تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أعلام رياضية في تاريخ العلوية
نشر في الصباح يوم 31 - 08 - 2008

على ربوة مرتفعة تتموقع في الوسط ما بين حي " باب جديد " الشعبي المعروف و مقام ضريح الولي الصالح " سيدي بلحسن الشاذلي" تقبع منارة علمية شامخة أضاء نورها الآفاق الشاسعة للمدينة العتيقة من حاضرة تونس على امتداد حقب طويلة من القرن العشرين تجاوزت في السنين الأخيرة حيز القرن من الزمن.
في هذا الربض الشهير والمشع يقبع المعهد العلوي شامخا معتدا بذاته يروي لأبنائه وبناته من طلاب العلم ومريديه و للباحثين والدّارسين، جملة من الأحداث الغنية بالمعاني والعبر والدروس ويذكر بالأطوار المتلاحقة التي اجتازها هذا المعلم الخالد عبر تاريخه الطويل الحافل بالأعمال والإنجازات في شتى ميادين النشاط التي سنحاول استعراض البعض منها في هذا العرض.
محطات بارزة في تاريخ المعهد: انبعثت هذه المدرسة العريقة إلى حيز الوجود وفتحت أبوابها لاقتبال الشبيبة المتعطشة إلى ارتشاف سلسبيل العرفان والمعرفة سنة 1884 أي بعد مضي ثلاث سنوات من انتصاب الحماية على بلادنا. وكانت تعرف إبان انبعاثها الأول سنة 1843 باسم مدرسة الشيخ محمد بن ملوكة (1195- 1276ه) وقد ساعد في تأسيسها مصطفى خزندار وزير المملكة التونسية الأول في بداية بسط الحماية الفرنسية على تونس بهدف إيواء بعض طلبة جامع الزيتونة وفروعه بالعاصمة ثم أصبحت لاحقا "معهدا للتعليم العصري في عهد المبرور علي باشا باي الثالث وصار اسمها المدرسة العلوية نسبة لإسمه الشريف " وفق ما ذكره المؤرخ التونسي المرحوم محمد بن الخوجة في كتابه " تاريخ معالم التوحيد في القديم والجديد " ( 1 ). وفي هذا يبدو أن هناك اختلافا حاصلا حول تاريخ فتح أبواب المعهد للتدريس فحسب بعض وثائق جمعية القدماء هناك إشارة إلى أن المعهد فتح أبوابه يوم 3 نوفمبر 1884 في حين يشير السيد ماشويل المدير العام للتعليم العمومي بتونس فيما بين 1883 و1908 في كتابه حول " التعليم العمومي بتونس" إلى أن المعهد دشن يوم 29 ديسمبر 1984 بحضور الباي والمقيم العام السيد كمبون والوزير الأول ووزير التعليم وأهم رؤساء مصالح وموظفي الحماية ببلادنا. وتشير القراءة المتأنية لتاريخ هذه المدرسة أن تأسيسها تمّ وفقا لالتقاء رغبتين متقابلتين تمثلت الرغبة الأولى في إصرار سلطات الحماية على تركيز أسس معالم هيمنتها النهائية على بلادنا والعمل على "فرنسة " جميع مكونات الذاتية التونسية ومصادرة كل طموح وطني للاستقلال والإفلات من براثن الهيمنة الاستعمارية الغاشمة ولم يكن بالإمكان لهذه الرغبة أن تتحقق إلا من خلال وبواسطة تركيز معاهد تعليم تنشر لغة وثقافة المحتل. من ناحية أخرى جاءت الرغبة الثانية وليدة إصرار الباي علي باشا الذي أراد تخليد اسمه بتبني إقامة وتشييد المعهد مثلما فعل سلفه الصادق باي قبله بعشر سنوات حين أشرف على تأسيس المدرسة الصادقية أو "المكتب الجديد" كما كان يسميها الأهالي آنذاك. وفي هذا العرض لتاريخ هذه المنارة العلمية لا بد أن نذكر وأن البناية الأولى لمدرسة الترشيح هذه كانت قد أقيمت في أول أمرها على ربوة القرجاني ثم وفي سنة 1909 تمّ انتقال المعهد العلوي إلى بنايته الجديدة القائمة إلى الآن بنهج الطاهر الحداد (نهج Arles سابقا) من مدينة تونس . ويرجع البعض من دارسي تاريخ هاته المدارس الأسباب الكامنة وراء إحداث تعليم حديث ببلادنا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين إلى أسباب سياسية صرفه أسوة بما وقع إنجازه في نفس الفترة بتركيا ومصر. وانحصر الهدف التربوي من تأسيس هذا المعهد في البداية في إقامة مدرسة كبرى " للتعليم الابتدائي العالي " كما كانوا يسمونه آنذاك وكذلك المهني ومدرسة لتخريج معلمين مؤهلين بما حصلوا عليه من تكوين وما تمّ لهم من تجربة للتعليم في كامل أنحاء المملكة. أما تلامذته فتؤكد بعض الوثائق الخاصة بالمعهد والصادرة عنه بأنهم كانوا خليطا من أديان مختلفة حيث نجد فيه المسلمين والمسيحيين واليهود ينتدبون من التونسيين وغيرهم من الجاليات الأخرى المقيمة ببلادنا كالإيطاليين والمالطيين وغيرهم إضافة للفرنسيين كعناصر لجالية مهيمنة على البلاد. وتنوعت مواد التدريس بما جعلها تستجيب لمتطلبات النفوذ الفرنسي على البلاد التونسية كما كانت الإدارات المتعاقبة على تلك المؤسسة لا تتردد في تغيير ساعات التدريس وتكييف المواد المدروسة في مجالس تنعقد برئاسة مدير المعهد الذي كان في بداية الانبعاث من الفرنسيين بطبيعة الحال.
