لم يتساوق وضع جمعية رياضية مع وضعية مجتمعها وشعبها كما هو الحال في علاقة الشعب التونسي بجمعية النادي الافريقي . هناك ارتباط وثيق وفريد بين حالة الشعب التونسي والقلعة الحمراء والبيضاء منذ مخاض تأسيس الجمعية الى يوم الناس هذا وهو ما يمثل في حد ذاته سببا من اسباب شعور احباء النادي بالفخر والاعتزاز وعاملا يفسر قدرة النادي الافريقي على الصمود وعلى تجاوز الصعوبات واجتراح المعجزات وتحقيق المكاسب . واذا كان استحضار مسيرة هذه الجمعية غير متيسر في مقال لان الامر يحتاج الى متحف خاص بالنادي الافريقي وهو حلم نرجو ان يتحقق عند احتفال عشاق النادي الافريقي بمرور قرن على حصوله على الترخيص القانوني فانه بالامكان التوقف بسرعة عند ما يميز الجمعية ويمنحها ملامح هوية تختص بها عن غيرها من الجمعيات الرياضية الاخرى . ذلك ان اجبار المستعمر الفرنسي على منح النادي الافريقي تاشيرة العمل القانوني لم يكن مجرد اجراء روتيني بل كان من اول محطات تصدي النخب التونسية للاستعمار الفرنسي ومن اول تجليات الوعي الوطني الرافض لمحاولات الاستعمار الفرنسي تذويب الهوية التونسية الرافضة لاستراتيجيات «الحماية الفرنسية» الماكرة . لقد اصر الاباء المؤسسون على التمسك باللونين الاحمر والابيض وهما كما يعلم الجميع اللونان الرامزان للعلم الوطني واصروا ايضا على ان لا يمكنوا - ولو من باب الاحتيال على الادارة الاستعمارية - فرنسيا من ترؤس الهيئة التي قدمت مطلب الحصول على ترخيص . ولا شك ان هذه النقطة تحتاج الى وقفة سريعة لانها كشفت عن وعي عميق لدى الاباء المؤسسين بان الاستعمار الفرنسي اراد من خلال اشتراط ان تؤول الرئاسة الى فرنسي تكريس الايديولوجيا الاستعمارية التي توهم ‹الاهالي» انهم في حاجة الى من يقودهم خاصة وان الرياضة كانت من ادوات الهيمنة التي اولتها فرنسا اهمية قصوى . والى جانب الوعي المبكر والمتطور هناك ايضا الحرص على الوضوح والابتعاد عن اساليب المناورة والمهادنة حتى وان كان الثمن خسارة بضعة اشهر في تاريخ التاسيس الرسمي . ولا ننسى الاصرار على ان يزين الشعار الوطني بهلاله ونجمته زي النادي الافريقي وما يمثله من اشارة الى البعد الوطني وايضا العقائدي . لقد اصر الاباء المؤسسون على ان تولد الجمعية من رحم الاصرار والمعاناة لانهم كانوا يضعون لبنة التاسيس لجمعية تمثل حاضنة من حاضنات الوعي الوطني التونسي بمكوناته من عروبة واسلام واعتزاز بتونس واشارة للانتماء الافريقي . لم يكن النادي الافريقي ولن يكون جمعية منطقة او مدينة او جهة او فئة اجتماعية بل هو البوتقة التي تنصهر فيها كل الابعاد الجهوية والاجتماعية والفئوية لتعطي جمعية لها عشاقها وانصارها في كل المدن والاحياء والطبقات والفئات ....لقد اختار النادي الافريقي ان ينتصر للشعب ولم يكن في يوم من الايام جمعية رئيس او وزير واختار الوطن وخدمه وخدم الدولة الوطنية ولم ينخرط في خدمة السلطة وهو ما جعله يدفع الثمن الذي يعرفه الجميع ولكن هذا الاختيار جعله معبرا عن نبض الشعب التونسي اذ حشد طاقاته من خلال الجمع بين الرياضة والثقافة في فترة مقاومة الاستعمار الفرنسي وتزامن تالقه في مستوى النتائج مع الفترة الزاهية للدولة الوطنية والعهد البورقيبي وعبر من خلال استقالة رئيسه -الرمز عزوز لصرم من الحكومة في مناسبتن واجه فيهما الحبيب بورقيبة الفئات الشعبية والاتحاد العام التونسي للشغل بالقوة والعنف بل ان كبرى الصحف العالمية لم تجد سنة 1978 افضل من اسطورة النادي عتوقة لتوجه رسالة لاذعة الى الحبيب بورقيبة اذ اشارت الى «انه في صورة اجراء انتخابات رئاسية شفافة في تونس فإن عتوقة قادر بما له من شعبية جارفة على هزم بورقيبة» وفي الاشارة ايضا جانب رياضي لان ابناء وبنات النادي الافريقي في كل الاختصاصات قد ساهموا في رفع الراية الوطنية. وكان النادي الافريقي اكثر جمعية تعاني على امتداد حكم الرئيس بن علي من توظيف البعض للسلطة السياسية والقرب منها لخدمة جمعية رياضية واستهداف الجمعيات الأخرى. ولا نعتقد انه من باب الصدفة ان النادي الافريقي يشكو حاليا مما تشكو منه تونس من تأثر سلبي بحالة الاحباط السائدة وبدخول «غير ذوي الصفة» لتولي مقاليد الامور فيها وهو ما زاد صعوباتها المالية واثر على مسيرتها وكما ادى التسيير العشوائي لتونس الى غرقها في المديونية الخانقة وإلى خضوعها لاملاءات صندوق النقد الدولي فان التسيير الاعتباطي للنادي الافريقي خلق لديها حالة عجز مالي غير مسبوقة وجعلها تحت الضغط المتواصل ل«الفيفا». ولكن النادي الافريقي الذي اخذ يتجاوز بفضل أبنائه وبناته سواء في الهيئة التسييرية او الهيئة المديرة الحالية هذه الوضعية وسيعود اقوى واكثر انتشارا وشعبية ومعانقة للالقاب والتميز سيرسم طريق الامل والعمل لابناء وبنات الشعب التونسي الذين نحييهم بالمناسبة لان احتفال النادي الافريقي بذكرى تاسيسه هو بكل تاكيد احتفال لعشاق النادي الافريقي بالدرجة الاولى وهو ايضا احتفال يعني كل التونسيين والتونسيات لاننا تعلمنا في النادي الافريقي ان حب جمعيتنا يقوم على ان لا نكره احدا.