تعيش تونس اليوم أحلك فتراتها الاقتصادية حيث شهدت جل القطاعات انحدارا كبيرا في مردوديتها وخاصة القطاع الفلاحي الذي يعيش أحلك فتراته في ظل تدهور الإنتاج وارتفاع الأسعار وفقدان جل المنتوجات من حليب وبيض ولحوم وخضر وغلال بشكل أصبحنا نتحدث فيه عن فقدان السيادة الغذائية وتهديد الأمن الغذائي... هذا الوضع الفلاحي الرديء، يتزامن مع دخول الحكومة في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق (أليكا) والتي تفرض فتح الحدود أمام المواد الفلاحيّة الأوروبية وفتح السوق التونسية أمام انتصاب المنتجات والشركات الأوروبية والقبول بالمنافسة مع المنتوج المحلي وتحرير قطاعي الفلاحة والخدمات.. اتفاقية «الأليكا» في جانبها المتعلق بالفلاحة والخدمات ستضع تونس في مواجهة منافسة أوروبية شرسة وغير متكافئة، اعتبارا إلى الفوارق على مستوى الموارد البشرية والتكنولوجية والطبيعة وفي ظل التغيرات المناخية وندرة الموارد المائية وشح الموارد الطبيعية المرجحة للتفاقم.. المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي في ظل مثل هذا الوضع الفلاحي للبلاد يمكن أن يمثل كارثة مستقبلية لتونس ويمكن أن يدمر القطاع برمته أمام استحالة منافسة منتوجاتنا للمنتوج الأوروبي سواء في عقر دارنا أو حتى في ديارهم.. فتونس ليس لها مواد فلاحية قادرة على المنافسة في الأسواق الأوروبية.. وليست لها قدرة تنافسية مع الإتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالإنتاج والجودة والمردودية والسعر... وهذا ما يمثل تهديدا كبيرا خاصة لقطاعات الحبوب والألبان واللحوم وهي القطاعات الاهم على المستوى الغذائي في تونس، والتي ستتأثر بكل تأكيد بشكل كبير باتفاقية التبادل الحر الشامل. هذا فيما يتعلق بالمنتوج في حد ذاته، ونفس الشيء ينطبق على مراكز الإنتاج سواء منه الزراعي أو الصناعي، فالمستغلات الفلاحية (أراض ومصانع تحويلية) في تونس لا تتساوى بالمرة مع ما هو متوفر في أوروبا فأكبرها وأفخمها في بلادنا يمكن أن تكون أصغرها في بلادهم.. وبالتالي فان الاتفاقية ستكون لها انعكاسات وخيمة ليس على صغار الفلاحين والمصنعين فحسب بل حتى على كبارهم وبالتالي فان الأمر يهدد بشكل فاضح الزراعات الصغرى إن لم نقل حتى الكبرى منها... إن اتفاقية «الأليكا» ستضع المنتوجات الأوروبية في موضع قوة وأكثر تنافسية مقابل المنتوجات التونسية، وهو ما سيجبر الفلاحين على التخلي عن أراضيهم والابتعاد عن الفلاحة وسيحيل المصنعين على الإفلاس أمام عجزهم عن المنافسة والصمود حتى في ظل دعم الدولة التي لا نخالها تفعل ذلك.. والأخطر أن اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق يمكن أن تتسبب في عجز غذائي لتونس وبالتالي تضع الدولة في حالة تبعية للأسواق الخارجية لاقتناء حاجياتها الغذائية وهو ما سيرفع من الأسعار ويزيد من حجم التضخم المالي خاصة في ظل التدهور المستمر للدينار أمام العملات الأجنبية. وبالتالي فان الرضوخ إلى ضغوطات الاتحاد الأوروبي سيدفع تونس نحو دوامة خطيرة من الصعب الخروج منها ولن يزيد البلاد سوى أزمات اقتصادية واجتماعية جديدة ستزيد في تدحرج كل المؤشرات دون الحديث عن تهديد مؤكد لأمن البلاد الغذائي.