تلاميذ العلوية في بداية التأسيس: شكل تلاميذ العلوية في بداية تأسيس المعهد خليطا متشابكا ولوحة فسيفساء مختلفة الالوان والجذور والجنسيات والأديان نجد فيها المسلمين والمسيحيين واليهود وفقا للمذكرة الصادرة بتاريخ 20 ديسمبر 1886 الصادرة عن سلطات الحماية ببلادنا والتي تنص المادة الثانية منها على " ان مؤسسات التعليم مفتوحة لكل الجنسيات والاديان ". وصلب هذا الخليط نجد : التونسيين والفرنسيين والايطاليين والمالطيين وغيرهم وقد توزعوا على فصول المعهد و أركانه بنسب متفاوتة على امتداد السنوات الاولى من الدراسة مثلما يوضحه الجدول الموالي الذي يبرز انخفاضا مهما في عدد التلاميذ خلال الحرب العالمية الاولى:
السنوات
عدد التلاميذ
1909
200
1910
260
1911
310
1912
325
1913
340
1917
250
1931
500
1932
580
هذا وتبرز بعض الجداول التي نشرت ضمن وثائق المعهد وتتعلق بتوزيع التلاميذ حسب الجنسيات أن عدد التونسيين " بمدرسة العلوية - ترشيح المعلمين " أو " الأصل والفرع " كما تمت تسميتهم في هاته الوثائق ، قد انخفض عددهم مقارنة ببدايات التأسيس بصفة ملحوظة حتى أصبحوا يشكلون أقلية أمام الفرنسيين بفعل تضخم عدد المعمرين الذين أقبلوا على بلادنا مع عائلاتهم بأعداد ضخمة في بدايات القرن الماضي وتماشيا مع مخطط فرنسة البلاد باعتبار وأن تونس تشكل جزءا من فرنسا.
السنة
الفرنسيون
التونسيون
الجملة
1885
23
163
192
1895
254
306
560
1905
318
284
602
كيف قابل التونسيون تأسيس هذا المعهد؟ لم يكن بعث "المعهد العلوي " آنذاك محل ترحاب كبير من قبل البعض من الوطنيين التونسيين على غرار القبول الذي عرفه بروز المعهد الصادقي سنة 1874 وتبدو "الاحترازات " التي اكتنفت ولادة هاته المؤسسة وليدة الظروف والأهداف الخفية التي حركت القوى الاستعمارية للتشجيع على إنجاز هذا الفضاء الدراسي الجديد والتي كانت أهداف استعمارية صرفه غايتها الأساسية خدمة أغراض المحتل الاستيطانية التوسعية. وفي هذا الصدد يمكن أن نشير إلى كتاب الأستاذ المرحوم محمد الفاضل بن عاشور "الحركة الأدبية والفكرية في تونس" كمثال على هذه التحفظات، حيث لمّح بصفة عابرة وموجزة إلى المعهد العلوي في سياق المحاضرة الأولى التي احتواها الكتاب و المخصصة للحديث عن " صدمة الاحتلال " فيقول في الصفحة 46 في العمل المذكور أعلاه حول هذا المعلم: وفي شهر جمادى الثانية سنة 1300 الموافق لشهر ماي سنة 1883 أسست إدارة العلوم و المعارف ووضع على رأسها فرنسي مستعرب. من الناشئين في الجزائر، هو لويز ماشويل فاستولى بتلك الصفة على جميع الأجهزة الثقافية والتعليمية، حتى تعليم جامع الزيتونة. وكان أول عمله أن أنشأ دار معلمين، لتكوين معلمين ابتدائيين للغة الفرنسية، من التونسيين، سماها " المدرسة العلوية " وجعل المدرسة الصادقية معهدا يتهيأ فيه التلاميذ للالتحاق بدار المعلمين " العلوية " ويكون تهيؤهم بتعليم اللغة الفرنسية، على النهج الذي ابتكره لذلك، وهو منهج التعليم الفرنسي العربي(Franco - Arabe) الذي لم يزل إلى اليوم يفتك بناشئة العرب في المملكة التونسية ( 2 ) في حين نجد الشيخ الفاضل يستفيض في الكلام والتحليل وتقديم الشروحات الطويلة والمعمقة عند الحديث مثلا عن الصادقية أو الزيتونة أو حتى الخلدونية كمؤسسات تربوية وعلمية ذات