نيبينزيا: على مجلس الأمن أن يدرس بشكل عاجل مسألة فرض عقوبات ضد الكيان الصهيوني    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    الفضيلة    لعبة الإبداع والإبتكار في كتاب «العاهر» لفرج الحوار /1    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    بطولة شتوتغارت... أنس جابر تطيح بالروسية إيكاترينا    أخبار الترجي الرياضي...يان ساس جاهز وأندري بوكيا لغز كبير    حالة الطقس ليوم الخميس 18 أفريل 2024    الكاف: القبض على ثلاثة مروجي مخدرات    لدعم الميزانية والمؤسسات الصغرى والتعليم العالي والبحث العلمي: توقيع 3 اتفاقيات مالية بين تونس وإيطاليا    غدا افتتاح معرض تونس الدولي للكتاب...إمضِ أبْعد ممّا ترى عيناك...!    يهمّ المؤسسات الصغرى التي تواجه صعوبات: برنامج إنقاذ قيمته 26.5 مليون دينار لجدولة الديون والقروض    أخبار المال والأعمال    هيئة الدفاع عن عبير موسي: هيئة الانتخابات رفضت قبول مراسلة من الدستوري الحر    عاجل/ 6 أشهر مع النفاذ في حق محمد بوغلاب..    سيدي بوزيد: حجز مواد مدعمة من اجل الاتجار بطرق غير قانونية    تونس: حجز 6 أطنان من السكر المعد للاحتكار في الحرايرية    عبد المجيد جراد رئيسا جديدا للجامعة التونسية للكرة الطائرة    الرابطة تقرّر عقوبة الويكلو على النادي الرياضي الصفاقسي    توزر: تسجيل حالات إسهال معوي فيروسي    عاجل/ هذا موعد تصويت مجلس الأمن على عضوية فلسطين بالامم المتحدة    سليانة: إخماد حريق نشب في جبل برقو    لإنقاذ مزارع الحبوب: تزويد هذه الجهة بمياه الري    جورجيا ميلوني: "لايمكن لتونس أن تصبح دولة وصول للمهاجرين"    توقّيا من مخاطر الأنترنات على الأطفال: وزارة الطفولة تصدر قصّة رقميّة    حملات أمنية بصفاقس: الأسباب    تزامنا مع زيارة ميلوني إلى تونس: منظمات تونسية تنفذ وقفة إحتجاجية أمام السفارة الإيطالية    عاجل/ القبض على شخصين متورطين في طعن عون أمن بهذه الجهة    سيلين ديون تكشف عن موعد عرض فيلمها الجديد    قتل مسنّ حرقا بمنزله: القبض على 6 أشخاص من بينهم قصّر    المركز العسكري لنقل الدّم يتحصّل على شهادة المطابقة للجودة    عاجل/ سفن حربية ومقاتلات.. هكذا تستعد إيران للهجوم الصهيوني المرتقب    سعيد يدعو إلى اعتماد مقاربة جماعية لمسألة الهجرة ومحاربة شبكات المتاجرة بالبشر    سيدي بوزيد: حجز كمية من المواد الاستهلاكية بغاية الاحتكار والمضاربة..    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يفرض الويكلو على التحضيرات    بطولة شتوتغارت: أنس جابر تضع حدا لسلسة نتائجها السلبية وتتاهل الى الدور ثمن النهائي    زغوان: تطور في قيمة نوايا الاستثمار في قطاع الخدمات في الثلاثي الاول للسنة الحالية    وزيرة التربية: "البنية التحتية من أبرز أسس تطور قطاع التعليم"    الكاف : تلقيح عدد هام من قطعان الماشية والكلاب    تعيين أوسمان ديون نائبا جديدا لرئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    الغرفة الوطنية للمخابز: "أصحاب المخابز لم يعودوا قادرين على تحمّل المصاريف اليومية وتسيير عملها".    