ذلك آفاق تحقيق الأمل العربي المتمثل في استعادة العراق لمناعته وسيادته.
المقاومة في العراق لماذا؟
كيف نكون موضوعيين؟
هل نكون موضوعيين عندما نصف المقاومة العراقية بأنها حركة تحرير وطنية؟
ام الموضوعية تقتضي ان نساير رئيس الولايات المتحدة الامريكية في وصفه لرجال المقاومة بأنهم عصابة من القتلة؟ (وكالات الأبناء عند تغطيتها لزيارة بوش الى العراق).
نحن لسنا في حيرة من امرنا لأننا ببساطة لا نؤمن بالحياد في مثل هذه المواضيع ولتذهب الموضوعية الى الجحيم!!!
لتذهب الموضوعية الى الجحيم ان كانت ستجعلني اتبنى ثقافة رمبو هذا الذي دكت دبابته اسوار منزلي ليبشرني بأنه حمل اليّ الديمقراطية. ديمقراطية امبراطورية لا يكفي ان تنقلب لديها القيم رأسا على العقب بل تريد ان تفرض هذه التصوّرات على العالم اجمع:
بالامس القريب، تصف امريكا المقاومة في فلسطين بالارهاب وتطالب الشعب الفلسطيني بعزل رئىسه ياسر عرفات حتى يتمكن الكيان الصهيوني من تنصيب «قرضاي» فلسطيني يمكن بفضله من تسريع عملية الاستحواذ النهائي على ما تبقى من ارض فلسطين وهي تتجاهل ان الشعب الفلسطيني هو من اختار في عملية انتخابية حرة وتحت اشراف الامم المتحدة ياسر عرفات رئيسا له.
بالامس القريب تؤلف امريكا تحالفا دوليا لمهاجمة دولة مستقلة وذات سيادة ذات إرث حضاري يمتمد الى اكثر من 3000ق.م لمجرد الشك في امتلاكه للسلاح الكيمياوي وتفضل ان تغضّ النظر على من يملك ترسانة نووية.
الموضوعية في عرف امريكا ومن ولاها الإقرار ان العراق اشدّ خطرا على العالم من الكيان الصهيوني.
واليوم عندما يهبّ احرار العراق في مقاومة تهدف الى تحريره من القبضة الامريكية الاستعمارية ينعتون بأنهم قتلة. لقد صوّر لها جهلها بتاريخ الشعوب لافتقارها الى موروث حضاري، كما زيّن لها منطقها الاستعماري واستكبارها العالمي ان الشعب العراقي سيرمي الورود تحت ارجل الغزاة وستزغرد صبايا بغداد عند دخول الاحتلال لو قرأت امريكا التاريخ لعلمت ان ظهور المقاومة هو الردّ الطبيعي عن وجود المحتل فالاحتلال كل احتلال وبحكم اساليب القهر التي يمارسها ليخضع البلاد واهلها الى مشيئته يدفع اصحاب الارض الى التمرد والثورة إما:
بدافع ديني والمقاومة بالنسبة الى العرب والمسلمين هي استجابة للنداء الإلهي الواجب لفريضة الجهاد عند احتلال ارض الاسلام ويكون أنذاك الجهاد فرض عين على كل المسلمين وعند كل احتلال لارض الاسلام رأينا المسلمين يتسابقون لنيل احدى الحسنتين: النصر او الشهادة.
او بدافع نفسي ذلك ان الانتماء الى رقعة جغرافية معينة يولد جملة من القيم تربط بين الذات والمكان فتحرير المكان هو تحرير للذات وقيمها.
او بدافع ايديولوجي حيث يشعر الفرد عند استعمار وطنه بأنه فقد ثوابته الفكرية فيندفع بوعي في مقاومة العدو آملا استعادة توازنه الفكري واثباتا منه لتفوّق ايديولوجيته. ويظهر العامل الايديولوجي عندما يحمل المحتل معه بديله السياسي والفكري المناقض لصاحب الارض. وفي احتلال العراق كان البديل الوافد بديلا استحواذيا هيمنيا ازداد توحشا عندما انفرد بقيادة العالم قيادة فرعونية لا ترون الا ما ارى «انا ربكم الأعلى» (قرآن كريم) وعند المقاومة العراقية تتجمع كل هذه العناصر وينضاف اليها كون العراقيين صاروا على بيّنة من الفارق الشاسع بين ما تقوله وتدّعيه وتفعله امريكا.
