في الوقت الذي يَحتلّ فيه الدّخلاء ساحتنا الرياضية يَقفز إلى الأذهان اسم شَكّل الاستثناء في الكرة التونسية وهو السيد حمودة بن عمّار الذي يحظى بتقدير الأحباء على اختلاف الألوان بعد أن وَحّدها هذا الرّجل تحت راية واحدة في 2004 ليصنع مع «لومار» وزملاء الجزيري التاريخ ويُهدوا الشّعب كأسه الافريقية الأولى والتي نَتمنّى أن لا تكون الأخيرة. بن عمّار ترك أثرا طيّبا في «باب الجديد» ونجاحات كبيرة في الكرة التونسية التي لا يُمكن لأهلها إلاّ الإصغاء بإنتباه كبير لخطاب ضيفنا العزيز والذي قد يكون آخر المسؤولين «المُحترمين» في هذا الزّمن الذي لا يُسمّى. في البَدء هل تُتابع الأنشطة الرياضية أم أنّ الانفلات جعلك «تُقاطعها» كما هو شأن الكثير من الوجوه الكروية المعروفة مثل علي بن الناصر وعبد الحميد الهرقال وأحمد المغيربي (أطال الله في أنفاسه)؟ رَغم التجاوزات الخطيرة والصّور العنيفة التي تأتينا أسبوعيا من الملاعب والقاعات لم أستطع الابتعاد عن أجواء الرياضة التي أفنيت فيها دهرا كلاعب ثمّ كمسؤول في «باب الجديد» وصلب الجامعة. ولا جدال في أن رياضتنا دخلت مُنعرجا خَطيرا لكن الأمل قائم لإعادة الأمور إلى نِصابها كما أن الانجازات التي يُحقّقها أبطالنا بين الحين والآخر تبعث على التفاؤل كما هو الحال بالنسبة إلى المكاسب المُنجزة من قبل فرسان تونس في المسابقات القارية لكرة القدم أوكذلك النجاحات في بقيّة الاختصاصات مثل التَنس وكرة السلة... من مُنطلق تجربتك التاريخية في الجامعة كيف تَنظر إلى واقع المنتخب؟ لقد عاد المنتخب إلى دائرة العالمية بعد غياب طويل كما أنه تأهّل لِتَوّه إلى النهائيات الافريقية والأمل مَعقود على الجيل الحالي للذّهاب بعيدا في «الكان» ولم لا تِكرار إنجاز 2004 والحصول على الزّعامة القارية خاصّة أن الفريق يضمّ في صفوفه عدة عناصر موهوبة ولها كلّ المؤهلات لتحقيق الأحلام التونسية. وقد لاحظت شخصيا أن المنتخب في نسخته الحالية يرتكز على خليط من الأقدام المحلية والعناصر «المُحترفة» وهو ما يُذكّرنا بأبطال 2004 حيث نجحنا مع «روجي رومار» في خلق التناغم والانسجام بين كافة اللاعبين وحرصنا في الوقت نفسه على تَنقية الأجواء وقد كانت النَتيجة باهرة حيث تُوجّنا بالكأس الافريقية وحافظنا على التواجد في السّاحة الدولية. وأظن أن الجيل الحالي قادر بدوره على التألق إذا توفّرت مُمهّدات النجاح وتَكاتفت جهود مختلف الأطراف: أي الفنيين والمسؤولين واللاعبين والمحبين عَلاوة على سلطة الاشراف التي يَبقى دورها مُهمّا في نشاط المنتخبات الوطنية. منتخب 2004 استفاد من الاستمرارية الفنية أمّا الفريق الحالي فإنّه أضاع طريق الاستقرار حتى أن مُغامرة المدرب المُقال فوزي البنزرتي لم تُعمّر سوى ثلاث مُواجهات رسمية. فكيف تقرأ مثل هذه التوجّهات التي أثارت ضجّة كبيرة في صفوف الجماهير التونسية؟ من الضَروري تكريس الاستقرار الفني والإداري لضمان النّجاح في الجمعيات والمنتخبات وبناءً عليه فإنّ إبعاد فوزي البنزرتي من الفريق الوطني كان مُفاجئا وغريبا خاصة أنه تسلّم المقود منذ فترة وجيزة كما أنه حقّق المطلوب على مستوى الأهداف الرياضية المُتمثّلة بالأساس في اقتلاع ورقة الترشّح للنهائيات الافريقية لعام 2019. وقد يكون قرار الانفصال عن البنزرتي نَاجما عن أسباب خَافية على الرأي العام وترفض الجامعة الكَشف عنها لعدّة اعتبارات وحِسابات لكن هذا لا يَعني أبدا أن نُعامل الرّجل بطريقة غير لائقة خاصّة أن الأمر يتعلّق بمدرب وطني يحظى بالاحترام والتقدير ويتمتّع بسِجلّ تدريبي ثري بل أن هذا الفني يُعتبر الأكثر تتويجا في ساحتنا المحلية. وأنا من الرافضين بشدّة لمثل هذه المُعاملات السيئة بغضّ النّظر عن اسم المدرب وجنسيته: أي أن المسؤول أمام حتمية التَصرّف بشكل حضاري مع الفنيين التونسيين أوالأجانب. ولا يَخفى على أحد أن مدربنا الوطني السّابق «روجي لومار» كان لا يَتّفقُ مع بعض الأطراف ومع ذلك فإنّ الوضع كان تحت السيطرة ولم «يَنحرف» المنتخب عن المسار الصحيح بما أنّنا كنّا نستمع إلى الفني الفرنسي ونخوض معه في كلّ المَسائل الخِلافية والعلاقات العامّة ولا نُغادر المكتب إلّا ونحن اليد بالبيد ليقين كلّ الجهات بأن الحوار هو السبيل الأنجع لحلّ كلّ المشاكل. تُواجه جامعة الكرة انتقادات لاذعة فهل أنّك تَتبنّى المواقف الغَاضبة من مكتب الجريء؟ لقد كنت رئيسا للجامعة ولن أسمح لنفسي بمهاجمة «خُلفائي» في هذا المنصب أومُطالبتهم بالرّحيل كما يفعل البعض وأفضّل دعوة المسؤولين الحاليين إلى مراجعة الحسابات والقيام بالاصلاحات على أمل النهوض باللّعبة التي تعيش للأمانة عدّة صعوبات. وأظن أنّ الجامعة في حاجة أكيدة إلى «التَوافق» مع وزارة الشباب والرياضة لأنّ الصِّراع بينهما لن يَنفع المنتخبات الوطنية والكرة التونسية عُموما وأتمنّى توحيد الصّفوف وتكثيف الجهود لمُعالجة الملفات الحَارقة والمشاريع العَالقة. ويعرف القاصي والداني أن الوضع دقيق ويتطلّب تدخّلات عَاجلة للحدّ من أعمال العنف والشّغب وإصلاح التحكيم وتحسين البِنية التحتية وإنقاذ الجمعيات الرياضية من الإفلاس وهو «الكَابوس» الذي يُهدّد جُلّ أنديتنا. الحَديث عن الأزمات المالية يُحيلنا إلى ملف النادي الافريقي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس ببطولاته العَابرة للقارات وبجماهيره المُتكاثرة بمرور الأيّام والأعوام. فكيف تُواكب أوضاع الفريق؟ أشعر بحزن عَميق بسبب الوضع المُتردّي في النادي الافريقي وهو شأن وطني يَهمّ أبناء الجمعية وكلّ الفَاعلين والغيورين على الرياضة التونسية التي تحتلّ فيها الجمعية مكانة مُميّزة قياسا بشعبيتها الجارفة واسهاماتها التَاريخية في تَموين المنتخبات وإعلاء راية البلاد في المَحافل الدولية. ومن المعروف أن الفريق كان أوّل من أهدى الكرة التونسية رابطة الأبطال الافريقية كما أنّه شكّل الاستثناء بعد تَتويجه بالرباعية التي تُفاخر بها الأجيال المُتعاقبة. ومن المُؤسف أن ناديا بحجم الافريقي يُواجه أزمة تَهدّ الجِبال وغير مسبوقة في تاريخ الجمعية التي تَقف على عتبة المائة عام. الماضي الكبير للفريق يَتعارض تماما مع حَاضره المَرير بما أن الافريقي غَارق في الديون ويحتاج إلى عدّة مليارات للنّجاة من شَبح العقوبات الدولية والحَقيقة أن الوضعية خَطيرة جدّا ولن أبالغ في شيء إذا قلت إنّ تجاوز هذه «المِحنة» يتطلّب تدخّلا من شخص يملك ثروة فَلكية أوحقلا للبترول. هل نَفهم من خطابك أن الحلول مُنعدمة وأن «كِبار» الجمعية سيكتفون بالفُرجة؟ أردت القول إن الوضعية «كَارثية» بكلّ ما تَحمله الكَلمة من معان لكن هذا التشخيص الموضوعي للأزمة لا يدلّ على أن الأمل مفقود بل أن المساعي جَارية لمُجابهة «غُول» الديون. ولن يتأخر أي فرد من أفراد العائلة المُوسّعة للجمعية في مدّ يد المساعدة بالمال لمن استطاع إليه سبيل أوبالكلمة الطيّبة وذلك أضعف الإيمان. ومن المعلوم أن السيد حمادي بوصبيع ثابت على دعم الجمعية وهو مشكور على سَخائه الكبير لكن هذه الاجتهادات الشّخصية لم تُعد تكفي لمواجهة الأزمة. كما أن الجمعية في حاجة أكيدة إلى التفكير في المستقبل والبحث عن موارد مالية قارة لتكون بمنأى عن المشاكل. ويقول العقل إن «حَنفية» المُدعّمين قد تَتعطّل في يوم ما وهو ما يجعل الفريق أمام حتمية البحث عن حلول جذرية على صعيد التمويلات. ومن جهتنا سنقف خَلف الجمعية في «مِحنتها» الحالية والحديث عن شخصي المُتواضع وبقية أبناء الفريق والذين يعيشون حَالة من القلق على مصير الفريق كما هو شأن سعيد ناجي وكمال إيدير... وغيرهما كثير. من المسؤول عن «تَضييع « الجمعية؟ أظن أنّه لا طائل من تِعداد «المُتورّطين» في الأزمة الخَانقة للنادي الافريقي خاصّة أن الجميع على يقين بأن الوضعية الرّاهنة هي نتيجة حَتمية لتراكمات وتَركات الهيئات المُتعاقبة على تَسيير حديقة مُنير القبايلي خلال السنوات الأخيرة. ولا اختلاف في أن فترة سليم الرياحي أفرزت عدّة مُخلّفات سلبية سواء على المستوى المالي أوالرياضي بما أن الجمعية غَرقت في الديون وفقدت هُويتها المَبنية على حسن التدبير والعِناية المُشدّدة بالعمل القاعدي وذلك حسب ما وَرثناه وتعلّمانه من الرؤساء القدامى أمثال عزّوز لصرم وفريد مختار... لقد كان الفريق يستمدّ قُوته من حِنكة مسؤوليه وتقاليده في صِناعة المواهب من «عتّوقة» والشايبي إلى الرويسي والسليمي وكانت الانتدابات انتقائية واضافاتها نَوعية كما حصل مع «مغاريا» و»طاجو» وذلك على عكس ما هو معمول به في الفترة الحالية حيث «تَورّط» النادي في نفقات ضَخمة واتّبع سياسة تكديس اللاعبين وهو ما عاد بالوبال على الجمعية. هُناك شبه إجماع على أنّك من العلامات المُضيئة في دنيا التَسيير فما هي «الوصفة السِّحرية» الكَامنة وراء هذا النّجاح؟ بالتوازي مع الغرام، تَعلّمت أصول التسيير من الشخصيات الرياضية الكبيرة التي تداولت على قيادة النادي الافريقي. وقد اتّبعت سياسة المراحل وتَدرّجت في تَحمّل المسؤوليات وحَرصت في الوقت نفسه على تحصيل العلوم خارج تونس (درس القانون). وقد حَاولت قدر المُستطاع أن أخدم نادي «باب الجديد» وأيضا الجامعة بِتفان وإخلاص. وَرغم هيمنة «الرَّداءة» في الفترة الراهنة فإنّه تُوجد عدّة إطارات تسييرية واعدة وقادرة على النجاح المشروط بتحييد اللّعبة عن الحسابات الشخصية والسياسية. ذلك أنّنا نلاحظ للأمانة أن الكثير من «الدّخلاء» اقتحموا المجال خدمة لمآرب أخرى غير الرياضة وقد أفسد هؤلاء الأجواء.