علي المرابط في لقاء مع مدير عام الوكالة الوطنية المصرية للدواء    صفاقس: حادث مرور يخلف 5 اصابات    محرز الغنوشي: الأمطار في طريقها إلينا    الحماية المدنية: 19 حالة وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    رئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني في تونس اليوم..    "المكتبات في عصر الذكاء الاصطناعي : أدوار متجددة وخدمات مبتكرة" عنوان الدورة الخامسة لملتقى بن عروس المغاربي للكتاب والمطالعة    معز الشرقي يودع بطولة غوانغجو الكورية للتنس منذ الدور الاول    إجماع على ضرورة تسريع تنفيذ مبادرة تناغم التشريعات في قطاع الأدوية بدول شمال إفريقيا    بعد صمت طويل: هذا أول تصريح لأمين قارة بعد توقّف برنامجه على الحوار التونسي    علامة ''هيرمس'' تعتذر لهيفاء وهبي    مرتبطة بجائحة كورونا.. فضائح مدوية تهز الولايات المتحدة وبريطانيا    مباراة الترجي وصانداونز: تحديد عدد الجماهير وموعد انطلاق بيع التذاكر    شيخ جزائري يثير الجدل: "هذه الولاية بأكملها مصابة بالمس والسحر"!!    معرض تونس الدولي للكتاب 2024: القائمة القصيرة للأعمال الأدبية المرشحة للفوز بجوائز الدورة    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    مفاهيمها ومراحلها وأسبابها وأنواعها ومدّتها وخصائصها: التقلّبات والدورات الاقتصادية    فتوى جديدة تثير الجدل..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف أرشيف بلدان المغرب العربي خلال الحقبة الاستعمارية
نشر في الفجر نيوز يوم 06 - 11 - 2010

لماذا ترفض البلدان المستعمرة تسليمه ..وهل من حقّ الحكومات و المجتمع المدني المطالبة باسترجاعه ؟
إعداد نورالدين المباركي
تونس
• لماذا ترفض فرنسا و الدول الاستعمارية عموما تسليم الأرشيف الذي يخص البلدان التي كانت مستعمرة ؟
• ماهو حجم و قيمة الأرشيف الذي مازالت فرنسا لم تسلمه إلى بلدان المغرب العربي ؟
• لو يتم الكشف عن هذا الأرشيف و الوثائق التي مازالت لدى فرنسا..ما هو تأثيرها على الواقع الراهن ؟
• هل من حق الحكومات و المجتمع المدني أن يطالب باسترجاع هذا الأرشيف ؟
• لماذا حركة المطالبة باسترجاع الأرشيف من الدول الاستعمارية مازالت ضعيفة ؟
هذه الأسئلة توجهت بها "الوطن" إلى عدد من الجامعيين و المختصين في تونس و الجزائر و المغرب على خلفية الجدل الذي مازال يثيره ملف أرشيف بلدان المغرب العربي خلال الحقبة الاستعمارية لدى الدول المستعمرة .
عبد السلام بوطيب (رئيس مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل- المغرب)
حرب" الأرشيف القادمة ؟
عرفت المنطقة المغاربية مند سنة 1830 ، وهو تاريخ احتلال الجزائر ، عزوا استعماريا اختلفت طبيعته من منطقة إلى أخرى ما بين استعمار مباشر في كل من الجزائر وليبيا واستعمار حمائي أو ما شابه ذلك في كل من تونس والمغرب .رغم أن هذا الأخير ، أي المغرب ، عرف استعمارا تجزيئيا ، حيث فتّتته القوى الاستعمارية إلى ثلاث مناطق نفوذ على الأقل .
ورغم اختلاف طبيعة الاستعمار الذي تعرضت له هذه البلدان، فان بشاعة القضاء على المقاومة، وطرق استغلاله ونهبه، وصيغ خرق حقوق الإنسان بأفظع الصور ظلت واحدة، ووحدت ممارسات القائمين على هذا الاحتلال.
