تعتبر محبّة الخير للمسلمين أمرا أساسيا، وقد كان المسلمون يحذرون أن يزداد ربحهم على حساب معاناة الآخرين، وكان التاجر المسلم يتحلّى بحسن النية، والرفق بالمسلمين، وتوفير الجيد بالثمن المناسب لهم، مع التحلي بالامانة التامة. وقد خرج النبي ﷺ يوما إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون، فقال: «يا معشر التجار». فاستجابوا لرسول الله ﷺ، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه. فقال: (إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً، إلا من اتقى الله وبر وصدق). رواه الترمذي . فقد طلب الاسلام من المسلمين ان يجتنبوا أكل أموال الناس بالباطل، فلا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. ولا يغشون، وقد مرّ النبي ﷺ على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟) قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: (أفلا جعلته فوق الطعام، كي يراه الناس؟، من غش فليس مني). فالتاجر المسلم لا يكذب ولا يحتال، وهذا اللحن في الكلام، وأنواع المخادعة في الدعايات الكاذبة، فيها خداع للناس، وأكل أموالهم بالزور، ودفعهم إلى شراء ما لا يحتاجون. ويكون هذا المشتري المسكين في النهاية هو الخاسر. وينبغي أن يكون التاجر سهلا في معاملات البيع والشراء. قال عليه الصلاة والسلام: (رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى). وليس المسلم الحكيم بالذي يرهق نفسه بكثرة الشراء، ويهدر الأوقات والأموال والأعمار، وفي كثير من الأحيان يكون مصير شراء ما لا حاجة له من الأطعمة براميل القمامة. وقد قال تعالى: ﴿وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا﴾ سورة الأعراف: 31. وقال: ﴿إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ سورة الأنعام:141. كما يستحب التحلي بخلق القناعة، فالغنى في الحقيقة غنى النفس، والنبي ﷺ أوصانا في أمور الدنيا أن ننظر إلى من هو دوننا، وليس إلى من هو فوقنا، فقال: (انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله). رواه مسلم. وقال عليه الصلاة والسلام: (قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً، وقنعه الله بما آتاه). رواه مسلم . ولا بد أن يكون في مجتمعات المسلمين العمل على زيادة الإنتاج، وتوفير السلع بأنسب الأثمان، ودعم السلع للمواد الأساسية، فهذه إجراءات يقوم بها ولاة الامور والحاكم الشرعي فيجوز له أن يسعّر للناس إذا دعت الحاجة كما بين الفقهاء. وإذا وصلت المسألة إلى تواطؤٍ من التجار، وتلاعب بالأسعار، وحبس للمواد حتى يرتفع سعرها، ويكثر الطلب، فلا بد من فك هذا الظلم كما قال العلماء. ويكون في هذه الحالة التسعير جائزاً. وأما إذا ارتفعت الأسعار، نتيجةً لقلة العرض، وكثرة الطلب، دون أن يكون للتجار دخل في ذلك فلا يجوز التسعير حينئذ. وكذلك إذا كانت السلعة ليست من ضرورات الناس فلا يجوز التسعير أيضاً، وإذا كان للسلعة بدائل يمكن اللجوء إليها بدون ضرر، فلا يُتَحكَّم بالسعر ويفرض أيضاً. ولكن إذا صارت السلع مما يحتاجه الناس حاجةً ماسة، وحصل الاتفاق والاستغلال من التجار فقال علماء الشرع «ما احتاج إلى بيعه وشرائه عموم الناس، فإنه يجب ألا يباع إلا بثمن المثل، إذا كانت الحاجة إلى بيعه وشرائه عامة، وإن ما احتاج إليه الناس حاجة عامة فالحق فيه لله تعالى. وليس للربح في الشريعة أصلاً حد معين، ولكن إذا كان للسلعة سعر معروف في السوق، فلا يجوز للبائع أن يخدع مشترياً جاهلاً أو مغفلاً ونحو ذلك، فيرفع السعر ليظنها أصلية، أو لأنه لا يعرف سعر السوق أصلاً إذا رفع عليه رفعاً فاحشاً، فهذا خيار الغبن الذي يجوز بموجبه للمشتري رد السلعة رغماً عن البائع وأخذ الثمن.