زرت أحد الفلاحين لأقدم له العزاء في بقراته الأربع التي تعرّضت الى السرقة في هزيع الليل والنّاس والكلاب. سألت الرجل عما إذا تقدم البحث في الغرض بوجود خيط يفضي الى معرفة اللصّ واللصوص فأجابني ساخرا من سذاجة السؤال بالقول: نعم «حلّوا الصرّة» ولم يجد الخيط الذي تتحدث عنه قلت: إذن كذب الأجداد يوم قالوا «حل الصرّة تلقى خيط» قال: لا، هم على صواب. قلت: إن كانوا على صواب فأين الخيط. قال: اتخذه سراق الوطن شارة حصانة توشّح أكتافهم وصدورهم. قلت: أراك أضعت بوصلة التفكير أنا أحدثك عن سرّاق البقر وأنت تحدثني عن سرّاق الوطن أو لا أدري ماذا؟ أجاب وهو ينفض خيوط عنكبوت من على كتفي بالقول: لولا البقر ما سرقوا الوطن يا كبدي. قلت: «موووه» لم أفهم أليست لك ما للوطن كلاب حراسة وجراؤها؟ سحب سيجارة كان يعلقها خلف أذنه أشعلها. مصّها مصّ الرضيع لثدي أمه وأطلق من فمه وأنفه عُباب دخان كما لو كانت يقظة بركان في صدره انفجرت للتوّ، أنزل «برّاد الشاي» من على المجمرة بعد ما فاض. وأجابني وهو يبتسم بخد ويندب الآخر. حتى الكلاب يا كبدي ألفت السرّاق وودعت النّباح ولازمت الصمت وألهاها الأكل عن «الهبْ» فلا الكلب بقي كلبا ولا «الهب» بقيت «هب». قلت: إذن المشكلة في كلاب الحراسة وجرائها وليست في السراق. قال: المشكلة في البقر الذي تآمرت عليه الكلاب واللّصوص، وفجأة دخل العمدة مبشّرا الفلاّح بتسجيل قضية ضد مجهول. ملأ الفلاح كأسا من الشاي لي وأخرى للعمدة والثالثة له وقال لي: اشرب على نخب هذه الترويكا. لصوص وكلاب وقطيع