ذلك ان العراقيين عايشوا الممارسات الامريكية الاجرامية اللاإنسانية عن قرب ولأكثر من عقد من الزمن حيث عاشوا:
حصارا مميتا ادى الى هلاك مئات الآلاف من ابنائهم بحكم النقص المسجل في الأدوية والتلاقيح.
شاهدوا مباشرة على ارض الواقع هذه القوة التي جاءت لتحريرهم كيف تدكّ المواقع المدنية بشتى انواع الاسلحة وأشدها فتكا ووصل بها الامر الى استعمال اليورانيوم المخصّب والشهادات الموثقة على استعمال امريكا لليورانيوم المخصّب لا تحصى ولا تعدّ وثقها خبراء عرب وأجانب.
ان العراقيين وبعد صدمة اكتشاف خلوّ العراق من الامن العراقي وممارساته القمعية صبيحة 9 افريل 2003 امتزجت لديهم مشاعر الغبطة بالاحساس بالحذر والخوف من المستقبل لحضور المحتل وبفضل الندوات والاجتماعات الجماهيرية التي قادتها النخبة العراقية وبداية ظهور ممارسات المحتل الامريكي القامعة للشعب العراقي أفاق العراقيون من اندهاشهم وبدأت تتسرب الى احاديثهم اليومية مصطلحات المقاومة الاحتلال وبدأ الحديث يتوسع يوما بعد يوم عن تعرض دبابات العدوّ ومنشآته الى التخريب وشيئا فشيئا تحولت القطرات الى جداول والجداول الى نهر من المقاومة التي قد تجرف المحتل وتلقي به خارج العراق (للإلمام الجيد بالتحوّل السريع لدى العراقيين من الاندهاش الى المقاومة يمكن الاستفادة مما كتبه صلاح عمر العلي الوزير السابق في الاعلام وعضو مجلس الثورة الحاكم وممثل العراق في الامم المتحدة والمعارض في المنفى عند عودته الى العراق (القدس العربي أعداد 451645174518 نوفمبر 2003).
نحن لا نتصوّر ان هناك عراقيا واحدا لا يقاوم المحتل ولو بالقلب وهو اضعف الإيمان ومن البديهي ان نستثني وكلاء الاستعمار وأذنابه لأنهم خارج دائرة الانسانية. هؤلاء إما:
لم يفرقوا بين الحق الانساني في النقد والاختلاف وحتى مقاومة السلطة وبين التآمر على الوطن واستقلاله.
او انهم لم يروا في احتلال العراق سوى كونه فرصة استثمارية يجب اغتنامها للحصول على مكتسبات معنوية: جاه مزيّف ومؤقت واخرى مادية (فتات مائدة المحتل).
نحن بقدر ما نحترم ذوي الضمائر الصادقة وبقطع النظر عن انتماءاتهم الطائفية وأفكارهم السياسية الذين ترفعوا عن كل انتهازية رغم معارضتهم للنظام السابق فلم يضعوا انفسهم في خدمة المستعمر بالقدر نفسه ندين وبشدة كل الذين تورّطوا في العمالة فالعراق بلد حمورابي وصلاح الدين الأيوبي وصاحب الحضارات المتعاقبة بدءا من السومرية مرورا بالبابلية وصولا الى الاسلامية.
فالعراق بلد الحضارات لا يمكن ان يكون اسيرا لدى ربمو الامريكي ولا تمثل فئة العملاء غير طحالب في محيط سكاني يفوق 25 مليون نسمة.
المقاومة في العراق من تكون؟
يرجع «برايمر» في مختلف تصريحاته المقاومة في العراق الى اتباع صدام هذا الرجل في اعتقادنا ومهما كانت مواقفك منه عليك ان تحترم فيه وطنيته الشديدة : ألم تعرض أمريكا وبصورة صريحة على صدام حسين وكبار القياديين في حكومته وعائلاتهم المغادرة الى المنفى وبدون تتبعات فما كان رده الا ان قال «ولدت وسأموت في العراق. سنموت هنا. سنموت في هذا البلد وسنصون شرفنا.