وبعد رحيل الاستعمار عن المنطقة ،ومضي سنوات طويلة، كانت ضرورية لأبنائها لفهم ما جرى واستيعابه ، والعمل على إبداع واقتراح صيغ لمعالجة الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تسببت فيها هذه القوى الاستعمارية والمطالبة بالمحاسبة عنها . وجد هؤلاء أنفسهم في مواجهة انتهاك أفظع من الانتهاكات التي مرت ، وهو سطو القوى الاستعمارية على أرشيف المرحلة. مما يجعلنا في مستهل هذا المقال نطرح هذه الأسئلة:
لماذا تصرّ فرنسا وايطاليا، التي كانت تحتل ليبيا، وأسبانيا، التي كانت تحتل شمال المغرب وجنوبه وارتكبت بها جرائم جسيمة ضد الإنسانية أبرزها قصف الريف بالغازات السامة والتسبب في أمراض سرطانية خطيرة ، على رفضها إزالة التشميع عن أرشيف مرحلة تواجدها بالمنطقة، خاصة ما يعرف بالأرشيف السري ؟ وكيف يمكن تبرير هذا الرفض بعد مرور أكثر من نصف قرن على خروجها منها ، وهو الزمن القانوني في كل بقاع العالم لفتح كل أرشيفاتها دون تمييز ؟ وما الذي تخفيه هذه القوى الاستعمارية ؟ ألا يعتبر استمرار فرنسا مثلا في تسمية الأرشيف الذي نهبته من الدول التي استعمرتها سابقا بالأرشيف الوطني للدلالة على أنه ملكها لوحدها ،دليلا على حنينها إلى ماضيها الاستعماري ؟ أليس هذا الرفض لوحده دليل كبير إلى ما يذهب إليه الحقوقيون والفاعلون السياسيون الجادون بالمنطقة من أن جرائم الاستعمار أبشع مما نتحدث عنه ؟ وأخيرا، وهو المهم، ما هي صيغ العمل لإجبار القوى الاستعمارية على فتح أرشيف المرحلة برمته ورده إلى أصحابه الحقيقيين ؟
يجمع المهتمون بالموضوع ، على أن فرنسا وباقي القوى الاستعمارية التي احتلت المنطقة المغاربية ، بحرصها الشديد على إبقاء اكبر قدر ممكن من أرشيف المرحلة الاستعمارية لا تريد أن تكشف للعلن جرائم اقترفتها في حق شعوب المنطقة ، وإن فعلت وسمحت بفك الحصار المضروب على ذاكرة هؤلاء فإنها ستكون أمام مأزق يجبرها على الاعتراف بجرائمها. والبحث عن صيغ معالجتها . والحال أن موضوعا بهذا القدر من الخطورة و التعقيد والراهنية - فرغم مرور أزيد من نصف قرن على رحيل الاستعمار في أكثر من بلد في المنطقة فما زال موضوع الاستعمار موضوعا سياسيا ذو راهنية يؤثر على أكثر من مستوى – يتطلب إبداع صيغ ذكية للمعالجة، سيكون موضوع " إطلاق سراح الأرشيف ورجوعه من الغربة " محورها نظرا لما له من أهمية سنوضحها فيما سيأتي من الحديث. إلا أن المعالجة يجب أن تكون شاملة تنطلق من إثبات حقيقة الاستعمار . فرغم أن هناك عدة وسائل اليوم لإثبات هذه الحقائق ، فالأرشيف سيبقي سيد الأدلة .
غني عن القول أن المطالبة السياسية بمعالجة المرحلة الاستعمارية وجبر ضررها قد بدأ قبل أن يشف حبر معاهدات الاستقلال ، إلا أن المطلب ظل سياسيا ، حتى لا أقول سياسويا ، يفتقد إلى الرؤية الواضحة والى الصيغ المنهجية للعمل والمطالبة بإحقاق الحق ، ووضع الإجابات على الأسئلة التي تطرحها المرحلة .واليوم ، وأمام استحضار شعوب المنطقة لفظاعة المرحلة، وما فوته عنا المستعمر من فرص للتنمية، والرقي الاقتصادي والاجتماعي ، كان لا بد من صيغ للتفكير في معالجة آثار المرحلة عبر تكييف آلية حقوقية – سياسية تستمد آلياتها من آليات العدالة الانتقالية و تحتكم إلى مبادئ حقوق الإنسان وحكم القانون وقيم الديمقراطية وعلى الخصوص القانون الدولي لحقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني .أي بناء منهجية خاصة تمكننا من القطع مع إرث هذا الماضي من خلال اعتماد مقاربة ما وتأصيلها في هذا المجال بين الدول والأمم والشعوب.
