صاحبة صوت جبلي.. قوي.. صاف.. ونقي حضور ركحي مبهر وهي تشدو بخوالد الأغنية التونسية الاصيلة عاشقة متيمة بالمالوف والمقامات والطبوع التونسية بشموخ واعتزاز.. تلميذة نجيبة في مدرسة الرشيدية بعراقة تاريخها ووضوح أهدافها. هي سارة النويوي التي ترى في الرشيدية الاصل... والهوية والخصوصية.. الشهرة لا تعنيها بقدر ما يعنيها ويهمّها أن تكون لها بصمتها الفنية الخاصة هو الاعتزاز بالهوية وبالانتماء الى هذه الربوع الجميلة من الوطن العربي الكبير: تونس. * كيف كانت الانطلاقة في عالم الغناء والموسيقى؟ بدأت حكايتي مع الموسيقى والغناء في رحاب دور الثقافة ثم المعاهد الثانوية حيث كان النشاط الثقافي والفني كثيفا ومتنوعا وممتعا.. لكن لابدّ من الاشارة أنني كنت مشدودة الى حلقات الذكر الذي تعلمته على يدي والدي. * ... وتواصلت الرحلة؟ فعلا تواصلت الرحلة اكثر شغفا وحبّا وتعلقا بالموسيقى بالاستمتاع بانتباه واعجاب الى أصوات علية ونعمة وصليحة والهادي الجويني من خلال ما تبثه الاذاعة من أغاني لهؤلاء الرواد. * اختيارك طريق الغناء لم يكن صدفة؟ ليس الأمر كذلك... لقد اخترت عن حب واقتناع ان أكون فنانة تنتصر للاصالة التونسية. * وكانت الرشيدية أولى المحطات؟ فعلا الرشيدية هي محطتي الفنية الأولى والأخيرة.. هي الحضن الذي ارتاح في رحابه ولن أتخلى عنه... هي بيت الأب والأم التي لا غنى عنها التحقت بالرشيدية تلميذة للدراسة وتعلم أصول الموسيقى التونسية وحفظ المقامات والطبوع التونسية. كان الراحل عبد الحميد بنعلجية مؤطري وأستاذي الذي تعلمت على يديه طريقة أداء المالوف لم يخف اعجابه بصوتي فقرّر الحاقي بالفرقة الموسيقية للرشيدية ضمن المجموعة الصوتية. وهناك تلقفني الراحل الطاهر غرسة الذي بادر بتلحين اغنية لي المحفل ما أبهاه.. ولم يمر على التحاقي بالمجموعة الصوتية للرشيدية شهر واحد وهو ما احتج عليه الراحل عبد الحميد بنعلجية الذي رأى في الامر مغامرة قد لا أنجح فيها ولكن اصرار الراحل الطاهر غرسة كان كبيرا ولم يقف الامر عند هذا الحدّ بل كان أول من طلب مني الصعود على الركح لمواجهة الجمهور لأول مرة والغناء بمفردي في حفل الرشيدية الشهري على ركح المسرح البلدي. * كان اختبارا صعبا؟ فعلا... انتابتني الرهبة... لكن سرعان ما انصهرت في الاغنية وزادني تشجيع الجمهور ثقة في نفسي... كنت في قمة السعادة والفرح يغمرني عندما طلب مني الجمهور إعادة الأغنية 3 مرات. * واستقر بك المقام في الرشيدية؟ أنا ابنة الرشيدية وسأبقى كذلك.. لن أتخلى عنها ولن أغادرها. * ستبقين «سجينة» الرشيدية ورهن ما تقدمه من حفلات؟ الرشيدية (دار بابا) وهل هناك انسان له القدرة على التخلي عن (دار العائلة) أسافر.. أغني أقدم حفلات خاصة هنا وهناك لأعود وأستقر في احضان الرشيدية التي هي الاصل في كل شيء. * عرفت الرشيدية عديد المحطات التي قد كان لها تأثير سلبي على مسيرتها (الخلافات بين المشرفين عليها مثلا)؟ ما أؤكد عليه في هذا المجال ان السنوات السبع التي اشرف خلالها زياد غرسة على الرشيدية كانت ثرية بالابداع الموسيقي التونسي وأنا مدينة لهذا المبدع الاصيل بما حققته من نجاح فني.. وتواصلت الرحلة اكثر صفاء وقوة ونجاحا مع المبدعين نبيل زميط وسفيان الزايدي ولا أخفي سرّا اذا قلت أن نبيل زميط من الذين دعموني قولا وفعلا. * فخورة بهذه الرحلة مع الرشيدية؟ نعم... وألا أرى نفسي خارج الرشيدية. * من هو مثلك الأعلى فنيا؟ الراحلة صليحة * لكن صليحة تميّزت بكثافة وتنوّع الانتاج الغنائي الخاص بها؟ سارة النويوي في رصيدها انتاج خاص بها منها أغنيات للشاعرة المبدعة ألفة العبيدي كما أنني أعمل على جمع 50 أغنية نادرة من الموروث التونسي (التراث الجبلي التونسي) سجلت من هذه المجموعة 15 أغنية من أغاني التراثية لنابل والقصرين.. وهدفي القادم انتاج أغنية من الزمن الجميل لحنا ومضمونا. * يعني اننا نفتقد اليوم الى الاغنية الطربية التونسية الاصيلة؟ فعلا.. نحن نعيش زمن الاغنية الخفيفة بلا معنى ولا مضمون... وليت الشباب اليوم يعود الى جذوره ويتلمس بحبّ الروائع الغنائية والمقامات والطبوع التونسية. * ألا تفكرين في الانفتاح على الاغاني الشبابية الخفيفة؟ نعم... أفكّر بجدية في هذا الامر.. لكن لابدّ من توفر عدة شروط منها المضمون والكلمة التي تنتصر للحب والحياة والتفاؤل... أرفض الكلمة التي لا معنى انسانيا ابداعيا فيها. * تنتقين ما تغنيه بدقة؟ نعم دقيقة في اختياراتي الغنائية... لا أغني اي شيء ولا أخفي سرا اذا قلت أني أعشق بشكل كبير أداء القصيد الغنائي * هل تعتبرين ان القصيد الغنائي اليوم مازال له جمهوره؟ فعلا... القصيد الغنائي له جمهوره وحضوره في المدوّنة الموسيقية متوهج على الدوام.. * تختارين الأماكن التي تغنين فيها؟ نعم.. أختار بدقة الأماكن حيث ارتاد الفضاءات الثقافية دون غيرها... وحتى حفلات الاعراس انتقيها. * هل حدث ان رفضت اغنيات عرضت عليك؟ نعم... كثيرة هي الاغاني التي عرضت عليّ واعتذرت لأصحابها لضعف المضمون ثم اللحن على اعتبار ان الالحان الشرقية لا استسيغها حتى وإن كان المضمون تونسيا. * كيف تنظرين الى الساحة الغنائية اليوم؟ اختلط الحابل بالنابل... واكتسحها الطفيليون * جاء موسم الموسيقى التونسية لتعديل المشهد الغنائي؟ لابدّ من توجيه تحية خالصة للاستاذ عزالدين الباجي الذي وجد الدعم من وزارة الثقافة لكسب رهان استعادة الأغنية التونسية الاصيلة ألقها... موسم الموسيقى التونسية يعني الكثير بالنسبة لي... هو انتصار الهوية التونسية... موسم الموسيقى التونسية ايضا هو متعة الاستماع والاستمتاع بالطبوع والمقامات ذات الطابع الخصوصي التونسي. * هذا تأكيد على أنك تفكرين في الهجرة الفنية؟ لا أفكّر البتّة في الهجرة الفنية رغم العروض التي تلقيتها. * ما هي نوعية هذه العروض؟ جاءتني عروض من لبنان حيث طلب مني علي المولى ومروان الخوري بالتحول الى بيروت التي تفتقد لصوت يؤدي اللون الجبلي اللبناني.. رفضت واخترت اللون الجبلي التونسي. * في حياة سارة النويوي... هل هناك خطوط حمراء؟ نعم... كل انسان له خطوط حمراء في حياته لا مجال لتجاوزها او حتى الاقتراب منها. * ما هي نوعية هذه الخطوط؟ الحياة العائلية التي ارى أنها شأن شخصي * لو خيروك بين الحياة الزوجية والفن... لمن تميل الكفة؟ أختار الحياة الزوجية لأن فرحتي في «اللمة» العائلية. * تؤمنين بالصداقة؟ اجتماعية وأتواصل بسلاسة مع الجميع * تعتبرين نفسك محظوظة؟ «عندي القبول» * هل هناك قرارات ندمت عنها؟ اخطو خطواتي بكل ثبات * ألا تعنيك الشهرة؟ أرى في نفسي أنني مشهورة رغم ان هذا اللقب لا يعني الكثير بالنسبة لي. * أفضل اللحظات في حياة سارة؟ اللمة العائلية * حدث أثّر فيك؟ وفاة ابنتي * هل تتابعين الشأن السياسي؟ بدرجة متفاوتة * تونس اليوم كيف تبدو لك؟ ضباب وعدم وضوح.. ورغم ذلك أنا متفائلة بالقادم * السفر ماذا يعني لك؟ متعة واستكشاف واكتشاف لثقافات أخرى. * بلد او مدينة بقيت في الذاكرة؟ اشبيلية مدينة المالوف... وقسنطينة بما حباها الله من جمال طبيعي أخّاذ.