تونس الشروق: أشرف الرياحي كسر وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي امس حاجز التحفظ والحياد المتعارف عليه في المؤسسة العسكرية محملا السياسيين مسؤولية الانخرامات الواقعة في كل المستويات ودافعا بهذا التصريح الى ابراز جملة من الدلالات والاستنتاجات. وخلال موكب تأبين شهيدي المؤسسة العسكرية ادريس الزواغي وياسين الشهبي أدلى وزير الدفاع الوطني عبد الكريم الزبيدي بتصريح قال انه يريد ابرازه للعموم بعد ان كان يهمس به للسياسيين وأكد من خلاله أن السياسيين الذي اختارهم الشعب لهم مسؤولية كبرى في كل الانخرامات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك الأمنية بما فيها استشهاد العسكريين اول امس وأن الشعب سيحاسبهم يوما ما، فماهي دلالات هذا التصريح سيما وأنّ المعروف عن الزبيدي حرصه الشديد على التحفظ ضمن العقيدة العسكرية التي تضع حدا فاصلا مع التصريحات السياسية ؟ اشعال الضوء الأحمر وقد سبق للزبيدي ان صرح في البرلمان خلال مصادقة النواب على ميزانية الوزارة السنة الماضية انه «لا يمكنه ان يكون سياسيا لانه لا يحسن الكذب» وان استبطن ذاك التصريح اتهام السياسيين بالكذب فان تصريحه الجديد كان اكثر وضوحا ومسؤولية تجاوزت حد الاتهام الاخلاقي الى تحميل المسؤوليات، ويبدو ما ادلى به الزبيدي اقرارا منه بأن الازمة السياسية في تونس بلغت منطقة الخطر وأن الواجب الوطني المستلهم من العقيدة العسكرية يفرض عليه تحمل المسؤولية وانارة الرأي العام بحالة العبث السياسي التي انخرطت فيها تونس لسنوات. وعلى هذه الشاكلة يكون تصريح الزبيدي اشعال الضوء الاحمر في مسار الازمة التي تحف بالبلاد كما يرى ذلك الناشط السياسي ونائب المجلس الوطني التأسيسي رابح الخرايفي والذي يشدد على ان المعروف عن الزبيدي الهدوء والرصانة وحسن اختيار توقيت التصريحات والتقيد عموما بضوابط السلوك العسكري وما تصريحه هنا الا انذار بالكف عن العبث والمعارك السياسية التي زادت البلاد ارهاقا في كل مستوياتها بما في ذلك الامنية. ردود مبطنة وتبعا لتوصيفه لمسؤولية الطبقة السياسية في حالة الانخرام العامة تابع الزبيدي بالقول:"سيحاسبهم الشعب يوما ما" ويلاحظ المراقبون ان في ذلك اقرارا ضمنيا بأن الحل سياسي ولايخرج عن دائرة الممارسة الديمقراطية ويكمن بيد الناخب عبر صناديق الاقتراع، ولعل في ذلك تفنيد للدعوات المتواترة بين الفينة والأخرى والمطالبة باصدار البيان رقم 1 وتدخل المؤسسة العسكرية. ويشدد الخرايفي على انه لا ينبغي تفسير تصريح الزبيدي بالاستجابة لاصدار البيان العسكري بل هو في رأيه نداء للتنظم مستندا في هذا الطرح الى المدلولات اللغوية التي وظفها الزبيدي من «السياسيين المنتخبين من قبل الشعب» ، و«سيحاسبهم الشعب والتاريخ» وايضا من تصريحات سابقة للوزير نفسه قال فيها «ان الادعاءات بشأن حدوث انقلابات هي شبيهة بأساطير الاولين التي لا اساس لها من الصحة في ظل مسار الانتقال الديمقراطي» دعوة للتفكير ويستنتج من تصريح الزبيدي انه بمثابة الدعوة الى كل الأطراف السياسية للكف عن التجاذبات السياسية ودفعهم الى التفكير بشأن المرحلة الانتقالية الحرجة و التي قد يؤدي تواصلها الى ما لايحمد عقباه مثلما يؤكد ذلك المحلل السياسي واستاذ التاريخ المعاصر عبد اللطيف الحناشي الذي يشدد على ان في تصريح الزبيدي دعوة للتدبر وليس انذار تنبيه. ويقر الحناشي بأن النخبة السياسية اثبتت فشلها في كل المستويات بشقيها المدير للسلطة والمعارض لها وان هذه الطبقة السياسية لم تهتم طوال هذه السنوات بمشاغل المواطن بقدر اهتمامها بالتموقع والصراعات المستمرة والسخيفة غالبا والتي تغلب عليها المصالح الخاصة والأنانية والنرجسية وتغيب عنها البرامج والخلفيات الفكرية والسياسية الى حد لا يطاق. ويخلص الحناشي الى أنّ تصريح الزبيدي يوم امس هو تصريح مهم يدعو الطبقة السياسية راهنا الى الاهتمام بملف الارهاب الذي مايزال يؤرق تونس ويهدد محيطها الاقليمي بعد كل هذه السنوات وكذلك التطلع الى سبل انجاح المرحلة الانتقالية الأخرى بأدوات أكثر وطنية .