ألم يكن بوسعه ان يغادر العراق؟
ألم يكن بإمكانه ان يهرّب أبناءه عديّ وقصيّ خارج العراق؟
لكنه لم يفعل.. ولم يفعلا بل على عكس بعض القادة العسكريين الذين سلموا أنفسهم للمحتل طلبا للنجاة وتنكرا للوطن خيرا الاستشهاد على حياة الذل.
كما تتوافر أنباء موثوقة حول شراسة المقاومة السنية للعشائر في سامراء وكركوك والموصل ومهما كان انتماء الافراد المنضمون تحت جناح المقاومة والذين شكّلوا الجبهة الوطنية لتحرير العراق فإن الشعب العربي مدعو الى عدم الانسياق وراء حملات الاعلام المغرضة التي تريد أن تبين وكأن العراق صار قاعدة للقاعدة لتخوّف الرأي العام العالمي من الاعتراف بشرعية المقاومة ونحن نعلم ان كل الثورات العادلة تشهد انضمام أحرار من جنسيات مختلفة. إن أروع ما في المقاومة في العراق احتواؤها على خليط من الاجناس والفئات وقد أكد المنسق السياسي للمقاوملة انها تضم أفرادا من حزب البعث ومن الناصريين من الجيش والحرس والمدرسين وعديد الفنانين والرياضيين والفلاحين اضافة الى شريحة واسعة من الشيعة والسنة والاكراد والعرب (الشروق 22/11/2003) ليكتمل لدينا المشهد لابد من ملامسة وفهم مواقف الشيعة.
الشيعة بين الحل الديمقراطي والثورة
يبدو الارتباك واضحا في تعامل الشيعة مع الاحتلال الامريكي للعراق لأن الجسم الشيعي تتجاذبه تصورات متناقضة لعدد من قيادييه في كيفية التعامل مع الاحتلال الامريكي.
البعض الآخر لا يريد أن يكون سباقا في التصادم مع المحتل الامريكي ويسعى الى الحصول على مكتسبات محلية في ساحة كان مقصا منها سياسيا مترصدا اخطاء المحتل ليبدو بمظهر الضحية. هذه الصورة تمكنه من انجذاب الجماهير العراقية الى صفوفه وتظهره لدى الرأي العام العالمي بأنه في حالة دفاع عن نفسه وبين هذا وذاك تنتظر الشيعة مآل «المواجهة النووية» بين أمريكا وايران ولكل حادثة عندهم حديث.
بين كل هذه التناقضات ظهر المرجعية الشيعية الامام السيستاني وهو يطالب بالرجوع الى الشعب في انتخابات عامة لتشكيل الحكومة العراقية قد رسم ببراعة وحكمة خط السير الواجب اتباعه من طرف الشيعة خصوصا وهو يتمتع بشعبية عارمة أما :
نتائج ملموسة واما مواجهة.
وقد بدا لنا الامام السيستاني يهدف الى :
الظهور بمظهر من يدافع عن أحقية الشعب العراقي في اختيار قياداته، وهو بذلك يستفيد من اجراء أهمله حزب البعث سابقا.
دفع المحتل الامريكي في زاوية ضيقة قد تنزع عنه اخر أوراق التوت امام العراقيين وأمام الرأي العام العالمي لأن المحتل الامريكي يؤكد أنه جاء لاحلال الديمقراطية.
حشر مجلس الحكم المحلي في زاوية حادة اما سيتعرى أمام الشعب العراقي ان أنكر عليهم حق الانتخاب العام وإما سيزداد اصطفافا وراء أطروحات المحتل الامريكي.