من هنا سؤالنا الآتي :
هل يمكن تكييف مقاربة العدالة الانتقالية والعمل بمقتضى مرتكزاتها لمعالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي مورست إبان المرحلة الاستعمارية وما نتج عنها من اختلالات ذات أبعاد سياسية و اقتصادية وحقوقية؟ .
للإجابة على هذا السؤال ضروري جدا الإشارة إلى أن العدالة الانتقالية آلية حقوقية – سياسية ترتكز على الأقل على خمس مقاربات وهي:
 الكشف عن الحقيقة ؛
 جبر الأضرار؛
 حفظ الذاكرة ؛
 المساءلة ؛
 التأسيس للمستقبل .
و تشمل كذلك :
 التحليل النقدي لمشكل الإفلات من العقاب ؛
 فهم المبادرات التي تستهدف المصالحة ؛
 إدماج بعد النوع في تحليل ومعالجة ماضي الانتهاكات ؛
إذا فأولى الخطوات هي البحث عن حقيقة ، أي حقيقة الجرائم السياسية والاقتصادية والحقوقية التي ارتكبها المستعمر في حق شعوب المنطقة ، مع ضرورة التأكيد أننا نستبعد كلية ما يتم الترويج له في فرنسا بالخصوص من منطلق قانون 23 فيفري 2005 الممجد للاستعمار ، من أهمية للمرحلة الاستعمارية بالنسبة للشعوب المستعمرة ، ذلك أننا نعتبر أن الاستعمار في المبتدإ والخبر جريمة يترتب عنها المطالبة بالدين التاريخي الاستعماري .
من هنا فأهمية فتح ملف ضرورة الحصول على الأرشيف الاستعماري يمكن في أهمية الكشف عن حقيقة ما جرى، وهي البوابة الأساسية لتحقيق باقي مرتكزات العدالة الانتقالية، فمطلب الحقيقة في مجال العدالة الانتقالية يتم بتعاون بين المؤرخ والحقوقي والقانوني وغيرهم ( في إطار مجموعة عمل واحدة ). وعادة ما يكون الهدف من هذا التعاون هو معالجة الأسئلة الآتية:
- من أمر ؟
- من نفذ ؟
- من استفاد ؟
أي من أمر بتنفيذ جرائم الاستعمار المختلفة، ومن نفذها، ومن استفاد منها. ومما لا شك فيه أن عدم الحصول على الأرشيف لن يسمح لنا بالتقدم قيد أنملة لحل هذا الملف الذي يرهن حاضر ومستقبل العلاقة مع مستعمرينا القدماء . من هنا فمن الضرورة قيام بلدان المنطقة بمساعي لدى المستعمرين القدامى من اجل استرجاع أرشيف المرحلة الاستعمارية ، ولن يتأتى ذلك إلا عبر توعية المجتمع المدني بأهمية استرجاع أرشيفنا وتأسيس حركة مدنية مغاربية قوية مؤمنة أن العلاقة الندية والمتكافئة والصلدة مع مستعمرينا القدامى لن تمر إلا عبر بوابة معرفة حقيقة ما جرى في المرحلة الاستعمارية ومعالجة الاختلالات التي تسبب فيها معالجة حقوقية – سياسية، تستحضر أن الشعوب التي لا ماضي لها لا مستقبل لها .
محمد النجّار ( رئيس تحرير صحيفة صوت الأحرار الجزائرية - الجزائر) :
الدولة الاستعمارية ترفض تسليم الأرشيف لتطمس حقيقة ما اقترفته من جرائم و ممارسات استعمارية
لماذا ترفض فرنسا والدول الاستعمارية عموما تسليم الأرشيف الذي يخص البلدان التي كانت مستعمرة ؟
تقنيا الأمر بسيط ، لكنه في الجوهر خطير، فالدول الاستعمارية وفرنسا بشكل خاص، ترفض تسليم أرشيف الحقبة الاستعمارية بحجة أنها سلمت أهم جزء فيه، أما ما تبقى على مستوى مصالحها المختصة، فهو أرشيف يهمها هي كدولة فقط ولا يهم البلد الذي استعمرته بالأمس، وفي الغالب تقول إن الأرشيف الذي تحتفظ به يتعلق بالأشخاص السياسيين والعسكريين الذين كانت الأمور موكلة إليهم، وفي كثير من الأحيان تقول إنه أرشيف يعنى بمنجزاتها كدولة كانت قائمة في البلد المستعمر (بفتح الميم)، وبالتالي هو عبارة عن وثائق أرشيفية لفترة تواجدها في مستعمراتها المغاربية.أما جوهر الإشكالية، فيتعلق بكون الدول الاستعمارية وفرنسا خاصة، تعتمد الكذب والافتراء مغلفا بتصريحات دبلوماسية لكي تطمس حقيقة ما اقترفته من جرائم وممارسات استعمارية، وهي متيقنة أنها لو كشفت عن الأرشيف الذي تدعي أنها سلمته، لفضحت جرائمها وتقتاد بالتالي إلى المحاكم الدولية بجناية اقتراف جرائم ضد الإنسانية.
