يشتكي كثير من المواطنين خلال الايام الماضية من ظاهرة بدأت تتوسع شيئا فشيئا وتتسبب لهم في مضار كثيرة ، وهي ظاهرة الاحتكار لكثير من المواد الاستهلاكية الضرورية ورغم وجود قوانين كثيرة واجهزة رقابية تقوم بمكافحة هذه الظاهرة فان لا شيء يمكن ان يحد من هذه الافة افضل من الوعي الانساني والقناعة الشخصية وهذا ما يمكن تلمسه في دور العقيدة والشرع الاسلامي الحنيف . الاحتكار كظاهرة إنسانية موجود منذ القدم وقد حاربه الإسلام، والثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة. والاحتكار في عصرنا الحالي يأخذ صورا أكثر بشاعة والدليل على ذلك الارتفاع المطرد في أسعار العديد من السلع وهو ما يؤدي الى ظهور ما يسمى السوق السوداء حيث يقوم البعض بتجميع الموارد المالية في أيديهم ويحصلون بها على أكبر قدر من السلع الاستهلاكية أو غيرها من المنتجات الضرورية ويقومون باحتكار بيع وتوزيع هذه السلعة في السوق بهدف الحصول على أكبر قدر من الربح دون الوضع في الاعتبار التداعيات التي يتسبب هذا الأسلوب في شيوعها بالمجتمع ومن أبرزها البطالة والتضخم والفساد والفقر والغش،وبالطبع فإن الاحتكار يؤدي إلى العديد من السلبيات لعل أهمها قتل روح المنافسة الشريفة بين الأفراد والدول والتي هي السبيل إلى إتقان العمل وتحسين مستوى الإنتاج كما يدفع الاحتكار القائم به إلى تبديد جزء من الموارد والتخلص منها إما حرقاً أو رمياً في البحر أو غير ذلك خوفاً من انخفاض الأسعار في السوق ، كما أن الاحتكار يكون سبباً في انتشار الحقد والكراهية بين الأفراد مما يساعد على تفكك المجتمع وانهيار العلاقات بين أفراده. كما ان المحتكر نفسه يكون عرضة للضرر اذا شاعت في المجتمع هذه الافة لان من يحتكر سلعة معينة سيكون هو ايضا ضحية للاحتكار في سلعة اخرى من غذاء او دواء . والإسلام حرّم الاحتكار لإدراك الشارع الحكيم أنه أهم عنصر تقوم عليه الاخلاق الجشعة المتسلطة، ويقصد به حبس البضائع عن التداول في السوق حتى ترتفع أثمانها ويزداد الإثم إذا كان احتكارا جماعيا، تواطأ عليه تجار نوع معين من البضائع، ومثله أن يحتكر تاجر واحد نوعا من التجارة لحسابه فيتحكم في السوق كما شاء. وهؤلاء تبرأ الله منهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم في ذلك: « من احتكر طعاما أربعين يوما برئ من الله وبرئ الله منه» . وقد أباح الإسلام لصاحب السلطة إنذار المحتكر ببيع السلعة التي يحبسها عن الناس فإذا رفض يجوز للدولة أن تتدخل وتصادر السلعة لرفع الظلم الذي يتعرض له المجتمع بسبب الاحتكار. ويقول الفقهاء في ذلك إن من احتكر سلعة يجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى فقد ارتكب وزراً كبيراً ومن أجل ذلك نجد الإسلام يرفض التجارة في المحرمات وتكوين الثروات من خلال الاحتكار والتلاعب بالأسعار فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: الجالب مرزوق والمحتكر ملعون. والرسول نهى عن التدخل المفتعل في السوق من أجل الكسب السريع. كما يؤكد الإسلام مبدأ: لا ضرر ولا ضرار، وقد كلف ولي الأمر بأن يمنع الاحتكار بكافة الوسائل التشريعية والقرارات التي يرى فيها قدرة على منع الاحتكار. وهكذا فإن الدولة يجب أن تلعب دورها في التصدي للمحتكرين ويجب أن تفعّل قوانين منع الاحتكار وتنفذ عقوباتها بصرامة شديدة حتى لا تمنح المحتكر فرصة ممارسة أعماله غير المشروعة كما يجب على المؤسسات الدينية أن تلعب دوراً موازياً لتبصير الناس بأحكام الممارسات التي يقومون بها، فقد يمارس المسلم الاحتكار من دون أن يدري أنه يمارس أمراً مرفوضاً ولكنه عندما تردد على مسامعه مراراً حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: من احتكر للمسلمين طعاماً ضربه الله بفقر وإفلاس فإنه من دون شك سيكون لهذا الحديث أثر في حياة المحتكر الجاهل الذي لا يدري أن ما يفعله إثم يضعه تحت طائلة العقوبات الإلهية. والرسول صلى الله عليه وسلم حرص على توعية الناس من خطر الاحتكار حيث يقول في حديثه الشريف:» يحشر المحتكرون وقتلة النفس في درجة واحدة « .