هل سيوظف الامام السيستاني شعبيته الواسعة ومفهوم الامامة لدى الشيعة حيث ينصاع المؤمن الشيعي لما يقرره الامام ويبدي مطلق الولاء له لإيصال الشيعة الى الحكم عن طريق الانتخاب العام؟
أم سيقود الامام السيستاني الثورة الشيعية في العراق كما قاد آية الله الخميني الثورة في ايران في سنة 78؟
هل تعتمد الشيعة أسلوب التحركات الجماهيرية الشارعية متخذة من الاضرابات العامة والقطيعة التامة بين السكان والمحتل ام تنزع الى المقاومة المسلحة العامة للمساهمة في اخراج المحتل؟
وعندها أو قبلها او حتى بعدها هل نرى تحالفا بين مختلف القوى المناضلة في العراق؟ أم ستكتفي كل واحدة بأسلوب مقاومتها حتى الحصول على الاستقلال؟
بوعي لم نضع سيناريو التقاتل بين القوى المناضلة وبين السنة والشيعة تحديدا فهذا السيناريو البشع والذي يدفع اليه المحتل الامريكي وان كنا نرفضه فاننا نعتقد ان عقلاء الطرفين لن يسمحا ان يتحول العراق الى مستنقع رديء بينما اللص يرتع في الاعراض.
رهانات الجبهة الوطنية لتحرير العراق
تستفيد الشيعة من نقاء ماضيها تجاه الشعب العراقي والجبهة الوطنية لتحرير العراق تستفيد من تعدد الاعراق داخلها وتغنم من الطابع الاسلامي الذي وشح به صدام حسين خطاباته منذ 91 . هل يفضي هذا التقارب الى تحالف نضالي بين الشق القومي والاسلامي؟
سنتجاوز الاجابة عن هذا السؤال لطرح الاسئلة المفاتيح:
هل اعمال المقاومة في العراق مجرد ردود افعال فردية؟ أم هي حركة منظمة لها استراتيجية متكاملة من تخطيط وتنفيذ وتصوّر مستقبلي لبناء عراق ما بعد الاحتلال؟
ما هي مصداقيّة الاعتقاد بأن انجازات المقاومة يمكن ان تجبر المحتلّ على الرحيل من العراق؟
ليس من التنجيم او قراءة الغيب ان يضع استراتيجيو البعث في اعتبارهم انهيار بغداد بما يفرضه ذلك من الاحتياطات لمجابهة مثل هذا السيناريو ومما يدعّم كلامنا هذا ما كتبه المفتش الامريكي السابق عن أسلحة الدمار الشامل بالعراق سكوت ريتر الذي كتب في صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» بتاريخ 10|11|2003: لقد شاركت في عمليات التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل في جوان 96 بمجمع عسكري او مهبط طائرات مهجور في منطقة أبي غريب غرب بغداد كان ذلك المكان ملكا لمنظمة تابعة للدولة تعرف ب إم 21 أو مديرية للعمليات الخاصة لجهاز المخابرات العراقية وإنني بصفتي مفتشا دوليا على الأسلحة وجدت بالفعل منظمة متخصصة في صنع واستخدام اجهزة تفجير محسّنة وهي نفس الاجهزة التي تقتل الامريكيين الان. ويضيف في مكان آخر: في سنة 97 شاهدت صفوفا لتدريب كل افراد المخابرات السرية العراقية على فنّ وصنع واستخدام اجهزة التفجير المحسّنة ليصل الى القول: «على المرء ان يتذكّر ان أكثرية القوّات الموالية للنظام وبخاصّة الوحدات العسكرية الاكثر ولاء لصدّام لم تستسلم قطّ لا إنها اختفت (الشروق 12 11 2003).
اختفت هذه الكفاءات عالية التكوين مستفيدة من معرفتها المليمترية للارض العراقية. اختفت هذه القوات صبيحة يوم 9 أفريل 2003 لتعيد تنظيم صفوفها في وحدات قليلة العدد، سريعة الحركة متبعة تكتيكا يعرف باسم عناقيد العنب فسقوط حبّات أو حتى عناقيد عنب كاملة لا يمسّ بقية العناقيد ولا يؤثر على شجرة الكروم وعطائها. إذن اعمال المقاومة في العراق ليست ردود افعال فرديّة بل هي حركة منظّمة لها استراتيجية متكاملة.
لكن ما هي نقاط ضعفها وقوّتها؟
وما هي التحديات التي تواجهها؟
هل يمكن للمقاومة العراقية افتكاك حرية العراق واستقلاله؟
مرتكزات المقاومة في العراق
ونحن نستعرض نقاط القوّة والضعف في المقاومة سنحاول مقارنتها مع ماضي حركة التحرر العربية عندما كانت تناضل من أجل الحصول على استقلال الدول العربية وبصرف النظر عن الظروف التاريخية والمعطيات العالمية المتغيرة.