صيت واسع ببلادنا في النصف الأول من القرن الماضي. إن مثل هذا الاحتراز يعكس في الحقيقة موقف التونسيين من العلوية ومن الأدوار التي لعبتها في بدايات تأسيسها خصوصا و أن مؤسسها علي باي (الثالث) كان أداة طيعة وهشة في يد الفرنسيين ووضع نفسه تحت تصرفهم كي يضمن لنفسه الخلافة إثر وفاة أخيه محمد الصادق باي وهو الذي أمضى غداة تنصيبه معاهدة 30 أكتوبر 1882 السرية التي فرضت على الباي وأقرت فقدان الباي لسلطته الداخلية والتزم فيها بالإخلاص لفرنسا وبتنفيذ كل الاتفاقيات التي أبرمها سلفه محمّد الصادق باي ومهدت لاتفاقية المرسى التي وقعت في 8 جوان 1883 و كرست النفوذ المطلق للفرنسيين على البلاد ( 3 ) إلى هذا ينضاف أن هذا المعهد لم يكن في نظر الكثير من التونسيين ليرتقي إلى مستوى ورمزية المعهد الصادقي الذي أسسه المصلح الكبير خير الدين باشا سنة 1875 وفق برنامج إصلاحي شامل ليكون عماد النهضة التونسية الحديثة نظرا لما احتوته برامجه آنذاك من مواد علمية عصرية ومن تدريس للغات الأجنبية علاوة على اللغة العربية. كما لا يغفل على القارئ أن الصادقية كانت معقلا من معاقل الوطنية الحية وشوكة حادة في وجه الاستعمار. واضطلع خريجو هاته المدرسة بأدوار مشرفة في مجال النضال السياسي بدأ بعلي باش حانبة والبشير صفر وخير الله بن مصطفى وعلي البلهوان وصولا إلى الحبيب بورقيبة وهو ما جعلها تكون محل تقدير واحترام أوسع من طرف الفئات الشعبية المناهضة للتواجد الاستعماري البغيض.
العلويون وبعث فريق النادي الإفريقي: شكلت الرياضة في النصف الأول من القرن الماضي مدخلا مهما للنهوض الوطني وعامل استفاقة جذرية لحالة الجمود واليأس التي كان يعيشها ويعاني منها الشعب التونسي وفئاته الشابة آنذاك فوقف الكثير من المثقفين الوطنيين والرواد التقدميين على غرار الهادي العبيدي وعبد الرزاق كرباكة وجمال الدين بوسنينة و أحمد الضحاك إلى جانب التونسيين قصد النهوض بالرياضة وتشجيع الأولياء على السماح لأبنائهم بتعاطيها فبرزت العديد من الجمعيات الرياضية الممارسة للأنشطة البدنية إضافة لنشاط كرة القدم وغيرها من الألعاب الرياضية الأخرى ككرة القذف. وحاول التونسيون خصوصا في جمعية النادي الإفريقي المزج بين الرياضة و جملة من الأنشطة الفنية والثقافية ذات الحضور الجماهيري المؤثر كالموسيقى والمسرح في العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، والحقيقة أن من يدخل رحاب فريق النادي الإفريقي في تلك الفترة، فترة الانبعاث يجد نفسه محاطا بكبار الأدباء والشعراء والموسيقيين ورجال المسرح في تونس الذين ساهموا بقسط وافر في تنشيط الحركة الفكرية والفنية والوطنية وكان لهم أكبر الأثر على أكثر من ميدان ببلادنا. من أكبر الرياضيين ومن جيل الرواد الذين انتموا إلى العلوية وساهموا بقسط وافر في نحت معالم فريق عريق في ميدان الكرة ببلادنا نجد المرحوم أحمد الزقلاوي المولود سنة 1902 ابن السيد قاسم الزقلاوي والقاطن آنذاك ب17 نهج الحجرة من مدينة سوسة والذي ساهم بقسط وافر في بعث فريق النادي الإفريقي سنة 1919 صحبة ثلة نيرة من رواد تلك المرحلة من أبناء العلوية على غرار المرحوم فرج عبد الواحد وأحمد المستاوي ابن السيد عبد الرزاق المستاوي المولود سنة 1902 والقاطن آنذاك في 1 نهج سوق الوزر من