ماهو حجم و قيمة الأرشيف الذي مازالت فرنسا لم تسلمه إلى بلدان المغرب العربي ؟
يجمع المهتمون والمؤرخون في الدول المغاربية وفي الجزائر خاصة، باعتبارها أهم مستعمرة فرنسية فاقت القرن والثلاثين سنة، على أن أرشيف البلدان التي كانت مستعمرة من طرفها، يفوق أرشيف مرحلة ما بعد الاستقلال في الحجم، أما في قيمته، فهو أرشيف بالغ الأهمية من حيث كونه يؤرخ لحقبة تاريخية جد مهمة من تاريخ الدول المغاربية المستعمرة وما عانته طيلة الفترة الاستعمارية من جهة، ومن جهة أخرى هو عبارة عن أرشيف يوضح بالتفصيل الدقيق التشكيلات والميزات والتركيبات الجغرافية والتاريخية والثقافية والعمرانية في صورها الواسعة والدقيقة، وهو الأرشيف الذي إن تحصلت عليه الدول المغاربية فإنها تخطو بفضله خطوة هامة جدا نحو رسم دقيق لتلك التركيبات، مما يسمح بإعادة النظر فيها وتجديدها والاعتماد عليها في مسائل عديدة لا يتسع المقام لجردها وتمحيصها.
هل من حق الحكومات و المجتمع المدني أن يطالب باسترجاع هذا الأرشيف ؟
طبعا
لماذا حركة المطالبة باسترجاع الأرشيف من الدول الاستعمارية ما زالت ضعيفة ؟
في هذا السؤال حكم مسبق، والحقيقة أن مطالبة فرنسا بالأرشيف لم تنقطع، وأقرب دليل على ذلك، انعقاد الملتقى الدولي الأخير بالجزائر حول كتابة التاريخ، والذي انتهى بتوصيات جادة تضمنت الإلحاح على استرجاع أرشيفنا المحتجز لدى مستعمر الأمس، وقد حضر الملتقى مؤرخون وباحثون ومهتمون من تونس الشقيقة والمغرب وسوريا...وشكرا على هذه الدعوة الكريمة، على أن يستمر التواصل بيننا خدمة للمهمة الإعلامية والتاريخية المشتركة.
الدكتور خالد عبيد – مؤرّخ جامعي تونسي – مختصّ في التاريخ السياسي للحركة الوطنية التونسية.
الرصيد الأرشيفي الموجود في الدولة الاستعمارية سابقا من حقّ الشعوب التي نكبت بالاحتلال
ثمّة خصوصية تتميّز بها تونس على بلدان المغرب العربي هي أنّها تمكّنت منذ حوالي ثلاثين سنة من الاتفاق مع فرنسا على استنساخ الوثائق الأرشيفية المتعلّقة بالفترة الاستعمارية، وبمقتضى هذه الاتفاقية تسنّى لبلادنا أن تتحصّل على عشرات الألوف من الوثائق التي تهمّ تاريخ التونسيين المعاصر، الأمر الذي مكّن الباحثين في التاريخ من الانكباب على هذا الرصيد الأرشيفي الهامّ واعتماده كمادّة أساسية في البحوث الجامعية المتعلّقة بهذه الفترة، هذا ولازالت هذه الاتفاقية سارية المفعول إلى الآن، وأعتقد أنّ وجود هذه المادّة الأرشيفية الهامّة ساهم في تطوّر "المدرسة" التاريخية التونسية مقارنة بمثيلاتها في الجزائر والمغرب الأقصى في ميدان تاريخ الحقبة الاستعمارية.
