تونس- الصباح الجمهور الغفير الذي حضر حفل فرقة المعهد الرشيدي -مساء السبت الماضي- في قرطاج إحياء لمائوية الفنان الراحل الهادي الجويني ولئن لم يفاجأ بالمستوى الراقي للحفل فنيا وموسيقيا اعتبارا لقيمة وتاريخية فرقة الرشيدية فإنه -بالمقابل- بدا مأخوذا ومبهورا وسعيدا بقيمة ذلك الموروث الغنائي والموسيقي الثري الذي تركه الفنان الراحل الهادي الجويني وتداولت على تقديمه على امتداد السهرة مجموعة من الأصوات التونسية بين شابة ومخضرمة... الرشيدية في الموعد فرقة الرشيدية بقيادة وإدارة الفنان الكبير زياد غرسة وهي تتولى عملية التنفيذ الموسيقي لمختارات من هذا الموروث أبانت -لا فقط- عما يتوفر عليه عناصرها (عازفين ومنشدين) من حرفية وقدرة على الأداء الجيد عزفا وإنشادا وإنما أيضا عن أنها لا تزال تضطلع بدورها كاملا في الحفاظ على الموروث الغنائي التونسي بوصفها المؤسسة المختصة والوحيدة المؤتمنة -تاريخيا- على الاضطلاع بهذه المهمة النبيلة... أغان... وموشحات بعد وصلة موسيقية أولى افتتحت بها الحفل مرّت فرقة المعهد الرشيدي إلى تقديم مجموعة من الموشحات الأندلسية ومن المالوف التونسي وذلك قبل أن تفسح المجال لأول مساهمة غنائية فردية وقد كانت بإمضاء الفنان سمير العقربي الذي أدى على طريقته وبأسلوبه اثنتين من أكثر أغاني الراحل الهادي الجويني -لا فقط- عذوبة وإنما أيضا «صعوبة» -إن صح التعبير- بمعنى أنها أغان عصيّة على الأداء خاصة بالنسبة لمن ليس له علم بالموسيقى من جهة وبخصائص روح وطبيعة الخطاب الغنائي للراحل الهادي الجويني من جهة أخرى... سمير العقربي غنى «ودّعتو» ثم غنى «يا كاسي وينهم جلاسي» وقد كان وهو يؤديها في غاية التفاعل والاندماج وقد استطاع أن يفرض على الجمهور الحاضر الانتباه خاصة لجانب النبوغ والعبقرية والصدق الفني التي تستبطنها مثل هذه الأغاني وهو جانب تعكسه مجمل انتاجات الراحل الهادي الجويني الغنائية... الهادي الجويني حيّ! بعد مساهمة الفنان سمير العقربي تتالت المساهمات الغنائية الفردية ضمن هذا الحفل وقد كانت على التوالي لكل من سفيان الزايدي وسارة النويوي ودرصاف الحمداني ومحرزية الطويل وشكري بوزيان... فضلا عن مساهمة المجموعة الإنشادية للرشيدية (الكورال) التي أنشد أفرادها جماعيا مجموعة من أغاني الراحل الهادي الجويني مضفين عليها طابعا «كوراليا» جميلا مثل أغنية «تحت الياسمينة في الليل» وغيرها. مجموعة هذه المساهمات الغنائية الفردية ولئن عكست مخزون الأصوات النسائية والرجالية من مختلف الأجيال الذين تتوفر عليه فرقة المعهد الرشيدي فإنها أكدت أيضا أن الموروث الغنائي والموسيقي الذي تركه الراحل الهادي الجويني بات الآن في عهدة جهة أمينة ومختصة تدعى الرشيدية ما يعني أن هذا الموروث محفوظ وأن ذكر صاحبه سيبقى مرفوعا وحيا... مساهمة نوعية وإذا كان لا بد من التنويه بالمشاركة النوعية لبعض الأصوات يعينها في حفل الرشيدية هذا في مائوية الراحل الهادي الجويني مثل مشاركة الفنانة درصاف الحمداني التي أدت من بين ما أدت من أغاني الجويني أغنية «تبّعني نننيو الدنيا زينة» وكذلك مشاركة الفنانة سارة النويوي التي أدت أغنية «كي بغيتي تطير يا حمامة»... فإنه لا بد من الإشادة أيضا بمشاركة الفنان شكري بوزيان الذي غنى «اليوم قالتلي زين الزين»... فمشاركة هذا الفنان المخضرم والموهوب والحرفيّ أكدت أنه صاحب صوت له خصوصيته وعذوبته وأنه مطرب وفنان له قيمة حضوره خاصة في مثل هذه الحفلات الراقية والنوعية.