رغم تأكيد رئيس الحكومة يوسف الشاهد أن اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق (الأليكا) مع الاتحاد الاوروبي «أولوية اقتصادية لتونس»، إلا أن حالة من المخاوف والهواجس أصبحت تحوم في تونس حول هذا الخيار بالنظر إلى مخاطره المنتظرة. تونس الشروق – تعالت في تونس الأصوات المنادية بضرورة اخذ الاحتياطات اللازمة من اتفاقية التبادل التجاري الحر والشامل مع الاتحاد الاوروبي الذي تنوي الحكومة اتمام ابرامه العام المقبل ليشمل قطاعي الخدمات والفلاحة والتي ستمكّن من انتصاب مؤسسات واستثمارات اوروبية على ارض الوطن في المجالين المذكورين.. ويرى المنتقدون لهذا التوجه أن الاتفاقية ستساهم في «ضرب» الفاعلين الاقتصاديين في قطاعي الخدمات ( البنوك – التكنولوجيا – الصحة – الاستشارات المختلفة- المطاعم والترفيه والسياحة.. ) والفلاحة وبالتالي التأثير سلبا على قدراتهما وما سيترتب عن ذلك من بطالة وغلق مؤسسات صغرى ومتوسطة وتأثر المشاريع الفلاحيّة فضلا عن الضغط الذي سيحصل على امننا الغذائي والطاقي وعلى البيئة. احتياطات وضمانات لفائدة تونس وضع الطرفان التونسي والأوروبي جملة من المبادئ الاساسية التي يصفونها بالاحتياطات لفائدة الجانب التونسي من اجل ضمان حسن تنفيذ اتفاق «أليكا»منها بالخصوص احترام كامل سيادة تونس حول اختيار نموذجها التنموي واختياراتها الاقتصادية وترتيب اولوياتها واختيار مقاربة تتماشى مع مصلحة تونس. كما حصل الاتفاق على الاخذ بعين الاعتبار مختلف مستويات تطور القطاعات المطروحة للتفاوض وقدرتها التنافسية وتُركت الامكانية مفتوحة لوضع قائمات سلبية لبعض المواد والقطاعات الحساسة سيتم استثناؤها من التحرير اثناء المفاوضات او تحريرها تدريجيا الى جانب تحديد الفترات و المهلة الزمنية الملائمة لتنفيذ الالتزامات. كما وقع الاتفاق على تشريك الفاعلين الاقتصاديين ومكونات المجتمع المدني وضمان شفافية مطلقة حول المفاوضات والمواضيع المدرجة ورزنامتها. وكان الاتحاد الاوروبي قد أكد على ملاءمة مقترحاته مع اجندة الاصلاحات الاقتصادية التونسية واولوياتها التي اختارتها بكل حرية، وعلى ان الاتفاق لن يفرض اي اجندة او اي اصلاحات على تونس تتعارض مع مصلحتها. امن غذائي وطاقي رغم هذه الضمانات، إلا أن الاتفاق يطرح عدة مخاوف وفق المحلل الاقتصادي محمد صالح الجنادي. من ذلك مثلا أن تونس تبدو في رأيه غير جاهزة اليوم لاستيعاب الحركية الإضافية التي سيخلقها هذا الاتفاق داخل البلاد وذلك من حيث الامكانات المادية واللوجيستية. فالبنية التحتية للنقل ( البري والبحري والجوي) تبدو غير جاهزة وكذلك امكانات الادارة التونسية لاستيعاب ومعالجة الطلبات المختلفة للفاعلين الاقتصاديين الأوروبيين الذين سينتصبون في تونس. كل ذلك إلى جانب ضعف قدراتنا الطاقية التي قد لا تقدر ايضا على تلبية حاجيات المؤسسات والمصانع والمشاريع الجديدة التي ستنتصب بيننا وقد نضطر الى مضاعفة وارداتنا من الطاقة وضعف قدراتنا الغذائية خاصة في صورة ارتفاع عدد المستهلكين الاجانب وباعتبار ان المستثمرين الاجانب في القطاع الفلاحي سيوجهون اغلب منتوجاتهم نحو الاسواق الاوروبية وهو ما قد يخلق نقصا غذائيا على السوق المحلية ويؤثر سلبا على امننا الغذائي على حد قوله عمالة اجنبية .. وبطالة محلية نبه محدثنا من خطر آخر وهو امكانية اغراق بلادنا باليد العاملة الاجنبية ( خاصة الافريقية) التي ستستقطبها المؤسسات الاجنبية المنتصبة في تونس، باعتبار هامش الحرية الذي سيترك لها في مجال اختيار اليد العاملة. ومن المنتظر ان يكون هذا التمشي في اطار الحد من الهجرة نحو اوروبا وتحويل تونس الى منصة لاستيعابها.