في اعتقادنا تتقاطع المقاومة في العراق مع بقية حركات التحرر الوطنية في كون الاولى ورثت دولة بجهازها الاداري والحزبي والمالي والعسكري خصوصا هذه الامكانيات الرهيبة التي لم تتوفر الى حركة تحرر وطني: ظل الجهاز العسكري الى صبيحة اليوم المشؤوم 9 أفريل 2003 يثير الرعب لدى اعداء الامة العربية للدرجة الرفيعة التي وصل اليها وتحكمه في التكنولوجيا العسكرية الشديدة التعقيد. سنكتفي هنا بذكر مثال واحد يمثل المستوى المبهر الذي كان عليه الجهاز العسكري قبل 9 أفريل تمكن من انزال طائرة التجسس الامريكية الفائقة التطور الى الارض وهي سالمة. لقد استفاد هذا الجهاز من الحرب العراقية الايرانية كما استفاد من مواجهته مع التحالف الدولي سنة 91 ثم تأتي سنوات الحصار وكان على هذا الجهاز سدّ الثغرات التي تركها حظر استيراد قطع الغيار الضرورية وذلك بدفع كوادر الى استنباط حلول للمشكلات الفنية. إن كوادر الجهاز العسكري الذين خيروا الالتحاق بالمقاومة يقدمون لها جليل الخدمات منها اصابة فيلق المخابرات الاسباني. هؤلاء الكوادر وبصرف النظر على عددهم يمتلكون في اعتقادنا حسا وطنيا عاليا. ذلك انهم صمدوا في وجه الاغراءات بترك الخدمة العسكرية كما صمدوا عندما تعرضوا الى التهديد بالملاحقة القضائية من طرف المحتل الامريكي. إن رجالا بمثل هذه الكفاءات وبمثل هذه الوطنية لقادرون مع بقية احرار العراق على تحديد نتائج المواجهة والتي ستكون لفائدة الشعب العراقي ومقاومته.
لم يتوفر لحركات التحرير العربية مثل هذه الكفاءات ومع ذلك افضت مقاومتها الى الاستقلال. معطى اخر يتوفر للمقاومة في العراق هو زادها المالي فرجال المقاومة والذي كان البعض منهم يمسك بالجهاز المالي وضعوا في حساباتهم استسلام بغداد لفارق القوى. قد تكون سرعة استسلام بغداد اربكتهم بعض الشيء ولكن ليس الى الدرجة التي ينسون معها الارصدة المالية المتوفرة: العملة الصعبة خصوصا.
ما يتقاطع بين حركة المقاومة في العراق وبقية حركات التحرر العربي هو ان حماس تلك القوى العربية للحصول على الاستقلال قد غطّى كل التناقضات الفكرية والسياسية فغاب الحل الجماعي وغيّب الحل الديمقراطي. وما كادت الدول العربية تحصل على استقلالها حتى انفجرت كل التناقضات الفكرية والسياسية التي لم تنج منها دولة عربية واحدة... ويجد حزب البعث نفسه بعيدا عن السلطة أمام تحديات متعددة لعل ابرزها القيام بنقد ذاتي شامل وصارم. وهنا تبرز اسئلة ملحّة امام الباحث السياسي مع الملاحظةأن طرحها لا يدخل في باب اعطاء الدروس او التأثير في حزب البعث بل مبعثها الوحيد هو الشعور بالمسؤولية التي يطرحها المآل الذي وصل اليه العراق.
هل يطرح حزب البعث نفسه كحركة مقاومة أم كحركة للمقاومة وبأكثر وضوح.
هل سنرى حركات اخرى للمقاومة الى جانب الجبهة الوطنية لتحرير العراق؟
هل حزب البعث على استعداد نفسي خصوصا للقبول بالحل الانتخابي الذي قد يحمل الشيعة الى كرسي الحكم؟ أم سيعتبر أن العملية الانتخابية تحت الاحتلال الامريكي فاقدة للشرعية؟
وعلى المدي البعيد هل حزب البعث والبعثيون عموما على استعداد الى التحول الى حزب للمعارضة؟
هذه الاسئلة وما شابهها وان يطرحها الباحث السياسي تبقى الاجابة عنها في انتظار ان تبرز الجبهة الوطنية للعراق برنامجها السياسي.
