كثيرا ما ينخرط سياسيونا في مناكفات وتجاذبات ومهاترات لا تنتهي.. وينسون أن البلاد تعيش حالة طوارئ فرضتها الحرب على الارهاب.. كما ينسون أو يغيب عنهم أن الارهاب مازال بيننا يرصد ويتابع ويتحيّن الفرص ليضرب بسهامه الغادرة.. وهو ما حدث يوم أمس في شارع الحبيب بورقيبة برمزيته ومكانته محليا ودوليا وبحجم المؤسسات الموجودة فيه وبكثافة الانتشار الأمني الذي يعرفه هذا الشارع الذي يحتضن مقر وزارة الداخلية. لنقل منذ البداية بأن ما حدث أمس في قلب العاصمة ليس إعجازا ولا إنجازا من قبل من خطّطوا ومن نفذوا هذا العمل الارهابي الجبان.. لأنه رغم النجاحات الأمنية ورغم الضربات الاستباقية الكثيرة التي ينفذها أشاوس المؤسستين الأمنية والعسكرية فإن مثل هذه الأعمال الجبانة واردة.. وهي حدثت وتحدث في أكبر وأقوى الدول وحتى تلك التي تحوز على أجهزة استخبارات جبّارة مثل بريطانيا وفرنسا وأمريكا. لكن ما حدث لا يعفينا من التطرق إلى الظروف والمناخات التي نوفّرها ولو عن غير قصد والتي يصبح معها التخطيط لمثل هذه العمليات وتنفيذها أمرا ممكنا. فحين تركّز الأحزاب ويركّز الساسة (أو بعضهم) على المؤسسة الأمنية ويضعونها في دائرة التجاذب وحروب المواقع.. وحين تستهدف قيادات أمنية تملك من الخبرة الشيء الكثير وأظهرت كفاءة واقتدارا وجرأة في مقارعة الجماعات التكفيرية وفي اختراق الأوساط المتطرفة التي توفّر حواضن شعبية للارهاب.. وحين ننساق في التجاذبات ونزجّ بالأجهزة في دائرة هذه التجاذبات ونتناسى ان الارهاب على الباب لا ينتظر إلا لحظة غفلة أو فترة انتقالية أو ساعة انخرامات ليخرج من جحره وينفث سمومه في البلاد والعباد، كل هذا يضع الجميع أمام مرآة الحقيقة والواقع المر الممثل في أن بلادنا مازالت مستهدفة بآفة الارهاب وبأن التصدّي لها واقتلاع نبتتها الخبيثة يستوجبان وقوفنا صفا واحدا والتفافنا حول المؤسستين الأمنية والعسكرية.. والعمل دون إبطاء على تمكينهما من كل الوسائل والأدوات والتجهيزات والتمويلات ليتمكّن أبناؤهما من أداء واجبهم المقدس في أجواء تمكّن من تحقيق الهدف بأقل التضحيات الممكنة. الارهاب آفة معقدة جدا. وقد زادها تعقيدا انكسار شوكة الدواعش في سوريا والعراق وتشتت خلاياهم في كل مكان علاوة على معاودة نشاطهم في ليبيا.. كما زادها تعقيدا تنامي عمليات الاستقطاب على مواقع التواصل الاجتماعي وتواصل واقع بطالة الشباب وتهميشهم ما يوفر للمستقطبين أرضية خصبة للايقاع بالمزيد من الضحايا.. وهذه العوامل تدعو الجميع إلى الهدوء وإلى التركيز على ايجاد الخطط الكفيلة بتجفيف منابع هذه الآفة عساهم يساعدون الأجهزة الأمنية والعسكرية في معركة المصير التي يخوضها الوطن ضدّ الارهاب وضدّ الفكر المتشدد.. وهي معركة لا تكسب إلا حين نعدّها معركة وطن وحين نخوضها في إطار جبهة وطنية صمّاء لا تترك للارهاب وللارهابيين أي منفذ وثغرة للتسلل ونفث سمومهم بيننا كما حدث أمس في شارع بورقيبة.