صحيح أنّ تونس لم تتمكّن من جلب كلّ الأرشيف الموجود في فرنسا، وأعني كلّ الأرشيف بما في ذلك الوثائق السمعية البصرية، وهو ضخم للغاية وموزّع بين مراكز أرشيفية متعدّدة، لكن تعدّ مسألة استجلابه أمرا ممكنا وجائزا في ظلّ هذه الاتفاقية خاصّة إذا ما توفّرت الإرادة وتضافرت الجهود هنا في تونس من أجل استكمال جلبه.
وهنا أعتقد أنّ فرنسا لا تمانع أصلا في تمكين تونس على الأقلّ من الحصول على نسخة من الرصيد الأرشيفي المتعلّق بها خاصّة مع التطوّر الرقْمَنِي الكبير الذي نشهده حاليا والذي يسهّل كثيرا مثل هذه المسائل، وبالتالي، أعدّ أنّ ما يروّج من وجود ممانعة فرنسية في تمكين التونسيين من أرشيفهم، أو الأرشيف المتعلّق بتاريخهم زمن الوجود الفرنسي هي مسألة مغلوطة ولا تستقيم مع واقع الحال.
ولا يسعني هنا إلاّ أن أتجاوب مع كلّ من يعتبر أنّ الرصيد الأرشيفي الموجود في الدولة الاستعمارية سابقا من حقّ الشعوب التي نكبت بالاحتلال، وبأنّ هذا الرصيد يشكّل جزءا لا يتجزّأ من ذاكرة هذه الشعوب، لكن أختلف في طريقة المطالبة به، وأحبّذ لو تكون التجربة التونسية نموذجا في هذا الاتجاه بالنظر إلى عدّة اعتبارات غير خافية على أحد فالمسألة كلّها تكمن في المرونة، مرونة مِن وبيْن الطرفين دون مغالاة ودون تشنّجات من هنا أو هناك.
ولا يعني هذا أنّ كلّ الوثائق الأرشيفية هي في متناول الباحثين، بالنظر إلى وجود إجراءات وقوانين تنظّم الأرشيف، وهي من المتعارف عليها دوليا، لكن، ثمّة وثائق أخرى لا أعتقد أنّ فرنسا الحالية على الأقلّ قد "تفرج" عنها يوما، وسبق لي أن أفضت في هذه المسألة بالذات في مقالات سابقة، وأعني هنا الوثائق التي قد يكون الاطّلاع عليها منطلقا للقيام بتتبّعات قضائية ضدّ فرنسا تحت طائلة "جرائم ضدّ الإنسانية" أو "جرائم حرب"..، وما يستتبع ذلك من محاكمة لأسس الشرعية التاريخية للدولة الفرنسية الحالية والمسّ من "قدسية" الرموز الفرنسية التي أرست دعائم الدولة الحديثة.
وهنا أعتقد أنّ هذه الوثائق تشمل كلّ فترة الوجود الفرنسي بتونس منذ سنة 1881 إلى حدّ 1963، وهي بالتالي ليست مقتصرة على ضحايا إرهاب اليد الحمراء الفرنسية ونعني هنا فرحات حشاد وعلي حفّوز والطاهر حفّوز والهادي شاكر وعبد الرحمان مامي..
ودعنا نؤكّد مرّة أخرى بأنّه لن يكون ثمّة أيّ استعداد فرنسي أو أيّ تعاون فرنسي ولو محدود ولو بسيط في مسألة الكشف عمّن أعطى الأمر ومن نفّذ وكيفية التنفيذ بالنسبة للاغتيالات "القذرة" التي طالت الوطنيين التونسيين.