مدينة تونس، وعبد المجيد الشاهد ابن السيد مختار الشاهد و المولود سنة 1900 والقاطن آنذاك بمدينة تونس ومحمود مالوش ابن السيد ابراهيم مالوش و المولود سنة 1899 وهو أصيل مدينة القيروان والقاطن آنذاك ب14 نهج البوراس من نفس المدينة (4 ) وقد كان هذا الأخير تلميذا/ قيما بمدرسة العلوية، وباعتباره أكبرهم سنا و أكثرهم تجربة واحتراما أصبح قائدا للمجموعة و ممرنا لهم في الفترة الأولى التي سبقت تأسيس النادي الإفريقي الذي انبعث للوجود بصفة رسمية بمقهى بالحاج عمار وهو مقهى يقع بين نهج باب الجزيرة ونهج المكتب بالقرب من باب الجديد وأشرف على هذا الاجتماع السيد صالح السوداني اللاعب السابق بالملعب الإفريقي المنحل ، وضم مجموعة نيرة من تلاميذ معهد العلوية والصادقية وجامع الزيتونة وبعض رجالات الفكر والأدب والفن يمكن أن نذكر منهم السادة: صالح السوداني، جمال الدين بوسنينة، البشير بن مصطفى، الشاذلي الورقلي، عبد المجيد الشاهد، حسن النويصري، محمد عبد العزيز العقربي، أحمد الضحاك، الدكتور أحمد بن ميلاد، منوبي الهواري، محمد بدر، فرج عبد الواحد، محمد عياد، والعربي المؤدب إضافة إلى عبد الرزاق كرباكة واتخذوا قرارا ببعث جمعية تحمل اسم النادي الإفريقي باقتراح من المرحوم عبد المجيد الشاهد ومشاركة كبيرة من قبل السيد جمال الدين بوسنينة. وتكررت الاجتماعات والجلسات في محيط مقاهي حي باب الجديد بين المؤسسين بعد مماطلة السلط الاستعمارية على تسليم الترخيص للنادي الوليد لممارسة نشاطه حيث اشترطت أن يكون رئيس الجمعية فرنسي الجنسية وأن يغير المشرفون على النادي ألوانه الحمراء والبيضاء وتزال النجمة والهلال من فوق أقمصة اللاعبين لأنهما يمثلان العلم التونسي ولم يرفع قرار التجميد إلاّ بعد تدخل بعض الأعضاء الفاعلين بالجمعية مثل السادة حمادي بن ضيف و الشاذلي بن عبد القادر فتم تسليم وصل ممارسة النشاط الرسمي للفريق يوم 4 أكتوبر 1920. لقد كانت إرادة المؤسسين للجمعية الوليدة أقوى من إرادة التراتيب الجاري بها العمل في إطار الجامعة الفرنسية لكرة القدم والتي كانت تجبر مؤسسي الجمعيات الرياضية من التونسيين على فتح عضوية جمعيتهم وجوبا إلى عضو حامل للجنسية الفرنسية فكان أن امتثلت بعض النوادي إلى ذلك مثل الترجي الرياضي فكان رئيسها الأول السيد مونتاسيي. والنادي التونسي (الذي سيصبح لاحقا النادي الرياضي الصفاقسي) حيث كان النائب الأول لرئيس الجمعية سنة 1928 هو السيد ميشال لوفريدا(5). في حين امتنعت جمعية النادي الإفريقي للرضوخ لمثل هذه الإرادة المجحفة من جانب المستعمر. هذا وكانت تشكيلة الهيئة المديرة الأولى للنادي الإفريقي متكونة من السادة: البشير بن مصطفى: رئيسا للجمعية وجمال الدين بوسنينة : كاهية رئيس والشاذلي الورقلي: كاتب عام و عبد المجيد الشاهد: كاتب عام مساعد وحسن النويصري: أمين مال إضافة إلى جملة من الأعضاء الآخرين. في حين كانت التشكيلة الأولى للفريق تتكون من العناصر التالية: حارس مرمى: المنوبي الهواري، الظهيران: جمال الدين بوسنينة ومحمد مشوش، متوسط الدفاع: محمود ملوش وهو قائد الفريق، متوسطا ميدان: حسان بن قدور وحسن النويصري، جنحان: أحمد المستاوي و عياد، مهاجمون عبد الرحمان القلفاط والعربي بن يمينة و أحمد الزقلاوي، قلب هجوم: أحمد الضحاك.