المقاومة في العراق وآفاق النصر
للسائل أن يسأل: كيف تطرحون هذا الكم الهائل من الأسئلة وكأن المقاومة في العراق صارت على قاب قوسين او أدنى من كنس الاحتلال الامريكي؟ ألستم تضخمون كعادة العرب من حجمها. تدفعكم عاطفتكم العربية الى النفخ في المقاومة؟
ولنجيب على ذلك نقول:
نحن لا نغالط احدا بما في ذلك أنفسنا عندما نؤكّد أن المقاومة في العراق بدأت تؤثر وبشكل حاسم في القرار الاستراتيجي الامريكي فبعد ان كان الاتجاه الامريكي يتحدّث عن بقاء سنوات عدّة في العراق كما قال نائب وزير الدفاع الامريكي بول ولفوتيز:
«إننا من المحتمل ان نبقى في العراق لمدّة ثلاث او اربع او خمس او ست او ثماني او عشر سنوات (أو قرن إن استطاعوا الى ذلك سبيلا) بوجود الاف القوات ومليارات الدولارات (الشروق 24 5 2003).
وها هو المحتل يبحث عن خروج من ورطته في العراق.
«بدأ الحديث عن التورط في العراق. والخروج المشرّف يتوسّع يوما بعد يوم. وتجاوز نطاق الصحافة الامريكية ليصل الى بعض المسؤولين.
وما ازدياد انتحار الجنود الامريكيين رغم التعتيم الاعلامي الذي أصبح ظاهرة الا دليل على ذلك.
ويمكن فهم ظاهرة الانتحار من نعت دنيس هاليداي الامين العام المساعد الاسبق للأمم المتحدة لجنود امريكا بأن بهم هشاشة مثل الرضع، فهم ليسوا شجعانا، لقد غرروا بالجندي الامريكي (الشروق 20 4 2003) لنتصور معنويات الجنود الامريكيين بعد ان احسوا ان رئيسهم قد غرر بهم: فلا هم عثروا على سلاح الدمار الشامل ولا الشعب العراقي رحب بهم ولم يكن وجودهم نزهة يقومون بها بل اصبحت حياتهم تحت رحمة مقاومة شرسة تطور اساليبها ولا تستثني وسيلة الا واستعملتها ولا حيلة الا واستخدمتها: فمن استهداف المحتل الامريكي وحلفائه الى التعرض الى العملاء، ومن استعمال الاحمرة وسيلة للمقاومة الى اسقاط الطائرات، ومن صنع رمضان 1 الى استخدام العمليات الاستشهادية مرورا باستعمال كل ما أمكن تفخيخه من الاجهزة ومن باقات ورد.
ان مقاومة بهذه النجاعة وبهذا التنظيم لقادرة على كنس الاحتلال خارج العراق وعندما نقول امريكا في ورطة حقيقية فاعتمادا على ما يلي:
تزايد تأثير موت الجنود الامريكيين على الشعب الامريكي «عشية انتخابات رئاسية».
الدفع الصهيوني المشجع على البقاء في العراق.
بات الارتفاع المتزايد لنفقات الاحتلال خصوصا مع غياب الاستثمارات الامريكية في الميدان النفطي يعرّض الاقتصاد الامريكي الى الانهيار التام كما يوضح ايمانويل تود المفكر، الذي تنبأ وأكد مبكرا ان الاتحاد السوفياتي سينهار: «ان المنتوج الياباني الان مساو للمنتوج الامريكي اما الاوروبي فهو متفوق عليه» ليضيف في مكان آخر «خارج صناعة الاسلحة والكمبيوترات ان الحضور الامريكي اصبح منعدما. وان كانت هناك منطقة في العالم تحتاج حقا الى الاخرين فهي بلا شك الولايات المتحدة الامريكية» (الانوار التونسية 12 افريل 2003).
ختاما نحن نعتقد بأن الشعب العراقي ومقاومته، التي استطاعت في ظرف اشهر معدودة زلزلة الارض تحت ارجل المحتل في انتظار دخول الطائفة الشيعية الى ميدان المقاومة بقوة، لقادر على افتكاك حريته من المستعمر الامريكي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.