عقدت الجمعية التونسية للأمم المتحدة جلستها العامة منذ أيام واختارت مكتبا جديدا لإدارة شؤونها يترأسه السفير السابق المنصف البعطي وهو من أفضل الاختصاصيين في المسائل المتصلة بهيئة الأمم وبمنظماتها وقد جمع حوله سفراء سابقين وممثلين عن المجتمع المدني وخبراء معروفين إلى جانب موظفين دوليين شغلوا مناصب أممية. هذه الجمعية من أعرق المنظمات الدبلوماسية غير الحكومية إذ يعود تكوينها إلى بداية ستينات القرن الماضي. كان رئيسها الأول الزعيم المنجي سليم أول سفير ممثل دائم بالأممالمتحدة في نيويورك ثم توالى على الإشراف عليها عدد من خيرة الدبلوماسيين التونسيين كان آخرهم السفير ووزير الخارجية السابق أحمد ونيس الذي يعتبر عميدها إذ أنه تولى كتابتها العامة خلال رئاسة المرحوم المنجي سليم. منذ أشهر قليلة عقدت الجمعية التونسية لقدماء السفراء والقناصل العامين كذلك جلستها العامة الانتخابية التي تم خلالها إعادة انتخاب السفير والوزير السابق الطاهر صيود لرئاستها وقد انطلقت في تنظيم برنامجها للعهدة الجديدة من خلال ندوة حول الاستعداد لانضمام تونس لمجلس الأمن الدولي سنتي 2020 و2021. هذه الجمعية التي تضم رؤساء المراكز الدبلوماسية والقنصلية المتقاعدين أنشئت بعد الثورة بمبادرة من السفير وكاتب الدولة السابق المرحوم أحمد بن عرفة وقد برزت بصفة خاصة بمناسبة إحياء ستينية وزارة الشؤون الخارجية منذ ماي 2016 إذ بادرت بتنظيم سلسلة من المحاضرات تناولت انطلاقة الدبلوماسية التونسية من خلال شهادات حية قدمها عدد من السفراء المؤسسين للجهاز الدبلوماسي الوطني. هاتان الجمعيتان ليستا الوحيدتين اللتين تعملان في الحقل الدبلوماسي فإلى جانبهما توجد جمعية الدراسات الدولية التي اسسها السفير والوزير السابق الرشيد إدريس ويتولى رئاستها حاليا السفير السابق عزالدين القرقني وقد نشرت هذه الجمعية دراسات قيمة في مجلتها التي تحمل نفس الاسم كما توجد جمعية اخرى تحت مسمى المنتدى الدبلوماسي ويترأسها السفير السابق محمد لسير. هذا إلى جانب الجمعيات التي تضم الإطارات التي لا زالت نشيطة مثل جمعية وودادية الدبلوماسيين التونسيين. بعض هذه الجمعيات لها مقرات ولكن أغلبها تعمل دون مكاتب خاصة بها عدا تلك التي وضعتها وزارة الشؤون الخارجية على ذمتها وهو أمر ليس مستحبا إذا اعتبرنا أن هذه الجمعيات كيانات مستقلة ليس عليها حسيب ولا رقيب إلا المنخرطون فيها. جرى حديث خلال احتفالية الستينية عن وضع الدولة محلا عموميا-فيلا قديمة مثلا- على ذمة هذه الجمعيات تكون مقرا لها بكتابة موحدة ووسائل عمل مجمعة كما تكون بيتا يؤمه الدبلوماسيون توجد فيه مكتبة ومقهى ومطعم إذا لزم الأمر مثلما هو الشأن بالنسبة لضباط الجيش الوطني وتكون دار الدبلوماسي مفتوحة حتى للدبلوماسيين الاجانب بما يمكن من التفاعل معهم كما تضم قاعة للعروض وأخرى للمحاضرات بحيث يمكن في إطارها تنظيم الندوات واللقاءات دون اللجوء إلى النزل والفنادق كما ان تجميعها ييسر التنسيق بينها ويوفر الإمكانية لإطلاق موقع إخباري إلكتروني تنشر من خلاله انشطتها والدراسات التي تقوم بها منفردة او مجتمعة. في البلدان الأخرى بما فيها القريبة منا-الجزائر مثالا- الدبلوماسيون السابقون يمثلون كفاءات وخبرات لا يمكن الاستهانة بها وعادة ما يقع اللجوء إليهم للقيام بدراسات استشرافية وتعد جمعياتهم كمراكز للبحث أو «خزان تفكير»think-tank بحيث أنهم يتولون مد الدبلوماسيين النشيطين المنكبين على العمل تحاليلهم وتوقعاتهم وربما حتى تنبؤاتهم بناء على ما راكموه من تجارب وخبرات هذا عدا أن الدبلوماسيين السابقين عادة ما يكونون العمود الفقري لمراكز البحث والدراسات الاستراتيجية في البلدان المتقدمة مثل فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا العظمى مثلا التي في ظاهرها أكاديمية ولكنها في الواقع تعمل بالتنسيق التام مع وزارات الخارجية فيها. فضلا عن افتقارها لمقر يكون جديرا بها إذ لا ننسى أن السفراء كانوا ممثلي رئيس الدولة في بلد الاعتماد فإن ما ينقص هذه الجمعيات بالأساس هو الإمكانيات المالية إذ أنها لا يمكن ان تعول على مساهمات منخرطيها وهي بالطبع زهيدة كما أن المنحة التي تتلقاها من وزارة الشؤون الخارجية لا تفي بالحاجة وإن كان الامر يهم بصفة عامة الجمعيات كلها وحتى الأحزاب السياسية فإن تمويل الجمعيات الدبلوماسية يرتقي إلى الاولوية الوطنية بالنظر إلى أهمية الدراسات والبحوث التي يمكن ان تقوم بها والتي يكون لها تأثير مباشر على الشأن الوطني ولنا في موضوع الاليكا-اتفاقية التبادل الحر الشاملة والمعمقة- أكبر دليل على ذلك فلحد الآن لم تتم دراسة ضافية عن هذا الملف الاساسي بمساهمة دبلوماسيين محنكين تضعنا في صورة التأثيرات السلبية والإيجابية على حد سواء للاتفاقية المقترحة علينا. ويمكن للدولة ان ترتبط مع هذه الجمعيات بعقود برامج تتولى في إطاره توفير التمويل الضروري لعملها وللدراسات التي تتولى القيام بها. ولا شك أن الدولة ستوفر على نفسها عناء تكليف بيوت بحث عالمية للقيام بدراسات قد لا تكون مخرجاتها في مستوى انتظارات البلاد وحاجاتها. إن هذه الجمعيات الدبلوماسية بمثابة الثروة الوطنية التي لم تستغل بما فيه الكفاية وهي تعمل حاليا منفردة دون تنسيق بينها بل هي تنشط بما تسمح به إمكانياتها وهي بالطبع ضئيلة. فهل من نظرة شمولية لها ،قد يكون من أولى الخطوات في الاتجاه الصحيح توفير مقر مشترك يكون في مستوى دار الدبلوماسي التي حلم بها أجيال الدبلوماسيين منذ 60 سنة وهو حلم كانوا على يقين أن يتحقق في عهد السفير ووزير الخارجية السابق الباجي قائد السبسي أول رئيس للجمهورية الثانية.