وهذا ما سيؤثر سلبا على تشغيل اليد العاملة التونسية وقد يخلق ضغوطات مختلفة على الدولة في المجال الامني والاداري والغذائي.. ومن المشاكل التي قد تطرح ايضا في رايه مشكل التلوث الذي قد يصيب البلاد جراء تزايد انتصاب المشاريع والمؤسسات الاجنبية الملوثة والتي تجد صعوبات في الانتصاب باوروبا نظرا لوجود قواعد بيئية صارمة هناك. من المشاكل الاساسية المطروحة ايضا حسب الجنادي افتقار مؤسساتنا الوطنية للقدرات التنافسية اللازمة لمنافسة المؤسسات الاوروبية على التراب الوطني وهذا الامر يهم قطاعي الخدمات والفلاحة خصوصا ان اغلب مؤسسات الخدمات في تونس هي صغرى ومتوسطة PME وتعاني من صعوبات عديدة وان اغلب المستغلات الفلاحية صغرى ومتوسطة ايضا ولها بدورها مشاكل مختلفة. كما ان عديد التشريعات والقوانين الاوروبية ستصبح نافذة في تونس وقد لا تتحملها المؤسسات والفاعلون الاقتصاديون التونسيون نظرا لعدم جاهزيتهم لذلك وهو ما سيؤثر سلبا على قدراتهم التنافسية. معاملة بالمثل الأخطر من كل ذلك حسب المتحدث أنه في مقابل التسهيلات والامتيازات العديدة التي ستُمنح للجانب الاوروبي، وقع وضع شروط واعباء عديدة على الجانب التونسي عند رغبته في تطبيق الاتفاقية أي الانتصاب والاستثمار بأوروبا. حيث ستقع المحافظة مثلا على شروط تاشيرة السفر نفسها مع وجود شروط اخرى إضافية وصارمة لانتصاب المشاريع في اوروبا قد يعجز عن توفيرها التونسيون وهو ما قد يجعل الاستفادة من هذه الاتفاقية يكون من جانب واحد فقط.. ينادي المختصّون بضرورة مزيد احاطة هذه الاتفاقية بضمانات اخرى مع امكانية إعادة النظر في شروطها وتوسيع المشاورات حولها حتى لا تلحق اضرارا متوقعة بالجانب التونسي. فيما يذهب آخرون الى المناداة بتأجيل انطلاق تنفيذها الى ما بعد سنوات أخرى على غرار اتحاد الفلاحين واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية حتى تتهيأ بلادنا لذلك كما ينبغي على مختلف المستويات وتصبح جاهزة تماما للتغييرات التي ستحصل. ما هو اتفاق «أليكا»؟ «الأليكا» هي شراكة مميزة تم منحها لتونس منذ نوفمبر 2012 من طرف الاتحاد الأوروبي ، لتكون بذلك أداة إندماج للاقتصاد التونسي داخل السوق الداخلية الاوروبية. ومن هذا المنطلق لا يمكن الحديث عن اتفاق تجاري جديد بالمفهوم التقليدي للكلمة بل عن إندماج أعمق للاقتصاد التونسي في الفضاء الاقتصادي الاورو- متوسطي. ويرمي مشروع الاتفاق بالأساس إلى مزيد توسعة وإدراج قطاعات إضافية جديدة إلى منطقة التبادل الحر، إضافة إلى المنتوجات الصناعية والمعملية التي تم تحريرها بموجب اتفاق الشراكة لسنة 1995 الذي أقر حذف المعاليم الجمركية وسيمكن هذا الاتفاق من خلق اطار موسع ليسهل بصفة تدريجية عملية التعاون والتبادل بين تونس والاتحاد الاوروبي في جميع المجالات ومنها : :تجارة الخدمات- الاستثمار وحماية الاستثمار - تجارة المنتوجات الفلاحية والفلاحة المُصنعة والصيد البحري - الصفقات العمومية- الاجراءات الصحية والصحة النباتية- الحواجز الفنية للتجارة- - التنمية المستدامة- الجوانب التجارية المتعلقة بالطاقة. كما سيمكن الاتفاق في مرحلته النهائية من تناسق القوانين المنظمة للتجارة والاقتصاد و مناخ الاعمال التنظيمي بين تونس والاتحاد الاوروبي.