وبالتالي، نؤكّد وبكلّ قوّة أنّه لا ينبغي أن "نتوهّم" بأنّ فرنسا ستكشف اليوم أو غدا أو بعد الغد عن أيّة وثيقة تدين أطرافا كانت يوما ما تسيّر هذه الدولة وتوضّح لنا حقيقة هذه الاغتيالات، خاصّة وأنّ التحرّكات التي نشهدها هنا وهناك لدى بعض التونسيين هي محتشمة ومناسباتية، وليس لديها من أدوات الضغط والتعبئة ما يمكّنها من أن تحقق رغبتها يوما على ضوء استقرائنا لواقع الحال، وليس لديها بالأخصّ استراتيجية واضحة المعالم أو "خارطة طريق محدّدة" قد تمكّنها يوما من تحقيق بعض الاختراقات على المدى المتوسّط والطويل، الأمر الذي يتطلّب نفَسًا طويلا جدّا لدى القائمين على هذا الأمر، ولِمَ لا يعملون على التنسيق مع هيئات جزائرية ومغربية مهتمّة بهذه المسائل قصد تشكيل أداة ضغط أكثر فاعلية، وإن كان هذا التنسيق بعيد المنال حتى لا نقول شيئا آخر، فهل لدينا هذا النفَس بينما المعروف عنّا، نحن التونسيون، أنّنا قدْر ما نتحمّس بسرعة قدر ما نسكن ونخمد؟
الدكتور عبد الحميد الفهري( أستاذ تاريخ بالجامعة التونسية)
المؤرخون هم أكثر الشرائح المعنية بدفع حركة المطالبة بأرشيفنا وبذاكرتنا وبأحد مكونات كياننا في الزمن الحديث
في الوقت الذي تتطلع فيه العامة والنخب إلى عودة "الرشد" للأنظمة الاستعمارية لتعلن عن اعتذارها لما اقترفته من جرائم في حق الشعوب إبان احتلالها المباشر، ها نحن نصطدم مجددا بمواقف هذه الدول الرافضة إعادة أرشيفات الشعوب التي كانت ترزخ تحت سطوتها وهو موقف يترجم في الواقع حقيقة نظرة استعمارية تخيلنا أنها في حساب الماضي بل توهمنا في وقت ما أن العالم المحسوب على العدالة والديمقراطية سيتجاوز أخطاءه للمساهمة في بناء إنسانية جديدة تقوم على المساواة بين الشعوب.
لقد بين العقد الأخير من القرن المنصرم فشل هذا الغرب في الوفاء للمبادئ التي إدعاها لكسب السيطرة في العصر الحديث.
فمسألة إعادة الأرشيفات ليست سوى أحد الأدلة على حقيقة تجديد الاستعمار خطابه ووسائله لفرض استعمار جديد بأساليب حديثة.
لكن لا يجب أن يغيب عنا أن أحد أسباب تعنت الدول الماسكة بأرشيفاتنا يتأتى من استجابتها لمطالب نابعة عن جهات محلية كانت عونا للاستعمار للتسرب في عمق مجتمعنا وانجاز مخططاته. إنها الأطراف العميلة التي استغلت غياب الحقيقة لتزيف التاريخ لتنصبّ في مواقع النفوذ بدعوى خدمة الوطن زمن الاستعمار المباشر.
لقد عشت بنفسي مشاهد الحرج الذي أصاب المثقفين الفرنسيين والنقابيين والنخب المثقفة -وهم يشاهدون الشريط الجزائري "خارج عن القانون" بعد عرضه في القاعات الباريسية . فنسبة هامة من الفرنسيين بالذات يرون أن زمن إخفاء الحقائق قد ولى ولم يعد من المريح للمؤرخين الفرنسيين التعامل مع قضايا الاستعمار المباشر بوثائق تتناقض مع أدنى الحقائق المعروفة
إن المؤرخين اليوم هم أكثر الشرائح المعنية بدفع حركة المطالبة بأرشيفنا وبذاكرتنا وبأحد مكونات كياننا في الزمن الحديث والمؤرخ هنا يأخذ صفة الجمع جنسا ولونا وهوية وبالتالي يمكن أن يأخذ مطلب إستعادة الأرشيفات لأصحابها أبعادا شتى أكاديمية وعلمية علاوة على السياسية والنقابية
المصدر بريد الفجرنيوز
صحيفة "الوطن" العدد 162 الصادر في 5 نوفمبر 2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.