بقلم أ. سناء السخيري (رئيسة الغرفة الوطنية للناقلين الجويين باتحاد الصناعة والتجارة) قبل أن يغادر الاستعمار أقطارنا ترك فينا الكثير من أدواته والعديد من آلياته التي تمكّنه من تطويل فترة الهيمنة بل ومحاولة إدامتها. ولئن استطاعت عدّة أقطار مجاوزة تلك الحواجز الاستعمارية فإنّ عدّة بلدان لا تزال خاضعة لتلك الأنماط المكبّلة وهي عديدة ومتنوعة وتتجلّى خاصة في المجالين الاقتصادي والثقافي كونهما الأوضح في إظهار ذلك وإن كان الخافي أعم وأعظم. في الاقتصاد نلاحظ الدول الخاضعة تكاد لا تنتج شيئا وكأنها إما مصادر لانتاج الخامات أو هي سوق لعرض سلع الأطراف المهيمنة. والأدهى أن عقودا تمضي وكأنّ الانتاج الصناعي والتكنولوجي محرّم وممنوع عليها عدا بعض الكماليات التي لا تسمن ولا تغني من جوع. وإن كانت المعارك الاقتصادية وإلى زمن قريب تحوم حول هذه الوجهة فالملاحظة الأبرز كون الاستعمار قد طوّر أدواته ومتّن آلياته في حين لم تستطع الأطراف الأضعف الحؤول دون ذلك وواصلت باستسلام ممارسة لعبة الخضوع التامة. والمؤسف أنّ بلادنا لم ترتق رغم مرور عدّة عقود على استقلالها إلى درجة التحصّن الاقتصادي ولم تنجح في التملص النهائي من خيط العنكبوت المهيمن لا سيّما بأساليبه المبتكرة. وأيضا كما يتحدّث الكثيرون عن أساليب قديمة لا يزال المستعمر يطوّقنا بأنشوطته وتتعلّق خاصة بعقود استثمارية واستغلالية تعود إلى زمن المقيم العام وتمتدّ إلى سنوات عديدة. ومن طرائق الاستعمار المبتكرة إخضاعنا كرها أو طوعا إلى إكراهات صندوق النقد الدولي ومشتقاته. وعدم ضمّنا إلى نوادي الدول الديمقراطية بما يحويه هذا التصنيف من حوافز وآليات دعم عديدة تمتعت بها عشرات الأقطار مثل دول البلطيق وهي «ليتوانيا» و»ليتونيا» و»استونيا»...كما حظيت بها دول أوروبا الشرقية وتايوان وسنغفورة وغيرها... فلماذا نحرم من ريع الديمقراطية ونحن ربيعها في منطقتنا؟ أما موضوع العملة فهو أهم وأعمّ وأشدّ تأثيرا وخطرا وإلا كيف نفسّر تقسيم عملات الأقطار وهي خلاصة إنتاجها ورحيق كدّ مواطنيها إلى عملات صعبة هي التي تتبع الدول الغنية والنافذة. وعملات محلية تلتحف بها بقية الأقطار ولا تزيد اقتصادياتها إلا رهقا لأنها وكما يقال لا تصلح «لا للعير و لا للنفير». وموضوع العملة الصعبة دقيق وحسّاس بل وخطير كونه يمثّل حبلا ضخما تسير حواليه الدول الكبرى والغنية و هو يقيّد بقية الأقطار ويحيلها إلى بلدان متسوّلة حول مائدة النظام العالمي الجديد المتحكّم وفق برتوكلات قاسية تفتقد الرحمة...بل وحتى الانسانية. وإذا كان هلع البلدان الخاضعة لتلك المنظومة من نقص أرصدتها من العملة الصعبة وتحوّل تلك الأرصدة إلى معايير نموّ. فإنّ الدول الغنية والكبرى ينتابها ذات الهلع وربّما أكبر وهي تراقب دولا جديدة ناشئة تتعملق وتتعملق معها عملتها وتصبح منافسا جدّيا لها. والمؤلم أننا وإلى مستقبل منظور سنظل تحت رحمة تقلّب العملات الصعبة مادامت عملتنا أيسر من السهلة ولا تجد لها أدنى مكان لها في أسواق الصرف العالمية. وإن كنا قد ورثنا معضلات اقتصادية عن المستعمر فالأكيد أنّ التناحر المحلّي وغياب الاستراتيجيات الإقليمية خاصة قد جعلنا أسرى إملاءات مصادر وأرباب العملة الصعبة التي تخلخل اقتصادنا بل وجميع أوجه الحياة عندنا سواء عند ارتفاعها أو حتى زمن هبوطها. ذلك أنّ التقسيم الاستعماري الجديد قد جعلنا بين مطرقة «الدولار» أو سندان «اليورو» وهما وبأساليب خبيثة يتبادلان علينا لعبة الصعود لهذا والنزول لذاك. ونحن في خضمّ ذلك نكابد ارتفاع فوائض القروض المتهاطلة علينا باليورو أو بالدولار وحتى تتضح أكثر الحكاية وينجلي ما غمض من الموضوع فعلينا العمل ورسم الخطوط العريضة من قبل ساستنا فيها الكثير من الوطنية ومن التعاون مع جيراننا وإخوتنا في التاريخ والجغرافيا ومدّ جسور التعاون معهم إلى أبعد مدى. لأنهم ضمانتنا الأهم وربما الوحيدة لمجاوزة خانة الخضوع إلى منطق « Devises » وإكراهات العملة الصعبة.