قامت الدنيا ولم تقعد منذ حوالي الأسبوعين منذ اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي.العالم أصبح ينام على لغز اختفائه ويستيقظ على مصيره والكل يبحث عنه وكأنه ابرة ضاعت في كومة قش. عشرات المحللين السياسيين ومئات البرامج بثت ولا يزال البث متواصلا ،الى أن يتبين الخيط الأبيض من الأسود للمصير المجهول لذلك الصحفي الذي وحسب ما قيل لم يكن معارضا شرسا للنظام السعودي بقدر ما كان ناقدا يحسن المداهنة،ولم يكن يشكل خطرا بقدر ما كان يشكل صداعا للنظام. وبغض النظر عن كل الأسئلة المطروحة عن قيمة هذا الصحفي بالنسبة لأية جهة وعن أسباب اختفائه، وعن الجهات المتضررة ،أوصاحبة المصلحة في هذا الاختفاء فان قضيته حبست أنفاس العالم منذ ذلك اليوم وتحوّلت الى ما يشبه أحد أفلام الحركة، أو ربما لمسلسل تركي طويل بطله مفقود بأحد أماكن التصوير ومخرجه مجهول أما كاتب السيناريو فسره مدفون، ونهاية المسلسل قد تبقى مفتوحة لدواع لا يعلمها سوى السيناريست كما عديد الاغتيالات وعمليات الاختطاف التي تقيد «ضد مجهول». المهم في الموضوع أن عشرات المنظمات الحقوقية والانسانية الرسمية وغير الرسمية حكومات دول بأكملها، وشخصيات إعلامية وسياسية رفيعة تحكم دولا عظمى ،تداعت جميعها لتطالب السعودية وتركيا بكشف المستور. وحتى وكالات الاستخبارات العالمية بدأت بفرك أيديها للبحث عن الصحفي المفقود ،ولكل أهدافه الخفية وشعاراته المعلنة للاهتمام بالقضية كالدفاع مثلا عن حقوق الانسان، حرية الصحافة والاعلام،حرية التعبير وإبداء الرأي،الديمقراطية ،وغيرها كثير من الشعارات التي تثير الاحساس بالسعادة لمجرد التفكير بأنها(أي الشعارات) تعكس عدالة عالم لم يتقبل انتهاك حق فرد في التعبير عن أرائه ولم يترك الخاشقجي يواجه محنته وحيدا ( طبعا ان كان لا يزال على قيد الحياة). ولكن ...رائحة نفاق جماعي تفوح من كل هذا .. يخال لك أن الكرة الأرضية قد توقفت عن الدوران منذ أسبوعين،في الوقت الذي لم يتوقف المجتمع الدولي والعرب خاصة طويلا أمام أرقام مفزعة تنشرها دوريا مؤسسات المنظمة الأممية أوجمعيات ومنظمات دولية واقليمية فيما يخص المآسي المترتبة عن الحروب، النزاعات والصراعات الدائرة في أصقاع الأرض وخاصة المنطقة العربية عدا عن الانتهاكات الشرسة لحقوق الانسان والتي لم تظفر ولوبجزء يسير من تلك الاثارة الاعلاميلة التي حظيت بها قضية الخاشقجي .. ما بال العالم لم يتوقف طويلا أمام أحد التقارير الصادرة مؤخرا وبمناسبة العودة لمقاعد الدراسة يفيد بأن 2،6 مليون طفل سوري ومليوني طفل يمني في سن التمدرس لم يلتحقوا بمقاعد الدراسة من جراء الحروب الدائرة هناك بما يعنيه ذلك من ميلاد جيل «أمي»جديد في القرن ال21! ألم يهتز ضمير العالم أمام مشاهد أطفال بشكل هياكل عظمية متحركة بسبب سوء التغذية، أطفال يفوق عددهم أيضا حسب تقرير أممي مئات الالاف !!! ألم تثر شفقة العالم مشاهد النازحين واللاجئين المشردين في أصقاع الارض هربا من النزاعات الدامية في بلدانهم لاجئون يقدر عددهم في العالم وحسب اخر الاحصائيات ب68 مليون لاجىء مع كل ما يعنيه اللجوء من الحرمان ،انتهاك للكرامة الانسانية ،تعدي على حقوق الانسان ووصولا أحيانا للعبودية. وماذا عن قوارب الموت بين ضفتي البحر المتوسط والتي تقل مشاريع انتحار جماعي لافراد لم تعد أوطانهم تتسع لأمنهم، للقمة عيشهم أوحتى لأمالهم .وطبقا لاحصائيات المنظمة الدولية للهجرة غرق 3700مهاجر غير شرعي في2015 و4812 شخصا عام 2016 و3136 شخصا في 2017 !!! لم لم ترتفع الأصوات لتحرير حرائر وأمهات وأطفال السويداء ال36 ومائة شخص في دير الزور محتجزين لدى داعش في سوريا، عدا عن سبي واغتصاب النساء والفتيات وحتى الفتيان أثناء الحروب الدائرة لسنوات!!! لم لم يحرّك ساكنا عدد مفزع نشره تقرير أممي عن قتل 227 اعلاميا وصحفيا في مناطق النزاع في العالم العربي واختطاف 207 مع العلم أن الاختطاف ينتهي غالبا بالقتل وعن 108 محاولة اغتيال دون تعرض المسؤولين عن هذه الجرائم للمساءلة أوالتحقيق والتتبع الجنائي والعقاب!!! ولنبقى في الجغرافيا العربية :ماذا عن عشرات الشهداء الفلسطينيين يقضون نحبهم كل يوم «قنصا» على أيدي قناصة الاحتلال لمجرد التظاهر من خلف الجدار العنصري العازل !!! ألا تدهشنا أرقام عن 100مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر و40 مليون يعانون سوء التغذية ويحتاجون لسد الرمق حسب آخر تقارير الفاو (المنظمة الأممية للأغذية والزراعة )!!! وماذا عن الأوبئة كالكوليرا والملاريا وشلل الأطفال التي عادت لتطل برأسها لتحصد أرواح الآلاف في مناطقنا الساخنة!!! وماذا عن آثارنا المصنفة على أنها كنز التراث الانساني منهوبة ومهربة أومدمرة على يد الارهابيين في سوريا والعراق !!! وماذا عن مياهنا المسروقة من الأردن ومصر والسودان والعراق وسوريا ولبنان بتهديد صارخ للأمن الغذائي والمائي لما يزيد على 200 مليون عربي !!! وغيرها من القضايا الخطيرة المهددة للوجود والتي لم تلق بالا أو اهتماما كما حظيت به قضية اختفاء الخاشقجي. التضخيم الاعلامي لقضية اختفاء الخاشقجي مبرمج ومخطط له ويكتسب أهميته من كونه(أي الخاشقجي)كبش فداء في لعبة التسويات بين أطراف شبه معروفة ولكونه أداة ابتزاز ووسيلة ضغط في خضم صراعات على مصالح حيوية لتلك الأطراف مصالح تعني بالأرقام مليارات الدولارات ولكن المؤكد في هذه القضية أن المعايير الدولية الأخلاقية والقانونية لشعارات رنانة كحقوق الانسان والديمقرطية وحرية الرأي قد سقطت بالضربة القاضية على حلبة النفاق الدولي والعربي خاصة، بالتزامها الصمت حيال انتهاكات انسانية أخطر وأهم من اختفاء الخاشقجي. فلا عزاء لآلاف بل وملايين البؤساء في العالم ولا حيلة لهم ولا قوة الا أن...يتدثروا برداء الخاشقجي.