من مدرسة العلوية ساهم أحمد الزقلاوي مع جمع من الخلان والأصدقاء الخلص في تأسيس " مدرسة النادي الإفريقي الرياضية " التي كانت آنذاك تشكل تجمعا واسعا للمثقفين والوطنيين التونسيين. ثم وبعد أن أتمّ دراسته تخرج أحمد الزقلاوي من مدرسة العلوية قسم ترشيح المعلمين ليصبح إثره مدرسا بمدينة سوسة وليؤسس مع نخبة من التونسيين ومن أبناء النادي الافريقي بالذات على غرار السيد بن عيسى الهيشري فريق النجم الرياضي الساحلي في شهر جويلية من سنة 1925 وهو توجه ذو دلالة بالغة باعتبار وأن الفريق الجديد تكوّن من عناصر تونسية صرفة استمدت مكونات وجودها من التجربة الكبيرة التي تحصل عليها المؤسسون من بعث فريق النادي الافريقي. وفي كلّ ما تمّ انجازه والشروع فيه من تكوين وبعث للجمعيات الرياضية خلال تلك الفترة كانت هناك رغبة لاقامة الدليل على إمكانيات الشبيبة التونسية الناهضة وعن استقلالية هذه الفرق عن مخططات الاستعمار وهياكله. هذا ويرى بعض الباحثين في المجال التاريخي، أن تدفق العديد من أبناء الساحل على جل المعاهد التونسية بالحاضرة خلال النصف الأول من القرن العشرين والذي كان أحمد الزقلاوي واحدا منهم مرده عدة أسباب أهمها عراقة النسيج الحضاري بهاته المنطقة وتقاليد التفتح على الخارج منذ القديم عن طريق التجارة خاصة و بقاء المنطقة بمنأى عن الاستعمار نظرا إلى كثافة السكان بها وحيازة عدد كبير من السكان لقاعدة مادية متنوعة ( حرف ، فلاحة وصيد بحري ) تمكنهم من الاستقلال النسبي عن السلطة السياسية الاستعمارية. (6 )
كما لا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا أن تواجد مجموعة من تلاميذ الساحل التونسي بمعهد العلوية ولو بأعداد محدودة في بداية القرن الماضي مرده كذلك توفر نظام إقامة داخل هاته المؤسسة بما ساعد الكثير منهم على الانكباب على الدروس والتحصيل بكل أريحية بعيدا الضغوطات والصعوبات التي يجدها غيرهم من تلاميذ دواخل البلاد في مؤسسات تربوية لا يتوفر فيها نظام الاقامة ( المبيت ).
---------------------------------------
الهوامش والإحالات :
1 - هذا الكتاب من تحقيق وتقديم الأستاذين الجيلاني بن الحاج يحي وحمادي الساحلي نشر دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان الطبعة الثانية 1985 ص 327-328 .
2 - ا نظر كتاب " الحركة الأدبية والفكرية في تونس " للأستاذ المرحوم الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور نشر الدار التونسية للنشر النشرة الثالثة أفريل 1983 ص 46.
3 - أنظر كتاب " جذور الحركة الوطنية التونسية (1904- 1934) " تأليف د. علي المحجوبي. تعريب أ. عبد الحميد الشابي بيت الحكمة قرطاج 1999 ص 96
4 - انظر " Registre Matricule 1903-1929 college Alaoui" وثائق متحف التربية
5 - انظر في الغرض كتابي خمسينية " الترجي الرياضي التونسي " ماي 1969 ص 19 وسبعينية النادي الرياضي الصفاقسي " القدر الجميل سبعينية الوفاء والامتياز" 1998 ص 16
6 - انظر كتاب " تاريخ تونس الاجتماعي 1881- 1956للاستاذ الهادي التيمومي الطبعة الثانية دار محمد علي الحامي جانفي 2001 ص 53/54.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.